مجمع البحرين وجواهر الحبرين

كتاب النفقات

          ░░69▒▒ كتاب النفقات وفضل النفقة على الأهل
          والنفقات: جمع نفقة، من الإنفاق، وهو الإخراج. واختلف في تأويل هذه الآية، فروي عن أكثر السلف، كما قاله ابن بطال أن المراد بذلك صدقة التطوع، روي ذلك عن القاسم وسالم، قالا: العفو: فضل المال، ما تصدق به عن ظهر غنى.
          وقال الحسن: لا تنفق حتى تجهد مالك، فتبقى تسأل الناس. وفي (خ) عنه: أنه الفضل. قال ابن التين: يريد ما سهل، ومنه: ((أفضل الصدقة ما تصدق به عن ظهر غنى)) وقال مجاهد: هو الصدقة المفروضة، وهو غير ممتنع. كما قاله إسماعيل؛ لأن الذي يؤخذ في الزكاة قليل من كثير؛ ولأن ظاهر التفسير ومقصد الكلام يدل أنه في غير الزكاة.
          قال ابن التين: والأول أبين. يعني قول الحسن.
          قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ. فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة:219-220] أي: تتفكرون فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا، وقيل: هو على التقديم والتأخير؛ أي: كذلك يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون.
          قال بعضهم: كل إنفاق في القرآن فهو صدقة. وقال الزجاج: أمر الناس أن ينفقوا الفضل إلى أن فرضت الزكاة، فكان أهل المكاسب يأخذ من كسبه كل يوم ما يكفيه ويتصدق بباقيه، ويأخذ أهل الذهب والفضة ما ينفقونه في عامهم وينفقون باقيه.
          وذكر (خ) _كما حكاه عنه ابن بطال_ أن الآية عامة في النفقة على الأهل وغيرهم؛ لأن الرجل لا تلزمه النفقة على أهله إلا بعد ما يعيش به نفسه، وكان ذلك عن فضل قوته، وقد جاء في أحاديث الباب: أن نفقة الرجل على أهله صدقة، فلذلك ترجم بالآية في النفقة على الأهل، ثم ساق في الباب أربعة أحاديث:
          1- حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو: أن النبي صلعم قال: ((إذا أنفق المسلم نفقة...)) الحديث، وذكره في الأيمان.
          2- حديث أبي هريرة: أن النبي صلعم قال: ((قال الله تعالى: أنفق [يا] ابن آدم أنفق عليك)) وهو من أفراده.
          3- حديثه أيضاً قال: قال النبي صلعم: ((الساعي على الأرملة والمسكين...)) الحديث أخرجه (م) والأربعة.
          4- حديث سعد: ((كان النبي صلعم يعودني وأنا مريض بمكة...)) الحديث، وسلف.
          ووجه حديث أبي مسعود وسعد: وكيف يكون إطعام الرجل أهله صدقة وهو فرض عليه؟ أن الله تعالى جعل من الصدقة فرضاً وتطوعاً، ومعلوم أن أداء الفرض أفضل من التطوع، فإذا كان عند الرجل قدر قوته ولا فضل فيه عن قوت نفسه، وبه إليه حاجة، وهو خائف بإيثاره به غيره على نفسه هلاكها كائناً من كان غيره الذي حاجته إليه مثل حاجته، والداً كان أو ولداً أو زوجة أو خادماً، فالواجب عليه أن يحيي به نفسه ونفوسهم وحضره ممن لم يوجب الله عليه نفقته، وهو مخوف عليه الهلاك إن لم يصرف ذلك إليه، كان له صرفه إليه بثمن أو قيمة، وإن كان في سعة وكفاية ولم يخف على نفسه ولا على أحد ممن يلزمه نفقته، فالواجب عليه أن يبدأ بحق من أوجب الله حقه في ماله، ثم الأمر إليه في الفضل من ماله إن شاء تطوع بالصدقة به وإن شاء ادخره، وإذا كان المنفق على أهله إنما يؤدي فرضاً لله واجباً، له فيه جزيل الأجر، فذلك إن شاء الله معنى قوله: ((ما أنفقت)) إلى آخره؛ لأن بفعله ذلك يؤدي فرضاً لله تعالى عليه هو أفضل من صدقة التطوع الذي يتصدق بها على غريب منه لا حق له في ماله. نبه عليه الطبري.