مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول الرجل للرجل: اخسأ

          ░97▒ باب قول الرجل للرجل: اخسأ
          فيه حديث ابن صياد من طريق ابن عباس وابن عمر.
          و(اخسأ): زجر للكلب وإبعاد له وطرد، يقال: خسأت الكلب: طردته. وخسئ الكلب بنفسه، يتعدى ولا يتعدى. هذا أصل هذه الكلمة عند العرب، ثم استعملت في كل من قال أو فعل ما لا ينبغي له، مما يسخطه الله.
          قال صاحب ((الأفعال)): يقال: خسأ الكلب فخسأ؛ أي: زجره فبعد.
          وفي القرآن: {كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] أي: مبعدين فكل من عصى الله تعالى سقطت حرمته، ووجب خطابه بالغلظة والشدة والذم له؛ لينزع عن مذهبه؛ ويرجع عن قبيح فعله.
          قوله: (ثم قال ابن صياد: أتشهد أني رسول الله؟ فرضه رسول الله).
          قال ابن بطال: من رواه بالضاد فمعناه: دفعه حتى وقع، فتكسر، يقال: رض الشيء فهو رضيض ومرضوض إذا انكسر، ومن رواه بالصاد فمعناه: رصه حتى دخل بعضه في بعض، يقال: رص البنيان، والقوم في الحرب رصًّا إذا قرب بعضهم إلى بعض وقربها، وعبارة ابن التين: فرضه: رفضه.
          وقال الخطابي: وقع هنا بضاد معجمة، وهو غلط، والصواب بالصاد أي: قبض عليه بيده، يضم بعضه إلى بعض. وقيل معنى المعجمة: دفعه.
          فيه أن الله لم يطلع نبيه على الدجال متى يخرج في أمته، وأخفى عنه ذلك لما هو أعلم به، فلا علم لنبي مرسل ولا ملك مقرب إلا بما أعلمه الله به، ولذلك قالت الملائكة: {لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة:32].
          قوله: (خبأت لك خبيئا) على وزن فعيل، وهو ماض، وكذلك الخبء.
          والرهط: دون العشرة، وليس معهم امرأة، والأطم يثقل ويخفف، والجمع: آطام، وهي قصور لأهل المدينة، وقال الداودي / : هو القصر والمكان المرتفع.
          وقوله: (ضرب رسول الله ظهره بيده) قال الداودي: يحتمل أن يريد ليخرج ما يسر على لسانه.
          قوله: (هو الدخ) قال الداودي: كان ◙ خبأ له سورة الدخان في يده مكتوبة، فأصاب بعض الكلمة، وهذا كأنه من استراق الجن السمع، فيلقون ذلك إلى الكاهن، فيكذب ويخلط معها. قال: وهو معنى قوله: ((خلط عليك الأمر))(1). وقال القزاز: الدخ: الدخان وكذا قاله ابن فارس، وقال الجوهري: الدخ بالضم لغة في الدخان.
          قوله: (إن يكن هو) يعني: الدجال الذي يزعم أنه رب فلم يسلط عليه؛ لأن له أعمالاً وقد يبلغها.
          قوله: (وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله) فلأنه يومئذ صغير ليس من أهل التكليف ويرجى إسلامه، وقيل: إنه أسلم، قاله الداودي، وأورده ابن [شاهين في] ((الصحابة)) وقال: هو عبد الله بن صائد، كان أبوه يهوديا فولد عبد الله أعور مختوناً. وقيل: إنه الدجال، ثم أسلم، فهو تابعي، له رؤية. وقال أبو سعيد الخدري: صحبني ابن صياد إلى مكة، فقال: لقد هممت أن آخذ حبلا فأوثقه إلى شجرة، ثم أختنق فيما يقول الناس في. وذكر الحديث وهو في [(م)].
          قوله: (يؤمان النخل) أي: يقصدانها، يقال: أمه وأممه وتأممه أي: قصده.
          قوله: (وهو يختل) أي: يختال، قاله الداودي، وقال أهل اللغة: الختل: الخدع.
          قوله: (في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة) قال الداودي: شك المحدث أيهما قال، وهو الصواب الذي لا يفهم كالهينمة، وفي ((الصحاح)): زمزم إذا حرك فاه للكلام. وقال في باب الزاي: الزمزمة: صوت [الرعد]، عن أبي زيد. والزمزمة: كلام المجوس عند أكلهم. قال الداودي: ويروى: زمزة ورمرة. وكان يستلقي على ظهره ويسجي تشبيهاً بفعله ◙.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: هذا مشكل فإن الكتاب في يده لا دخل لاستراق السمع فيه بل يكون من باب أنهم يرون الإنس بحيث لا يراهم الإنس فربما رأى أحد من الجن الكتابة التي كتبها ◙، فأعلم الجني ابن صياد به.
فإن قلت: فكان على هذا التقدير ينبغي أن يكون الدخان بتمام حروفه؟ قلت: أراد أن يقول ولكنه ◙ مضى بقوله: اخسأ)).