مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من لم يواجه الناس بالعتاب

          ░72▒ باب من لم يواجه الناس بالعتاب
          فيه حديث عائشة: صنع النبي صلعم شيئاً.. الحديث.
          وحديث أبي سعيد الخدري: كان النبي صلعم أشد حياءً.. الحديث.
          وجه إيراده حديث عائشة وأنه خطب به أن هذا العتاب لم يعين فيه فاعله، وكل ما جرى من عتاب يعم الجميع ولا يعين قائله، وهو من باب الرفق والستر كما أراد عمر حين أمر الناس كلهم بالوضوء يوم الجمعة وهو يخطب من أجل الرجل الذي أحدث بين يديه، الستر له والرفق به، وليس ذلك بمنزلة أمره له بالوضوء من بينهم وحده في الستر له بعد ذلك.
          والعذراء: البكر، وتجمع على عذارى وعذاري وعذراوات.
          والخدر: الستر.
          قال ابن بطال: وإنما كان لا يواجه الناس بالعتاب، يعني: على ما يكون في خاصة نفسه كالصبر على جهل الجاهل وجفاء الأعراب، ألا ترى أنه ترك الذي جبذ البردة من عنقه حتى أثرت جبذته فيه؛ لأنه كان لا ينتقم لنفسه. وهذا معنى حديث أبي سعيد، وأما إن انتهكت من الدين حرمة فإنه لا يترك العتاب عليها والتقريع فيها، ويصدع بالحق فيما يجب على منتهكها، ويقتص منه، وسواء كان حقًّا لله أو للعباد.
          وفي حديث أبي سعيد الحكم بالدليل؛ لأنهم كانوا يعرفون كراهية رسول الله للشيء بتغير وجهه، كما كانوا يعرفون قراءته فيما أسر به في الصلاة باضطراب لحيته.
          قال والدي ⌂:
          (باب قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ}) [الحديد:28].
          قوله: (عثمان بن أبي شيبة) بفتح المعجمة وإسكان التحتانية وبالموحدة الكوفي و(جرير) بفتح الجيم وكسر الراء المكررة ابن عبد الحميد و(أبو وائل) بالهمز بعد الألف، اسمه شقيق بفتح المعجمة وكسر القاف الأولى و(البر) العمل الصالح الخالص من كل مذموم، وهو اسم جامع للخيرات كلها و(الهداية) الدلالة الموصلة إلى البغية و(الفجور) الميل إلى الفساد، وقيل: الانبعاث في المعاصي وهو جامع للشرور فهما متقابلان قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الإنفطار:13-14].
          و(يكتب له) أي: يحكم والمراد الإظهار للمخلوقين إما للملأ الأعلى وإما أن يلقى ذلك في قلوب الناس وألسنتهم وإلا فحكم الله أزلي والغرض أن يستحق وصف الصديقين وثوابهم وصفة الكذابين وعقابهم، وكيف لا وأنه من علامات النفاق ولعله لم يقل في الصديق بلفظ يكتب إشارة إلى أنه صديق من جملة الذين قال الله تعالى فيهم: {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء:69].
          قوله: (أبو سهيل) مصغر السهل نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي و(الآية) العلامة.
          فإن قلت: الإجماع منعقد على أن المسلم لا يحكم بنفاقه الموجب لكونه / في الدرك الأسفل بواسطة الكذب وأخويه؟ قلت: المراد أنه يشابه المنافق أو إذا كان معتاداً بذلك أو للتغليظ أو الذين كانوا في عهد النبي صلعم من المنافقين أو كان منافقاً خاصًّا، أو لا يريد به النفاق الإيمان بل النفاق العرفي ومر مبسوطاً في كتاب الإيمان.
          قوله: (جرير) بالجيم وكسر الراء الأولى ابن حازم بالمهملة والزاي و(أبو رجاء) ضد الخوف عمران العطاردي و(سمرة) بفتح المهملة وضم الميم وسكونها وبالراء ابن جندب بضم الجيم والمهملة وبفتحها وإسكان النون الفزاري بالفاء وخفة الزاي وبالراء.
          قوله: (رأيت) أي: في المنام، والحديث بطوله تقدم في آخر الجنائز، وقد رأى صلعم رجلاً جالساً ورجل قائم بيده كلوب من حديد يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله قلت: ما هذا فقال الذي رأيته يشق شدقه فكذاب.
          فإن قلت: شرط الموصول الذي يدخل في خبره الفاء أن يكون مبهما بل عاما؟ قلت: قال المالكي في ((الشواهد)) جعل المعيّن كالعام حتى جاز دخول الفاء في الخبر وفي الحديث أن العقاب كان في موضع المعصية وهو الفم الذي كذب به.
          قوله: (الهدي) بفتح الهاء وإسكان المهملة و(أبو أسامة) هو حماد و(الأعمش) سليمان و(شقيق) بكسر القاف الأولى أبو وائل و(حدثكم) هو على سبيل الاستفهام والسكوت عن الجواب قائم مقام التصديق والتسليم عند القرائن و(الدل) بفتح المهملة وشدة اللام قريب المعنى من الهدي بفتح الهاء وهما من السكينة والوقار في الهيبة والمنظر والشمائل والهدي هو السيرة.
          و(السمت) بفتح المهملة وإسكان الميم الطريق والقصد وهنة أهل الخير و(ابن أم عبد) ضد الحر عبد الله بن مسعود، وكان أصحابه يدخلون عليه فينظرون إليه قولاً وفعلاً حركةً وسكوناً وملكةً وغيرها، فيتشبهون به ☺.
          قوله: (أبو الوليد) بفتح الواو هشام الطيالسي و(مخارق) بضم الميم وبالمعجمة وكسر الراء الأحمسي بالمهملتين و(طارق) بكسر الراء ابن شهاب أحمسي أيضاً رأى النبي صلعم مر في الإيمان.
          قوله: (أبو عبد الرحمن عبد الله السلمي) بضم المهملة وفتح اللام و(من الله) صلة لقوله اصبر.
          فإن قلت: الصبر هو حبس النفس على الطاعة وحبسها عن شهواتها من المعاصي وغيرها فما وجه إطلاقه على الله تعالى؟ قلت: هو فيه بمعنى الحلم يعني حبس العقوبة عن مستحقها إلى زمان آخر يعني تأخيرها ويدعون له ولداً يعني ينسبون إليه ما هو منزه عنه وهو يحسن إليهم بما يتعلق بأنفهم وهو المعافاة و(بأموالهم) وهو الرزق.
          قوله: (عمر بن حفص) بالمهملتين و(قسم) أي: يوم حنين وأعطى ناساً من أشراف العرب ولم يعط الأنصار مر في الجهاد في باب ما كان النبي صلعم يعطي المؤلفة.
          قوله: (أما) بالتخفيف حرف التنبيه و(أني لم أكن) في بعضها: إن لم أكُ.
          قال بعض العلماء: الصبر على الأذى من باب جهاد النفس وقد جبل الله النفوس على تألمها منه ولهذا شق على النبي صلعم لكن شكر ذلك منه لعلمه بما وعد الله عليه من الأجر وهو بلا حساب بخلاف الاتفاق، فإنه بسبع مائة وسائر الحسنات فإنها بعشر أمثالها.
          قوله: (مسلم) بفاعل الإسلام هو إما ابن أبي عمران البطين بفتح الموحدة وخفة المهملة وإما ابن / صبيح مصغر الصبح وكلاهما بشرط (خ) يرويان عن مسروق والأعمش يروي عنهما.
          قوله: (يتنزهون) أي يحترزون و(أعلمهم) إشارة إلى القوة العلمية و(أشدهم خشية) إلى القوة العملية أي: إنهم يتوهمون أن رغبتهم عما فعلت أقرب لهم عند الله وليس كما توهموا إذ أنا أعلمهم بالأقرب وأولاهم بالعمل به.
          وفيه الحث على الاقتداء به والنهي عن التعمق وذم التنزه عن المباح وحسن المعاشرة بإرسال التعزير والإنكار وعدم التعيين.
          قال ابن بطال: معنى لم يواجه أنه بخصوص ذلك الشخص وتعيينه، وإلا فهذا مواجه به لكن على سبيل التعميم والإبهام، وأيضاً معناه أنه لم يواجه في حاجة نفسه كما في جفاء الأعرابي الذي جبذ برده من عاتقه أنه لم ينتقم لنفسه وأما إن كان انتهاك في حرمة الدين فكان يواجه به ويقرع عليه ويصدع بالحق على منتهكها.
          قوله: (عبدان) بفتح المهملة وتسكين الموحدة وبالمهملة و(عبد الله بن أبي عتبة) بضم المهملة وإسكان الفوقانية وبالموحدة مولى أنس بن مالك البصري و(أبو سعيد) هو سعد بن مالك الخدري بضم المعجمة وسكون المهملة و(العذراء) البكر لأن عذرتها باقية، وهي جلدة البكارة والخدر ستر يجعل للبكر في جنب البيت.
          وفيه أن للشخص أن يحكم بالدليل لأنهم كانوا عرفوا كراهته للشيء بتغيير وجهه كما كانوا يعرفون قراءته في الصلاة السرية باضطراب لحيته.
          الزركشي:
          (الدل) بفتح الدال.
          (والهدي) وهما قريبا وهما من السكينة والوقار في الهيئة والمنظر.
          (الهدي هدي محمد) بفتح الهاء ويروى بضمها، وهو ضد الإضلال.