مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الكبر

░61▒ (باب الكِبْرِ)
          وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} [الحج:9] ... فيه:
          6071- حديثُ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ ...» الحديث.
          وسلف في التفسير، ويأتي في الأيمان والنذور، وأخرجه مسلم أيضًا.
          والعتل: الجافي الغليظ، ومنه قوله تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم:13]، قال الفراء: إنه الشديد الخصومة بالباطل. وعلى الأول أهل اللغة.
          فإن قلتَ: فقد وصفت الكبر بغير ما وصفه به رسول الله صلعم، وذلك أنك رويت عنه صلعم أنه قال: «الكبر من سفه الحق، وغمص الناس وازدرى الحق». ووصفت أنت الكبر بأنه التكبر على الله؟
          قيل: الكبر الذي وصفناه هو خلاف خشوع القلب لله، ولا ينكر أن يكون من الكبر ما هو استكبار على غير الله، والذي قلنا من معنى الكبر على الله، فإنه غير خارج من معنى ما روينا عنه، أنه من غمص الناس وازدراء الحق، وذلك أن معتقِد الكبر على ربه لا شك أنه للحق مُزْدَرٍ وللناس أشد استحقارًا.
          وممَّا يدل على أن معنى الآثار في ذلك عن رسول الله صلعم ما رواه الطبري، عن يونس، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث أن دراجًا أبا السمح حدَّثه عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلعم قال: «مَن تواضع لله درجة رفعه الله درجة، ومن تكبر على الله درجة يضعه الله درجة، حتَّى / يجعله في أسفل سافلين فدل هذا الحديث أن غمص الحق وحقر الناس استكباراً على الله.
          وقد روي عن محمد بن علي أنه قال: ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثله، قل ذلك أو كثر.
          والجواظ: الرجل الجافي الغليظ، وقيل: القصير البطين، وقال الداودي: الجواظ: الجعظري، الكثير اللحم العظيم البطن، الغليظ العنق. وقال الجوهري: هو الضخم المختال في مشيه، وقال أحمد بن عبيد: هو الجموع المنوع.
          قوله: (عطفه: رقبته) عبارة الجوهري: عطفا الرجل: جانباه من لدن رأسه إلى وركيه، وثنى عني عطفه أعرض.
          قوله: (كل ضعيف متضاعف) قال الداودي: الضعيف في جسمه وماله وشأنه، والمتضاعف: المتواضع. وفي ((الصحاح)): الضعيف في بدنه، والمتضعف في ذاته. وقال القزاز: ضعيف في جسمه؛ لاجتهاده في عبادته، قوي في طاعته وتصرفه.
          قوله: (لو أقسم على الله لأبره) أي: لو أقسم عليه: لتفعلن له ما أحب لأبر قسمه؛ أي: فعل له ما يكون بفعله قد أبر قسمه.
          قال والدي ⌂:
          (باب قول الله تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ}) [النحل:90].
          قوله: (ثم بغى عليه) أي: ثم ظلم، وما وقع في بعض النسخ ومن بغى عليه فهو خلاف ما عليه التلاوة و(كذا وكذا) أي أياماً و(يأتي أهله) أي: يخيل إليه أنه يباشر أهله ولم يكن ثمة مباشرة و(ذات يوم) أي: يوماً وهو من باب إضافة المسمى إلى اسمه و(أمر) أي: أمر التخييل و(الرجلان) هما الملكان بصورة الرجلين و(رجلي) مفرداً ومثنى و(من طبه) أي: من سحره و(لبيد) بفتح اللام وكسر الموحدة ابن الأعصم.
          و(فيم) أي: في أي شيء و(الجف) بضم الجيم وشدة الفاء وعاء طلع النخل ويطلق على الذكر والأنثى و(المشاقة) بضم الميم وبالمعجمة والقاف الخفيفتين ما يغزل من الكتان و(الراعوفة) بالراء والمهملة والواو والفاء حجر في أسفل البئر و(ذروان) بفتح المعجمة وإسكان الراء وبالواو وبالنون بستان فيه بئر بالمدينة و(رؤوس الشياطين) مثل في استقباح الصورة أي: أنها وحشة المنظر سمجة الشكل و(النقاعة) بضم النون وخفة القاف وشدتها ما ينقع فيه الحناء و(أخرج) أي: من تحت الراعوفة لكنه لم ينشره ولم يفرق أجزاءه ولم يطلع عليه الناس و(زريق) مصغر الزرق بالزاي والراء و(الحليف) المعاهد، مر أبحاث الحديث في أواخر كتاب الطب.
          قوله: (بشر) بإعجام الشين و(معمر) بفتح الميمين و(همام بن منبه) بفاعل التنبيه و(الظن أكذب الحديث) أي: أكثر كذباً من الكلام.
          فإن قلت: الكذب إنما هو من صفات الأقوال؟ قلت: المراد به هاهنا عدم مطابقة الواقع سواء كان قولاً أم لا وفيه لطائف تقدمت في النكاح في باب لا يخطب على خطبة أخيه.
          و(لا تجسسوا) بالجيم والحاء كلاهما بمعنى وقيل: بالجيم البحث عن العورات، وبالحاء الاستماع لحديث القوم و(التدابر) التهاجر وهو أن يولي كل منهما صاحبه دبره وهذا فيما كان من باب الأخلاق، وأما من أتى معصية أو جنى على الدين وأهله جناية فقد جاء الهجران بأكثر من ذلك.
          وقد أمر رسول الله صلعم المسلمين بهجران كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك فهجروه خمسين يوماً حتى نزلت توبته، وقد آلى رسول الله صلعم من نسائه شهراً وصعد مشربته ولم ينزل إليهن حتى انقضى الشهر.
          قوله: (عباد الله) منادى مضاف.
          فإن قلت: المؤمنون إخوة فما معنى الأمر به؟ قلت: المراد لازم الأخوة؛ يعني: متعاطفين متعاونين / في الخيرات أو كونوا كالأخوة الحقيقية.
          قوله: (لا تناجشوا) من النجش بالنون والجيم والمعجمة، وهو أن يزيد في ثمن المبيع بلا رغبة ليخدع غيره فيزداد عليه، الخطابي: إياكم والظن يعني تحقيق الظن والحكم بما يقع في القلب منه كما يحكم بيقين العلم في الأمور المعلومة، وذلك أن أوائل الظن إنما هي خواطر لا تملك دفعها والأمر والنهي يردان بتكليف المقدور عليه.
          قوله: (سعيد بن عفير) مصغر العفر بالمهملة والفاء والراء و(عقيل) بضم المهملة و(الليث) هو ابن سعد الفهمي بالفاء (قال كانا) أي: فلان وفلان رجلين من أهل النفاق.
          فإن قلت: ترجم بوجود الظن، وفي الحديث نفي الظن قلت: العرف في قول القائل ما أظن زيد في الدار أظنه ليس في الدار.
          قوله: (ابن بكير) تصغير البكر بالموحدة يحيى و(ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله بن مسلم وهو روى عن عمه وهو عن سالم بن عبد الله بن عمر وعن أبي هريرة عن النبي صلعم.
          قوله: (إلا المجاهرون) مرفوعاً، وفي بعضها إلا المجاهرين منصوباً، وحقه النصب على الاستثناء إلا أن يقال العفو بمعنى الترك وهو نوع من الترك و(المجاهر) هو الذي جاهر بمعصية و(أظهرها) أي: كل واحد من أمتي يعفى عن دينه ولا يؤاخذ به إلا الفاسق المعلن المجاهر هو عدم المبالاة بالقول والفعل و(عملا) أي: معصية و(عملت) بلفظ المتكلم و(يصبح) أي: يدخل في الصباح.
          قوله: (صفوان بن محرز) بضم الميم وتسكين المهملة وكسر الراء وبالزاي، المازني البصري و(النجوى) أي: المسارة التي تقع بين الله تعالى وعبده المؤمن يوم القيامة، والمراد من الدنو: القرب الرتبي لا القرب المكاني و(الكنف) الساتر؛ أي: حتى تحيط به عنايته التامة وبقول الله (عملت) بلفظ الخطاب ومرتين متعلق بالقول لا بالعمل و(يقرره) أي: يجعله مقررًا بذلك، والحديث من المتشابهات فحكمه التفويض أو التأويل كما هو حكم سائر إخوانه.
          وفيه فضل عظيم من الله تعالى على عبده حيث يذكره المعاصي سرًّا ثم يغفر له مر في أول كتاب المظالم.
          فإن قلت: الترجمة في ستر المؤمن وهذا في ستر الله؟ قلت: ستر الله مستلزم لستره وقيل: هو بسبب أن أفعال العبد مخلوقة لله تعالى.
          قوله: (عطفه) بالكسر الرقبة، قال في ((الكشاف)): ثنيُ العطف عبارة عن الكبر و(الخيلاء) كتصعير الخد ولي الجيد قال (وثاني عطفه) بالفتح مانع بعطفه.
          قوله: (محمد بن كثير) ضد: القليل و(معبد) بفتح الميم والموحدة وتسكين المهملة بينهما ابن خالد القيسي الكوفي و(حارثة) بالمهملة والمثلثة ابن وهب الخزاعي بضم المعجمة وخفة الزاي وبالمهملة و(مستضعف) بفتح العين وكسرها ومعناه يستضعفه الناس ويحتقرونه لضعف حاله في الدنيا أو متواضع متذلل خامل الذكر و(لو أقسم يمينا) طمعاً في كرم الله بإبراره لأبره وقيل: لو دعاه لأجابه.
          و(العتل) الغليظ الشديد العنيف و(الجواظ) بفتح الجيم وشدة الواو وبالمعجمة الجموع المنوع أو المختال في مشيه، والمراد: أن أغلب أهل الجنة وأهل النار هؤلاء وليس المراد الاستيعاب / في الطرفين مر في سورة ن والقلم.
          قوله: (محمد بن عيسى) الطباع بالمهملتين والموحدة أبو جعفر السامي و(هشيم) مصغر الهشم الواسطي والمقصود من الأخذ بيده لازمه وهو الرفق والانقياد؛ يعني: كان خلق رسول الله صلعم بهذه المرتبة وهو أنه لو كان لأمة حاجة إلى بعض مواضع المدينة أو تلتمس منه مساعدتها في تلك الحاجة واحتاج بأن يمشي معها لقضائها لما تخلف عن ذلك حتى يقضي حاجتها.
          وفيه أنواع من المبالغة من جهة أنه ذكر المرأة لا الرجل والأمة لا الحرة وعمم بلفظ الإماء؛ أي: أي أمة كانت وبقوله حيث شاءت من الأمكنة، وعبر عنه بلفظ الأخذ باليد الذي هو غاية التصرف ونحوه صلعم.
          الزركشي:
          حديث السحر سبق في الطب، إلا أن قوله: ((فمكث النبي صلعم كذا وكذا)) قد ورد في (ن): ((شهرين)).
          (فإن الظن أكذب الحديث) أي: تحقق الظن والحكم بما يقع في القلب منه كالحكم بيقين العلم، فأما أوائل الظنون فإنما هي خواطر لا يملك دفعها، وإنما يكلف المرء ما يقدر عليه دون ما لا يملكه.
          (ولا تحسسوا ولا تجسسوا) الأول بالحاء والمهملة، والثاني بالجيم، قال الحربي: هما بمعنى واحد وهو البحث عن بواطن الأمور.
          وقيل: بالجيم تطلب الأخبار من غيره بالسؤال والبحث عن عورات الناس، وبالحاء إذا تولى ذلك بنفسه.
          وقال في ((الفائق)): بالجيم تعرف الخبر بلطف، ومنه الجاس، وجس الطبيب اليد، وبالحاء: تطلب الشيء بحاسة كالتسمع على القوم.
          (ولا تدابروا) أي: لا تهاجروا، يولي كل واحد صاحبه دبره.
          (وكونوا عباد الله إخوانا) يجوز في ((عباد الله)) النصب على خبر كان وما بعده على الحال، أو على النداء وما بعده خبر كان.
          (باب ما يكره من الظن) وفي نسخة: ((يجوز))، واستشكل لأن صيغته تنفي الظن، لكن نفي الظن فيه وفي أمثاله موضوع الظن النفي عرفاً، وإنما عدل عن الحقيقة الأصلية في الإطلاق تحقيقاً للنصفة، وأن صاحبه بريء من المجازفة حري بالمناصفة.
          (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) أي: المعلنون بالمعاصي المشتهرون بإظهارها، وإنما رفع المستثنى وإن كان بعد موجب؛ لأنه قد يرد مرفوعاً بالابتداء ثابت الخبر كقوله: ((فأحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم)) ومحذوفه هكذا، فـ((إلا)) بمعنى لكن، و((المجاهرون)): مبتدأ والخبر محذوف؛ أي: المجاهرون بالمعاصي لا يعافون، قاله ابن مالك.
          قال: وبمثله تأولوا قراءة بعضهم: {فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيل} [البقرة:249] أي: إلا قليل لم يشربوا.
          واعلم أنه ترجم على هذا الحديث:
          ستر المؤمن على نفسه، وذكر معه حديث النجوى وما فيه سترت على نفسك بل سترتُ عليك؛ لأن ستر العبد على نفسه هو ستر الله عليه إذ هو خالق عبيده وأفعالهم.
          (كنفه) أي: ستره.
          (ألا أخبركم بأهل الجنة: كل ضعيف) برفع ((كل)) لا غير؛ أي: هم كل ضعيف، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          (الظن) هو الطرف الراجح ومقابله الوهم وهو المرجوح، والمتساوي الطرفين الشك.
          قوله: (من المجانة) المجون أن لا يبالي الإنسان بما صنع.
          قال بعضهم قوله: من المجانة: المجنة: بدعة، هي أن يأخذ السلطان الرجل فيمنحه ويقول فعلت كذا وفعلت كذا، فلا يزال به يسقط ويقول ما لم يفعله وما لا يجوز قوله يعني أن هذا الفعل بدعة.