مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول النبي: «خير دور الأنصار»

          ░47▒ باب قول النبي صلعم: ((خير دور الأنصار))
          فيه حديث أبي الزناد، عن أبي سلمة، عن أبي أسيد الساعدي قال: قال رسول الله صلعم: ((خير دور الأنصار)) الحديث وسلف، وأبو الزناد اسمه عبد الله بن ذكوان، وأبو سلمة: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو أسيد بالضم اسمه مالك بن ربيعة.
          كذا ترجم، وأدخل فيه: ((خير دور الأنصار بنو النجار)) وهو لائح. وأما المهلب فذكره، وابن بطال بحذف لفظ ((دور)) ثم قال: وإنما أراد أهل الدور، كقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} {وَالْعِيْرَ} [يوسف:82] يريد أهلها. قال: وقد جاء كذلك مصرحاً في غير هذا الموضع. قلت: بل هو هنا كذلك.
          وقال ابن قتيبة: الدور هنا: القبائل، يدل عليه الحديث الآخر: ما بقي دار إلا بنى فيها مسجداً أي: قبيلة. وإنما استوجب بنو النجار الخير لمسارعتهم إلى الإسلام / وقد بينه الشارع في حديث الأقرع بن حابس، حين قال لرسول الله: إنما بايعك سراق الحجيج من طيء وأسلم وغفار يريد تهجين هذه القبائل الضعيفة القليلة العدد المسارعة إليك؛ لقلتها وضعفها؛ لتكثر بك وبأصحابك، ولتعز من ذلتها فقال ◙: ((أرأيت إن كانت أسلم وغفار ومزينة خيراً من بني تميم)) لمسارعتها إلى الإسلام، فاستوجبت بذلك ما أثنى الله عليها في القرآن بقوله: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} [التوبة:100] فلذلك استوجب بنو النجار بالمسارعة إلى الإسلام من الخيرية ما لم يستوجبه بنو عبد الأشهل المتباطئون إلى الإسلام.
          فإن قلت: ما وجه دخول هذه الترجمة في أبواب الغيبة؟
          قيل: معناه ظاهر، وهو أنه دال على أنه يجوز للعالم المفاضلة بين الناس وينبه على فضل الفاضل، ونقص من لا يلحق بدرجته في الفضل، ولا يكون ذلك من باب الغيبة، كما لم يكن ذكره ◙ لغير بني النجار في الفضل من باب الغيبة.
          ومثل هذا اتفاق المسلمين من أهل السنة أن الصديق أفضل من عمر، وليس ذلك غيبة لعمر ولا نقصاً له، وكذلك جاز لابن معين وغيره من أئمة الحديث تجريح الضعفاء، وتبيين أحوالهم؛ خشية التباس أمرهم على العامة، واتخاذهم أئمة وهم غير مستحقين للإمامة.