مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم}

          ░43▒ باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ}الآية [الحجرات:11]
          فيه حديث سفيان بسنده، عن عبد الله بن زمعة قال: نهى النبي صلعم أن يضحك الرجل مما يخرج الحديث.
          وحديث ابن عمر قال: قال النبي صلعم بمنى: ((أتدرون أي يوم هذا؟)).
          الحديث سلف في الحج، قال المفسرون معنى {لَا يَسْخَرْ}: لا يطعن بعضهم على بعض؛ أي: لا يستهزئ قوم بقوم.
          {عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ} عند الله، ومن هذا المعنى نهيه ◙ أن تضحك مما يخرج من الأنفس أي: من الإحداث؛ لأن الله سوى بين خلقه الأنبياء وغيرهم في ذلك، فقال في مريم وعيسى: {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} [المائدة:75] كناية عن الغائط، ومن المحال أن يضحك أحد من غيره أو بغيره بما يأتي هو بمثله ولا ينفك منه، وقد حرم الله عرض المؤمن، كما حرم دمه وماله، فلا يحل الهزء ولا السخرية بأحد، وأصل هذا إعجاب المرء بنفسه وازدراء غيره، ويقال: من العجب أن ترى لنفسك الفضل على الناس وتمقتهم ولا تمقت نفسك.
          وقال مطرف: لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً أحب إلي من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً.
          وقال خالد الربعي: في الإنجيل مكتوب: المستكبر على أخيه بالدين بمنزلة القاتل.
          قال والدي ⌂: /
          (باب حسن الخلق) بالضم.
          و(السخاء) هو إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي و(أجود) ثانيا بالنصب والرفع و(أبو ذر) بتشديد الراء جندب بضم الجيم الغفاري والوادي مكة و(مكارم الأخلاق) أي: الفضائل والمحاسن لا الرذائل والمقابح، قال صلعم: ((بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).
          قوله: (عمرو بن عون) بفتح المهملة وسكون الواو وبالنون الواسطي، قال الحكماء: للإنسان ثلاثة قوى الغضبية والشهوية والعقلية، فكمال القوة الغضبية: الشجاعة، وكمال القوة الشهوية: الجود، وكمال القوة العقلية: الحكمة و(الأحسن) إشارة إليه إذ معناه أحسن في الأفعال والأقوال، أو لأن حسن الصورة تابع لاعتدال المزاج وهو مستتبع لصفاء النفس الذي به جودة القريحة ونحوها وهذه الثلاث هي أمهات الأخلاق.
          قوله: (فزع) أي: خاف ولفظ الذات مقحم و(القبل) بكسر القاف الجهة و(لم تراعوا) أي: لا تراعون جحد بمعنى: النهي؛ أي: لا تفزعوا واسم الفرس مندوب ضد المفروض و(ما عليه سرج) تفسير لقوله (عُري) بضم المهملة وتسكين الراء و(بحرا) أي: واسع الجري مثل البحر مر الحديث في الجهاد.
          قوله: (محمد بن كثير) ضد القليل و(ابن المنكدر) بفاعل الانكدار محمد و(ما سئل) أي: ما طلب منه شيء من أموال الدنيا قال الفرزدق:
ما قال لاقط إلا في تشهده                     لولا التشهد لم ينطق بذاك فم
          قوله: (عمرو بن حفص) بالمهملتين و(خياركم) في بعضها أخياركم و(أبو غسان) بفتح المعجمة وشدة المهملة وبالنون محمد بن مطرف و(أبو حازم) بالمهملة والزاي سلمة بن دينار و(الشملة) الكساء و(البردة) كساء أسود مربع تلبسه الأعراب مر في الجنائز في باب من استعد الكفن.
          قوله: (يتقارب) الخطابي: أراد به دنو مجيء الساعة أي: إذا دنا كان من أشراطها نقص العمل والشح والهرج أو قصر مدة الأزمنة عما جرى به العادة فيها وذلك من علامات الساعة إذا طلعت الشمس من مغربها أو قصر أزمنة الأعمار أو تقارب أحوال الناس في غلبة الفساد عليهم. قال: ولفظ العمل إن كان محفوظاً ولم يكن منقولاً عن العلم إليه فمعناه عمل الطاعات لاشتغال الناس بالدنيا وقد يكون معنى ذلك ظهور الخيانة في الأمانات، القاضي البيضاوي: يحتمل أن يراد بتقارب الزمان تسارع الدين إلى الانقضاء والقرون إلى الانقراض.
          قوله: (يلقى) بلفظ المجهول من الإلقاء بمعنى الطرح ومن اللقاء أي: يطرح الشح بين الناس أو في الطباع والقلوب أو يرى ذلك بينهم وفيهم و(الشح) البخل مع الحرص.
          قوله: (سلام) بتشديد اللام ابن مسكين النمري بالنون و(أف) فيه ست لغات بالحركات الثلاث بالتنوين وعدمه وهو صوت يدل على تضجر و(ألا صنعت) بمعنى: هلا صنعت.
          قوله: (حفص) بالمهملتين ابن عمر الحوضي و(الحكم) بالمفتوحتين ابن عتيبة مصغر عتبة الدار و(إبراهيم) أي: النخعي و(الأسود) ابن يزيد بالزاي خال إبراهيم و(المهنة) بكسر الميم وإسكان / الهاء وبالنون، الخدمة مر في أواخر كتاب الأذان.
          (المقة) بكسر الميم وخفة القاف كالعدة المحبة ضد المقت و(من الله) أي: الثابتة من الله بأن يكون هو محبًّا أي مريداً للخير.
          قوله: (أبو عاصم) هو الضحاك وروى عنه (خ) في كثير من المواضع بدون الواسطة و(موسى بن عقبة) بضم المهملة وإسكان القاف وبالموحدة و(القبول) أي: قبول قلوب العباد ومحبتهم له وميلهم إليه ورضاهم عنه ويفهم منه أن محبة قلوب الناس علامة محبة الله فقال: وما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ومحبة الله إرادة الخير ومحبة الملائكة استغفارهم له وإرادتهم خير الدارين له أو ميل قلوبهم إليه وذلك لكونه مطيعاً لله تعالى محبوباً له.
          قوله: (في الله) أي في ذات الله لا يشوبه الرياء والهوى.
          فإن قلت: الحلاوة إنما هي في المطعومات؟ قلت: شبه الإيمان بالعسل بجامع ميل القلب إليهما وأسند إليه ما هو من خواص العسل فهو استعارة بالكناية.
          قوله: (المرء) بالنصب فإن قلت: كيف جاز الفصل بين الأحب وكلمة من؟ قلت: في الظرف توسعة ومحبة الله إرادة طاعته ومحبة رسوله إرادة متابعته.
          فإن قلت: المحبة أمر طبيعي لا يدخل تحت الاختيار؟ قلت: المراد الحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه ويستدعي اختياره وإن كان على خلاف الهوى كالمريض يعاف الدواء ويميل إليه باختياره.
          فإن قلت: ما الفرق بينه وبين ما قال صلعم لمن(1) قال ومن يعصهما فقد غوى: بئس الخطيب أنت؟ قلت: هو أن المعتبر هو المركب من المحبتين لا كل واحدة منهما فإنها وحدها ضائعة بخلاف المعصية فإن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية، ومر الحديث بما فيه من مباحث شريفة في كتاب الإيمان.
          قوله: (هشام) أي: ابن عروة بن الزبير و(عبد الله بن زمعة) بالزاي والميم والمهملة المفتوحات، وقيل بسكون الميم القرشي و(مما يخرج من الأنفس) أي: من الضراط؛ لأنه قد يكون بغير الاختيار، ولأنه أمر مشترك بين الكل.
          و(الثوري) هو سفيان و(وهيب) مصغراً و(أبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمة والزاي يعني: رووا ضرب العبد مكان ضرب الفحل.
          فإن قلت: قال الله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] فما التلفيق بينهما؟ قلت: المنهي الضرب الشديد المبرح بقرينة الإضافة إلى العبد أو الفحل والجائز ما لم يكن كذلك مر الحديث في أواخر النكاح.
          قوله: (يزيد) من الزيادة و(عاصم) هو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب و(الشهر) هو ذو الحجة وهو من الأشهر الحرم والبلد مكة والقتال حرام في ذلك الزمان وذلك المكان و(الأعراض) جمع: العرض بكسر المهملة موضع المدح والذم من الإنسان، وإنما قدم السؤال عنها تذكاراً للحرمة؛ لأنهم لا يرون استباحة تلك الأشياء وانتهاك حرمتها بحال وتقريراً في نفوسهم ليبني عليه ما أراد تقريره على سبيل التأكيد والتشديد مر في كتاب العلم.
          الزركشي:
          (فليصمت) بضم الميم وكسرها، والضم أشهر.
          (قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق) / مرفوع في المواضع الثلاثة عن ابن مالك.
          (الملهوف) المظلوم.
          (وأشاح بوجهه) أي: صرف وجهه فعل الحذر من الشيء، كأنه صلعم كان يراها ويحذر وهجها فينحي وجهه الكريم عنها.
          (السام عليكم) قيل: الموت في لسانهم، وكان قتادة يرويه: ((السآم)) بالمد من السآمة؛ أي: تسأمون دينكم.
          (الفاحش) ذو الفحش في كلامه.
          (والمتفحش) الذي يتكلف ويتعمد.
          (إن من أخيركم) كذا وقع على الأصل في ((خير)) أفعل تفضيل.
          (العنف) مثلث العين والضم أكثر: ضد الرفق، قاله القاضي عياض.
          (فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في) أي: أنا أدعو عليهم بحق وهم يدعون علي ظلماً.
          (المعتبة) بفتح الميم والتاء وقد تكسر التاء، قاله عياض.
          و(أعتبني فلان) إذا عاد إلى مسرتي راجعاً عن الإساءة.
          (ترب جبينه) أي: صرع للجبين، دعا عليه أن يخر لوجهه فيصيب التراب وجهه، ولم يرد الدعاء عليه على ما قيل في: تربت يداك.
          (تطلق في وجهه) بتشديد اللام؛ أي: انشرح وانبسط، يقال منه: رجل طلق الوجه وطليقه.
          وقيل: في هذا الحديث تعليم، وإنما لم يواجهه بذلك لتقتدي به أمته في اتقاء شر من هذا سبيله.
          (لم تراعوا) ((لم)) بمعنى: ((لا))، ومعناه: لا تفزعوا.
          (ما سئل عن شيء قط فقال لا) قال عز الدين في كتاب ((الشجرة)): أي: لم يقل لا منعاً للعطاء وإنما يقول لا اعتذاراً من الفقر، كقوله تعالى: {قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة:92] وفرق بين قوله: لا أعطيكم، و: لا أجد ما أعطيكم، وكذلك فرق بين قوله: لا أحملكم، وبين قوله: لا أجد ما أحملكم.
          (يتقارب الزمان) قيل: قرب زمان من يوم القيامة، وقيل: قصر مدة الأزمنة ونقصها عما جرت به العادة فيها.
          (ويلقى الشح) من قولك: لقيته إذا رأيته؛ أي: يرى، أي: يكثر.
          (إن الله يحب فلاناً، فأحبه) بفتح الباء يقولونه، ومذهب سيبويه ضمها، ومثله: ((فلا ترده)).


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: قاله صلعم)).