مجمع البحرين وجواهر الحبرين

كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها

          ░░51▒▒ ((كتاب الهبة))
          ((باب الهبة وفضلها والتحريض فيها))
          فيه حديث أبي هريرة، عن النبي صلعم قال: ((يا نساء المسلمات))... الحديث.
          وحديث عائشة أنها قالت لعروة ابن أختي إن كنا لننتظر الهلال... الحديث
          أصل الهبة من هبوب الريح، أي: مروره، وحقيقتها التمليك بلا عوض شرعاً في الحياة.
          وحقيقة ما ذكره (خ) أنه هدية، فإنها ما نقل إلى مكان الموهوب له على وجه الإكرام، فكل هدية هبة ولا عكس، وحديث أبي هريرة أخرجه (م) أيضاً.
          وحديث عائشة أخرجه (م) أيضاً.
          في إعراب ((يا نساء المسلمات)) أوجه ذكرها القاضي أصحها وأشهرها نصب النساء وجر المسلمات على الإضافة.
          قال الباجي: وبها رويناه عن جميع شيوخنا بالمشرق، وهو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، والموصوف إلى صفته، والأعم إلى الأخص، كمسجد الجامع، وهو عند الكوفيين جائز على ظاهره، وعند البصريين يقدرون فيه محذوفاً أي: مسجد المكان الجامع ويقدر هنا: يا نساء الأنفس المسلمات أو الجماعات، وقيل: تقديره يا فاضلات المسلمات، كما يقال:
          هؤلاء رجال القوم أي: ساداتهم وأفاضلهم.
          2- رفعه على معنى النداء والصفة، أي: يأيها النساء المسلمات. قال الباجي: كذا يرويه أهل بلدنا.
          رفع النساء وكسر التاء من المسلمات على أنه منصوب على الصفة على الموضع، كما يقال: يا زيد العاقل برفع زيد ونصب العاقل.
          واقتصر ابن التين على أن قال: هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه مثل قوله: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق:9].
          وقال ابن بطال: هو على غير الإضافة، التقدير: يأيها النساء المسلمات، ومثله: يا رجال الكرام، فالمنادى هنا محذوف وهو أيها، والنساء في تقدير النعت لأيها والمؤمنات نعت النساء.
          وحكى سيبويه: يا فاسق الخبيث، ومذهبه أن فاسق وشبهه معرف بـ((يا)) كتعريف زيد بيا في النداء، وكذلك يا نساء هنا، فيخرج على مذهبه أن يجوز نصب نعته، كما جاء يا زيد العاقل، فيجوز على هذا يا نساء المسلمات.
          ومن رواه بالإضافة ونصب النساء، فيستحيل أن تكون المسلمات هنا من صفات النساء؛ لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه وإنما يضاف إلى غيره مما يبينه به ويضمه إليه، ومحال أن يبينه بنفسه أو يضمه إليه. هذا مذهب البصريين.
          وقد أجازه الكوفيون أعني: إضافة الشيء إلى نفسه واحتجوا بآيات من القرآن تتخرج معانيها على غير تأويلهم منها قوله تعالى: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ} [يوسف:109]، و{دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5].
          وقال الزجاج وغيره: معناه: دار الحال الآخرة، أن للناس حالتين حال الدنيا وحال الآخرة، ومثله: صلاة الأولى، والمراد: صلاة الفريضة الأولى والساعة الأولى؛ لأنها أول ما فرض منها.
          ومعنى: دين القيمة: دين الملة القيمة، ولهذا وقع التأنيث لكنه يخرج يا نساء المسلمات على تقدير بعيد، وهو أن يجعل نعتاً لشيء محذوف كما سلف فإنه قال: يا نساء الأنفس المسلمات والمراد بالأنفس: الرجال.
          وفيه / لفساد المعنى؛ لأنه صلعم إنما خاطب النساء بذلك على وجه الفضيلة لهن والتخصيص، وعلى هذا الوجه لا فضيلة لهن في ذلك إلا أن يراد بالأنفس الرجال والنساء معاً، فيكون تقديره: يا نساء الأنفس المؤمنات، على تقدير إضافة البعض للكل، كما تقول: أخذت دراهم مال زيد، ومال زيد واقع على الدراهم وغيرها.
          وأصل الفرسن للإبل وهو موضع الحافر من الفرس، ويقال لموضع ذلك من الغنم الظلف.
          قال ابن دريد: هو ظاهر الخف والجمع: فراسن.
          وقال ابن سيده: هو طرف خف البعير، حكاه سيبويه في الثلاثي، ولا يقال في جمعه: فرسنات، كما قالوا: خناصر ولم يقولوا خنصرات.
          وقال في ((المختص)): هو عند سيبويه ((فعلن)). ولم يحك غيره في الأسماء ولا علمه صفة. وقال أبو عبيد: عظام الفرسن كلها.
          وقال في ((المغيث)): هو عظم قليل اللحم وهو للشاة والغنم بمنزلة الحافر للدابة، وقيل: هو خف البعير.
          قال الجوهري: ربما استعير للشاة، وكذا قال ابن السكيت وأنشد:
أشكو إلى مولاي من مولاتي                     تربط بالخيل أكرعاتي
          فاستعار الأكارع للإنسان كما استعار الفرسن للشاة.
          قال ابن السراج: والنون زائدة، ووضعها النضر بن شميل في كتاب ((الإبل)) فأحسن فقال في الفرسن: أم القردان من ظاهر وباطن، وفي كل فرسن ست سلاميات ومنسمان، والأظل والخف: هي الجلدة الغليظة التي في باطن قرنه. وفي الفرسن ستة أشياء عددها.
          والفرسن أسفل الرجل ثم البعير ثم الوظيف ثم الذراع ثم العضد ثم الكتف، وعبارة الأصمعي: الفرسن ما دون الرسغ من يدي البعير وهي مؤنثة والجمع: الفراسن.
          فيه الحض على التهادي والمنافحة ولو باليسير؛ لما فيه من استجلاب المودة وإذهاب الشحناء، ولما فيه من التعاون على أمر المعيشة المقيمة للأرماق، وأيضاً فإن الهدية إذا كانت يسيرة فهي دليل على المودة وأسقط للمؤنة وأسهل على المهدي لإطراح التكليف.
          وفي حديث عائشة ما كان عليه ◙ من الزهد في الدنيا والصبر على التقلل وأخذ البلغة من العيش وإيثاره الآخرة على الدنيا؛ لأنه قد خير بين الآخرة والدنيا، فاختار الآخرة، وأن يكون نبياً عبداً ولا يكون ملكاً.
          وفيه: فضل التقلل والكفاف على التنعم والترفه.
          وفيه: حجة لمن آثر الفقر على الغنى.
          وفيه: أن من السنة مشاركة الواجد المعدم، وأن يكون الناس يشتركون فيما بأيديهم بالتقصد من الواجد.
          قال عياض: وفيه الحض على الصدقة، ويحتمل أن يكون نهياً للمعطاة عن الاحتقار، ولا يحقر المهدي إليه؛ لأن في احتقاره انقطاعاً عن المعروف وربما لم يكن الكثير كل وقت، فإذا تواصل اليسير فكان كثيراً.
          وفيه: ما كانت الأنصار عليه من الكرم والمواساة، وقد آثروا على أنفسهم.
          قولها: ((الأسودان: التمر والماء)) هو من باب التغليب كالأبيضين الماء واللبن وغير ذلك.
          وقال ابن سيده: فسر أهل اللغة بالماء والتمر وعندي أنها إنما أرادت: الحرة والليل، قيل لهما: الأسودان لاسودادهما؛ وذلك أن / وجود التمر والماء عندهم شبع وري وخصب لا نصب.
          وإنما أرادت عائشة أن تبالغ في شدة الحال، وتنتهي في ذلك بأن لا يكون معها إلا الليل والحرة، أذهب في سوء الحال من وجود التمر والماء، وضاف مزيد المديني قوم فقال لهم: ما لكم عندنا إلا ((الأسودان)). فقالوا: إن في ذلك لمقنعا الماء والتمر. فقال: ما ذلك أردت والله، إنما أردت الحرة والليل. وقيل: إن الأسودين الماء واللبن وجعلهما بعض الرجاز والماء والفث وهو ضرب من البقل يحتفر فيؤكل يقال:
الأسودان الماء والفث دوا أسقامي
          والمنائح: جمع منيحة، قال الفراء: منحه منحه: وهي الناقة والشاة يعطيها الرجل لآخر يحلبها ثم يردها، وزعم بعضهم أن المنحة لا تكون إلا ناقة.
          قال أبو عبيد: المنيحة عند العرب على وجهين: أن يعطي الرجل صاحبه صلة فتكون له، وأن يمنحه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمناً ثم يردها.
          وقال الحربي: العرب تقول: منحتك الناقة، وأمنحتك الوبر، وأعومتك النخلة، وأعمرتك الدار، وهذه كلها هبة منافع يعود بعدها مثلها.
          قال الداودي: ويقال لمعطية ركوب الدواب ولبس الثياب: عارية، مشدد ومخففة.
          قال ابن حبيب: ويقال للعبد: أخدمتك، ومن المنحة قرض الذهب والورق، ويقال لما وقف مؤبداً: أحبس. وأكثر العرب يجعلها العارية دون الهبة وهو تأويل قوله: ((المنيحة مردودة)).
          وقال التوزي في شرح شعر أبي بجيلة: أصلها العارية، ثم استعمل حتى صارت كل هبة منيحة.
          وقال اللحياني: لا تكون إلا المعارة للبن خاصة.