مجمع البحرين وجواهر الحبرين

كتاب الكسوف

          ░░16▒▒ ((أبواب الكسوف)).
          ((باب الصلاة في كسوف الشمس))
          كسفت حاله أي: تغيرت، وأصله: التغطية بنقصان الضوء، والأشهر في ألسنة الفقهاء: تخصيص الكسوف بالشمس، والخسوف بالقمر. وادعى الجوهري أنه أفصح، وقيل: هما فيهما، وبوب له (خ) باباً كما سيأتي، وقيل: الكسوف للقمر والخسوف للشمس، عكس السالف؛ وهو مردود، وقيل: الكسوف أوله والخسوف آخره. قال الليث بن سعد: الخسوف في الكل، والكسوف في البعض فيهما.
          وهي سنة، وأبعد من قال إنها فرض كفاية. وعن مالك إجراؤها مجرى الجمعة. ذكر في الباب أربعة أحاديث:
          حديث خالد هو ابن عبد الله بسنده عن أبي بكرة، واسمه: نفيع بن الحارث قال: كنا عند رسول الله فانكسفت الشمس.. الحديث.
          ويأتي في الباب مكرراً، وفي اللباس أيضاً، وأخرجه (ن) في الصلاة والتفسير. قال الدارقطني: وهو مرسل، إنما يرويه الأحنف عنه؛ ولما أورده (ت) من طريق / طاوس عن ابن عباس مرفوعاً أنه صلى في كسوف... الحديث.
          قال: وفي الباب عن علي، وعائشة، وعبد الله بن عمرو، وابن مسعود، وأسماء ابنة أبي بكر، وابن عمر، وقبيصة الهلالي يعني: ابن مخارق وجابر بن عبد الله، وأبي موسى، وعبد الرحمن بن سمرة، وأبي بن كعب. وقال ابن العربي: روى الكسوف عن رسول الله صلعم سبعة عشر رجلاً.
          وقال المنذري: روى الكسوف عن رسول الله تسعة عشر نفساً.
          قوله: ((فانكسفت)) كذا هو بالكاف، وقد رواه جماعة من الصحابة بذلك، وآخرون بالخاء، وآخرون بهما، وهما بمعنى واحد، وهو تغيرها ونقصان ضوئها(1).
          وفي الكسوف فوائد أبداها ابن الجوزي: ظهور التصرف في الشمس والقمر، وتبيين قبح شأن من يعبدهما، وإزعاج القلوب الساكنة للغفلة عن مسكن الذهول، وليرى الناس أنموذج ما سيجري في القيامة من قوله: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [القيامة:8-9] وأنهما يوجدان على حال التمام فيركسان، ثم يلطف بهما فيعادان إلى ما كانا عليه، فيشار بذلك إلى خوف المكر ورجاء العفو، وأن يفعل بهما صورة عقاب لمن لا ذنب له، وأن الصلوات المفروضات عند كثير من الخلق عادة لا انزعاج لهم فيها ولا وجود هيبة، فأتى بهذه الآية، وسنت لها الصلاة؛ ليفعلوا صلاة على انزعاج وهيبة.
          قوله: ((لا ينكسفان لموت أحد)) وفي (ن): ((ولكن الله يخوف به عباده)). وفي رواية (د): ثاب الناس إليه، فصلى بهم ركعتين، وفي أخرى: وذلك أن ابناً للنبي صلعم مات، يقال له: إبراهيم، وللدارقطني: ((ولكن الله تعالى إذا تجلى لشيء من خلقه، خشع له، فإذا كسف واحد منهما فصلوا وادعوا)).
          قوله: ((فصلى بنا ركعتين)) يستدل به من يقول: إن صلاة الكسوف ركعتان لصلاة النافلة، وفي رواية في هذا الحديث: كصلاتكم أو مثل صلاتكم. وفي أخرى: كأحدث صلاة الصبح، وهي ركعتان. وهو ما اقتضاه كلام أصحابنا، أنه لو صلاها كهيئة سنة الظهر ونحوها صحت صلاته للكسوف، وكان تاركاً للأفضل.
          قال ابن بطال: سنة صلاة الكسوف أن تصلى ركعتين في جماعة، هذا قول جمهور الفقهاء إلا أن في حديث عائشة وغيرها في كل ركعة ((ركوعان))، وهي زيادة يجب قبولها، منهم مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور.
          قال: وخالف في ذلك الكوفيون، وقالوا: إنها ركعتان كصلاة الصبح. وظاهر حديث الباب حجة لهم؛ لأنه مجمل لا ذكر فيه لصفة الصلاة.
          وفائدة تطويل صلاة الكسوف إلى الانجلاء؛ عملاً بقوله: ((حتى يكشف ما بكم)) فإن ظن قرب الانجلاء فلا يبتدئ بأخرى، وعليهم الدعاء إلى الانجلاء.
          وفي قوله: ((حتى يكشف ما بكم)) أنه لا ينبغي قطعها حتى تنجلي، كذا استدل به قوم، فيقال لهم: قد جاء في أوله: ((فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم)). فدل ذلك أنه لم يرد عند الكسوف الصلاة خاصة، ولكن أريد منهم ما يتقربون به إلى الله تعالى من الصلاة والدعاء.
          واختلف بعض أصحاب مالك إن تجلت الشمس قبل فراغ الصلاة، فقال أصبغ: يتمها على ما بقي من سنتها حتى يفرغ منها؛ ولا ينصرف ولا يصلي باقي الصلاة على سنة الخسوف.
          قوله: ((فقام يجر رداءه)) ما كان عليه من خوف الله تعالى والبدار إلى طاعته، ألا ترى أنه قام إلى الصلاة فزعاً، وجر رداءه شغلاً بما نزل. وهذا يدل على أن جر الثوب لا يذم إلا ممن قصد ذلك.
          وفيه: إبطال ما كان عليه أهل الجاهلية / من اعتقادهم أن الشمس تكسف لموت الرجل من عظمائهم، فأعلمهم أنها لا تنكسف لموت أحد ولا لحياته، وإنما هو تخويف.
          وفيه: رد على من زعم أن النجوم تسقط عند موت أحد.
          وفيه: أنه لا ينبغي السكوت عن الخطأ. وفي قوله: ((إذا رأيتموهما فصلوا)) دلالة أن تجمع في خسوف الشمس كما تجمع في القمر، وروي ذلك عن ابن عباس، وعثمان، والليث، وبه قال النخعي، والحسن، وعطاء، وإليه ذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأهل الحديث عملاً بهذا الحديث. وقالوا: قد عرفنا كيف الصلاة في أحدهما، فكان ذلك دليلاً على الصلاة عند الأخرى.
          وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن ليس في خسوف القمر جماعة، وإنما يصلونها في البيوت فرادى. وحملوا قوله: ((فافزعوا إلى الصلاة)) أي: جماعة في الكسوف، وفرادى في الخسوف. قال مالك: لم يبلغنا أنه ◙ جمع لكسوف القمر، ولا نقل عن أحد من الأئمة بعده ◙ أنه جمع فيه. قال المهلب: ويمكن أن يكون تركه رحمة للمؤمنين؛ لئلا تخلو بيوتهم بالليل فيحطمهم الناس.
          قلت: وصلى ابن عباس بأهل البصرة في خسوف القمر ركعتين، ثم قال: إنما صليت لأني رأيت رسول الله صلعم يصلي. رواه الشافعي في ((مسنده)).
          قوله: ((فإذا رأيتموهما)) يعني: الشمس والقمر، وفي رواية: ((فإذا رأيتموها)) يعني: الآية.
          2 حديث: ثنا شهاب بسنده عن قيس سمعت أبا مسعود يقول: قال النبي صلعم: ((إن الشمس والقمر)).. الحديث.
          هذا الحديث أخرجه (م) أيضاً، ويأتي في بدء الخلق.
          و((أبو مسعود)): هو عقبة بن عمرو. و((قيس)) هو ابن أبي حازم تابعي، و((إسماعيل)) هو ابن أبي خالد و((إبراهيم)) ثقة مات سنة ثمان وسبعين ومائة.
          وشيخ (خ) ((شهاب بن عباد)) أخرج له (م) أيضاً، مات أربع وعشرين ومائتين. و((الآية)): العلامة، ويحتمل هنا أن المراد: من آياته التي يستدل بها على الوحدانية، والعظمة، والقدرة، أو أنهما من علامات تخويفه وتحذيره.
          3 حديث: حديث ابن عمر مرفوعاً: ((إن الشمس والقمر لا يخسفان..)). ويأتي في بدء الخلق، وأخرجه (م) أيضاً، ويأتي قريباً.
          قال والدي ⌂:
          قوله: ((رأيتموها)) أي: الكسفة أو الآية لأن الانكساف آية من آيات الله تعالى، وفي بعضها رأيتموهما، وقد استدل قوم به على أنه لا ينبغي أن تقطع صلاة الكسوف حتى تنجلي الشمس فقال الطحاوي: فيقال لهم لا تتعين الصلاة بل إما الصلاة وإما الدعاء لقوله: «فصلوا وادعوا».
          قوله: ((لا لحياته)) فإن قلت: ما فائدة هذه اللفظة إذ لم يقل أحد بأن الانكساف للحياة لاسيما هنا إذ السياق إنما هو في موت إبراهيم فيتم الجواب بقوله: لا ينكسفان لموت أحد، قلت: فائدته دفع توهم من يقول قد لا يكون الموت سبباً للانكساف ويكون نقيضه سبباً فعمم النفي أي ليس سببه لا الموت ولا الحياة بل سببه قدرة الله تعالى فقط.


[1] في هامش المخطوط: أقول: والكسوف عبارة عن حيلولة القمر بيننا وبين الشمس، والدليل على ذلك أنها إذا انكسفت كسوفاً كلياً تبقى دائرة حول الشمس في دائرة... وهي تفاوت ما بين القمر والشمس فإن القمر أصغر من الشمس، وأما الخسوف فعبارة عن حيلولة ظل مجرد يجيء من الأرض يحول بين الشمس والقمر يمنع وصول شعاع الشمس إلى القمر هذا ملخص من قول أهل الهيئة وفيه إيجاب كثرة مبسوطه في كتب الهيئة وأما الأطباء فقالوا هي حالة تعرض لهذين الجرمين العلويين كالمرض الذي يعرض للحيوان، وأما المتشرعة فقالوا: إن حصلوها إثبات من آيات الله كما في الحديث وقد نبه ابن الجزري على فوائد منها كما ذكرته في... والكسوف مما يكون الآن في آخر الشهر يعني اجتماع الشمس والقمر والخسوف يكون وسط الشهر حين المقابلة والقمر جرمه كمد مظلم وإنما.... من الشمس مقلبلته لها، وقال أبو الهيثم: أحد وجهي القمر مضيء دائماً والآخر مظلم دائماً وهو يدرو على نفسه... الكسوف. تراجع ص░ 220▒