مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين

          ░83▒ باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
          وقال معاوية: لا حلم إلا بتجربة.
          ثم ساق حديث أبي هريرة، قال النبي صلعم: ((لا يلدغ المؤمن)).
          أثر معاوية أخرجه ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس، عن هشام، عن أبيه قال: قال معاوية فذكره.
          والمراد: أن من جرب الأمور وعرف عواقبها، وما يؤول إليه أمر من ترك الحلم، وركب السفه والسباب من سوء والانتصار منه، آثر الحلم، وصبر على قليل الأذى؛ ليدفع به ما هو أكبر منه.
          وقال الخطابي: معناه أن المرء لا يوصف بالحلم ولا يترقى إلى درجته حتى يركب الأمور ويجربها فيصبر مرة بعد أخرى، فيعتبر بها ويتبين مواضع الخطأ؛ فيجتنبها. وقال ضمرة: الحلم أرفع من العقل؛ لأن الله تعالى تسمى به.
          وأما الحديث: فلفظه خبر، ومعناه الأمر، يقول: ليكون المؤمن حازما حذراً لا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى وقد يكون ذلك في أمر الدين كما يكون في أمر الدنيا، وهو أولاها بالحذر. وروي بلفظ النهي بكسر العين قال: فيتحقق معنى النهي فيه على هذه الرواية.
          قال ابن التين: وكذا قرأناه. قال: وهذا مثل قديم يمثل به من قبل رسول الله، وهو ◙ كثيراً ما يتمثل بالأمثال القديمة. وأصل ذلك أن رجلاً أدخل يده في جحر فلدغ منه مرة ثانية.
          قال أبو عبيد: تأويل هذا الحديث عندنا: أنه ينبغي للمؤمن إذا نكب من وجه لا يعود لمثله. وترجم له في كتاب ((الأمثال)) باب: المحاذرة للرجل من الشيء قد ابتلي بمثله مرة.
          وفيه أدب شريف أدب به الشارع أمته، ونبههم كيف يحذرون ما يخافون سوء عاقبته؟!
          ووقع في ابن بطال أن هذا الكلام مما لم يسبق به رسول الله، وهو مخالف لما أسلفناه، وقاله لأبي عزة الشاعر، وكان أسر يوم بدر فسأل رسول الله أن يمن عليه، وذكر يقرأ فمن عليه، وأخذ عليه عهداً أن لا يحضض عليه ولا يهجوه. ففعل، ثم رجع إلى مكة فاستهوا به صفوان بن أمية، وضمن له القيام بعياله، فخرج مع قريش، وحضض عليه فأسر، فسأل رسول الله المن، فقال: ((لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين لا تمسح عارضيك بمكة تقول: سخرت من محمد مرتين)) ثم أمر به فقتل.
          فائدة:
          استنبط بعضهم من هذا الحديث أن المرء إذا أذنب وعوقب عليه أنه لا يعاقب عليه ثانياً في الآخرة، وهو حسن.