مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب صنع الطعام والتكلف للضيف

          ░86▒ باب صنع الطعام والتكلف للضيف
          فيه حديث أبي جحيفة: آخى النبي صلعم بين سلمان وأبي الدرداء، الحديث بطوله سلف في الصوم.
          قوله: (صنع) هو بضم الصاد.
          قوله: (فرأى أم الدرداء مبتذلة) أي: تمتهن نفسها للخدمة وتلبس ثياب بذلتها.
          وظاهر الحديث أنه أفطر بعد أن كان صائماً، وهو مذهب الشافعي، وخالف فيه مالك، وهو مذهب ابن عمر.
          والتكلف للضيف لمن قدر على ذلك من سنن المرسلين ألا ترى أن إبراهيم الخليل صلعم ذبح لضيفه عجلاً سميناً؟!(1) قال أهل التأويل: كانوا ثلاثة أنفس: جبريل وميكائيل وإسرافيل، فتكلف لهم ذبح عجل وقربه إليهم.
          قوله ◙ فيما مضى: (جائزته يوم وليلة) يقتضي منع / التكلف له يوماً وليلةً لمن وجد، ومن لم يكن من أهل الوجود واليسار فليقدم لضيفه ما تيسر عنده ولا يتكلف له ما لا يقدر عليه(2).
          روى الطبري من حديث خراش بسنده عن شقيق بن مسلمة قال: دخلت على سلمان فقرب إلي خبز شعير وملحاً وقال: لولا أن رسول الله نهى أن يتكلف أحدنا ما ليس عنده لتكلفت لك.
          فدل أن المراد إذا أضافه ضيف أن الحق عليه أن يأتيه من الطعام بما حضر من ذلك دون ما يراه للضيف أهلاً؛ لأن في تكليفه ما ليس عنده معانٍ مكروهة:
          منها: حبس الضيف عن القرى ولعله أن يكون جائعاً فيضر به.
          ومنها: أن يكون مستعجلاً في سفره فيقطعه عنه بحبسه إياه عن إحضاره ما حضره من الطعام إلى إصلاح ما لم يحضر.
          ومنها: احتقاره ما عظم الله قدره من الطعام.
          ومنها: خلافة أمر رسول الله وإتيان ما قد نهى عنه من التكلف.
          روى عبد الله بن الوليد عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: دخل على جابر بن عبد الله نفر من أصحاب رسول الله فقرب إليهم خبزاً وخلًّا، ثم قال: كلوا فإني سمعت رسول الله يقول: ((نعم الإدام الخل، هلاك بالرجل أن يدخل إليه الرجل من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليه، وهلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم)).
          وفي حديث أبي جحيفة: زيارة الرجل الصالح صديقه الملاطف ودخوله داره في غيبته وجلوسه مع أهله.
          وفيه: شكوى المرأة لزوجها إلى صديقه الملاطف أن يأخذ على يده ويرده عما يضر بأهله.
          وفيه: أنه لا بأس أن لا يأكل الضيف حتى يأكل معه رب الدار.
          وفيه: أنه لا بأس أن يفطر رب الدار لضيفه في صيام التطوع.
          وفيه: كراهية التشدد في العبادة والغلو فيها خشية ما يخاف من عاقبة ذلك، وأن الأفضل في العبادة القصد والتوسط، فهو أحرى للدوام، ألا ترى قوله ◙: ((صدق سلمان)).
          وفيه: أن الصلاة آخر الليل أفضل؛ لأنه وقت ينزل الله إلى السماء فينادي فيستجيب الدعاء.


[1] في هامش المخطوط: ((فإن قلت: ذبح عجل لثلاثة أنفس لم يتحقق أنهم بشر يأكلون الطعام فيه إضاعة المال؟ قلت: لا لأنه كان مضيافاً فمهما فضل منهم له....)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: وفيها أنه ربما ضر بالمضيف بسبب تكلفه ويحمل ذلك فعلاً وغير ذلك)).