مجمع البحرين وجواهر الحبرين

كتاب الكفالة

          ░░39▒▒ كتاب الكفالة
          ░1▒ باب الكفالة في القرض والديون بالأبدان وغيرها.
          كذا في أكثر النسخ، وفي بعضها: ((القروض)) بدل: ((القرض)).
          2290- وقال أبو الزناد: عن محمد بن حمزة...إلى آخره، وقال جرير والأشعث لعبد الله بن مسعود... إلى آخره، وقال حماد: إذا تكفل... إلى آخره، وقال الحكم: يضمن.
          2291- وقال الليث، فساق حديث الخشبة التي فيها ألف دينار، وقد سلف.
          أما أثر أبي الزناد فذكره مختصراً، وقد طوله ابن وهب في ((موطآته))، وساقه الطحاوي أيضاً من طريقه: حدثني محمد، عن أبيه حمزة: أن عمر بن الخطاب بعثه مصدقاً على بني سعد / بن هذيم فأتى حمزة بمال ليصدقه فإذا رجل يقول لامرأته: صدقي مال مولاك، وإذا المرأة تقول: بل أنت أد صدقة مال ابنك، فسأل حمزة عن أمرهما فأخبر أن ذلك الرجل تزوج تلك المرأة، وأنه وقع على جارية لها فولدت ولداً فأعتقته امرأته، فقالوا: هذا المال لابنه من جاريتها، فقال حمزة: لأرجمنك بحجارتك، فقال له أهل المال: أصلحك الله إن أمره رفع إلى عمر بن الخطاب فجلده مائة ولم ير عليه رجماً، قال: فأخذ حمزة بالرجل كفلاء حتى قدم على عمر فسأله عما ذكر أهل المال من جلد عمر إياه مائة جلدة، وأنه لم ير عليه رجماً، فصدقهم عمر بذلك من قولهم، وإنما درأ عنهم الرجم؛ لأنه عذره بالجهالة.
          وعند الطحاوي أيضاً من طريق حريث بن قتادة عن سلمة بن المحبق: أن رجلاً زنى بجارية امرأته فقال ◙: ((إن كان استكرهها فهي حرة، وعليه مثلها، وإن كانت طاوعته فعليه مثلها))، زاد في حديث قبيصة بن حريث، عن سلمة: ولم يقم عليه حداً.
          قال أبو جعفر: فذهب قوم إلى هذا وقالوا: هذا هو الحكم فيمن زنى بجارية امرأته، قالوا: وقد عمل به ابن مسعود وخالفهم فيه آخرون، فقالوا: بل نرى عليه الرجم إن كان محصناً والجلد إن لم يكن. وروى حديث هشام عن أبي بشر، عن حبيب بن سالم: أن رجلاً وقع بجارية امرأته، فأتت امرأته النعمان بن بشير فأخبرته؛ فقال: أما إن لك عندي في ذلك خبراً عن رسول الله صلعم إن كنت أذنت له جلدته مائة، وإن كنت لم تأذني له رجمته.
          قال: قوله: جلدناه مائة: هي عندنا تعزير، كأنه درأ عنه الحد بوطء الشبهة، وعزره بركوبه ما لا يحل له. فإن قيل: أفيعزر الحاكم مائة؟ قلنا: نعم، قد عزر رسول الله صلعم مائة.
          وأما ما ذكر عن ابن مسعود فقد خولف فيه، وروى أبو عبد الرحمن السلمي عن علي أنه قال: لا أوتى برجل وقع على جارية امرأته إلا رجمته.
          وقال ابن المنير: أخذ (خ) من الكفالة بالأبدان في الحدود والكفالة بالأبدان في الديون من طريق أولى، فمن هنا وقعت المطابقة.
          قوله في الترجمة: ((وغيرها)): يعني: غير الأبدان؛ أي: وبالحقوق المالية كحديث الخشبة، وهو أصل في الكفالة بالديون من قرض كانت أو بيع، والكفالة في القرض _الذي هو السلف بالأموال كلها_ جائزة، والكفالة بالأبدان في الحدود غير صحيحة، ويسجن المدعى عليه الحد حتى ينظر في أمره، إلا أن جمهور الفقهاء قد أجازوا الكفالة بالنفس، وهو قول مالك والليث والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة ومحمد، واختلف عن الشافعي فمرة أجازها ومرة ضعفها، وقالت طائفة: لا تجوز الكفالة بالنفس.
          ولم يختلف الذين أجازوها في النفس أن المطلوب إن غاب أو مات لا يلزم الكفيل قصاص، فصارت الكفالة بالنفس عندهم غير موجبة الحكم في البدن، وشذ أبو يوسف ومحمد فأجازا الكفالة في الحدود والقصاص.
          واحتج لهما الطحاوي بما روى حمزة وعمر وابن مسعود والأشعث أنهم حكموا بالكفالة في النفس بمحضر من الصحابة، ولا حجة فيه؛ لأن ذلك إنما كان على سبيل الترهيب على المطلوب والاستيثاق، لا أن ذلك لازم لمن تكفل إذا زال المتكفل به؛ لأنه يؤدي ما ضمن في ذمته عمن تكفل عنه، وإنما تصح الكفالة في الأموال؛ لأنه يؤدي ما ضمن في ذمته عمن تكفل به.
          وأصل الكفالة في المال قوله تعالى: {وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72]: أي: كفيل وضامن.
          واختلف فيمن تكفل بالنفس أو بالوجه هل يلزمه ضمان المال؟ فقال الكوفيون: لا، وهو أحد قولي الشافعي، / وقال مالك والليث والأوزاعي: نعم ويرجع به على المطلوب، فإن نفاه فلا. حجة المانع: أنه تكفل بالنفس فقط فكيف يلزم ما تكفل به؟.
          قوله: ((فعذره بالجهالة)): أي: فلم يرجمه وضربه المائة تعزيراً. وفيه دليل على مانع وصول التعزير إلى الحد، ومذهب مالك مجاوزته بحسب اجتهاد الإمام.
          وفي حديث الخشبة: أن من صح منه التوكل على الله فإنه ملي بنصره وعونه، قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3].
          وفيه: جواز الأجل في القرض.
          ومعنى: ((زجج موضعها)): أصلح موضع النقرة وسواه.
          قال الخطابي: ولعله من تزجج الحواجب، وهو: لقط شعره الزائد عن حد منبته، وإن أخذ من الزج فيكون النقر قد وقع في طرف من الخشبة فشد عليه زجاً ليمسكه ويحفظ ما في بطنه.
          وفيه: أن ما يقذفه البحر لواجده.
          قال الداودي: وفيه تبدئة الكاتب بنفسه، ولعله أخذه من قوله: ((وصحيفة)) وليس ببين.
          وفيه: طلب الكفيل في القرض.
          و((جهدت)): بفتح الهاء من المشقة وقالوا: أجهدت.
          قال والدي ⌂:
          قوله: ((في القرض والديون)): أي: ديون المعاملات ونحوها، وهو من باب عطف العام على الخاص.
          قوله: ((أبو الزناد)): بكسر الزاي وخفة النون و((حمزة)): بالمهملة والزاي، صحابي مات سنة إحدى وستين(1).
          قوله: ((مصدقاً)): بلفظ الفاعل من التصديق؛ أي: أخداً للصدقة عاملاً عليها و((صدقهم)): بالتخفيف؛ أي: صدق الرجل للقوم واعترف بما وقع منه، لكن اعتذر بأنه لم يكن عالماً بحرمة وطء جارية امرأته، أو بأنها جاريتها؛ لأنها التبست واشتبهت بجارية نفسه أو بزوجته، أو صدق عمر الكفلاء فيما كانوا يدعونه أنه قد جلده مرة لذلك، ويحتمل أن يكون الصدق بمعنى الإكرام كقوله تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} [القمر:55]: أي: كريم، فمعناه: فأكرم عمر الكفلاء وعذر الرجل بجهالة الحرمة أو الاشتباه.
          فإن قلت: الواجب عليه الرجم فلو سقط بالعذر لم يجلد؟.
          قلت: لعل وطء الجارية قبل إصابته المرأة أو اجتهاد عمر ☺ اقتضى أن يجلد الجاهل بالحرمة.
          قوله: ((جرير)): بفتح الجيم، ابن عبد الله البجلي والتكفيل: التضمين.
          فإن قلت: الكفالة في هذه الحدود غير جائرة فما وجه أخد حمزة الكفيل من الرجل؟ وأيضاً ما وجه تكفيل التائبين من الارتداد إذ لا معنى لكفالة أمر لم يقع ولا يعلم أنه سيقع أم لا؟.
          قلت: ليس المقصود من الكفالة في مثلها معناها الفقهي كما في قوله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران:37] بل التعهد والضبط؛ أي: يتعاهدون أحوال الرجل لئلا يهرب مثلاً ويضبطون التائبين لئلا يرجعوا إلى الارتداد.
          قال ابن بطال: كان ذلك على سبيل الترهيب على المكفول ببدنه والاستيثاق، لا أن ذلك لازم للكفيل إذا زال المكفول به.
          قوله: ((مركباً)): أي: سفينة و((يقدم)): بفتح الدال و((صحيفة)): أي: مكتوباً و((زجج)): أي: أصلح موضع النقرة وسواه، ولعله من تزجيج الحواجب وهو التقاط زوائد الشعر الخارج عن الخدين، وإن أخذ من الزج _وهو سنان الرمح_ فيكون النقر وقع في طرف من الخشبة فسد عليه رجاء أن يمسكه ويحفظ ما في بطنه و((نشرها)): أي: قطعها بالمنشار و((الألف دينار)): جائز على مذهب الكوفيين و((راشداً)): حال من فاعل انصرف.
          الخطابي: لفظ: ((أجل)) فيه دليل على جواز دخول الآجال في القرض، وذهب كثير إلى وجوب الوفاء بها.
          وفيه: أن جميع ما يوجد في البحر هو لواجده ما لم يعلمه ملكاً لأحد.
          قال ابن بطال: فيه: أن من توكل على الله فالله ينصره فالذي نقر الخشبة وتوكل حفظ الله / ماله والذي سلفه وقنع بالله كفيلاً، وصل الله ماله إليه.
          الزركشي:
          ((زجج)): بزاي وجيمين.
          قال القاضي: معناه سمرها بمسامير كالزج، أو حشا شقوق لصاقها بشيء ورقعه بالزج.
          ((تسلفت فلانًا)): كذا، والمشهور تعديته بحرف الجر.
          ((جهدت)): بفتح الجيم والهاء.
          ((حتى ولجت فيه)): بتخفيف اللام؛ أي: دخلت في البحر.
          ((فلما نشرها)): يقال: نشرت الخشبة بالمنشار: قطعتها، وروى النسائي: ((فلما كسرها)).


[1] في هامش المخطوط: ((هو حمزة بن عمرو الأسلمي من ولد أسلم بن فضالة، يكنى: أبا صالح، وقيل: أبا محمد، مات سنة إحدى وستين، وهو ابن إحدى وتسعين سنة. من ((الاستيعاب)))).