مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول النبي: «يسروا ولا تعسروا»

          ░80▒ باب قول النبي: ((يسروا ولا تعسروا))
          فيه أحاديث:
          1- حديث أبي موسى: لما بعثه النبي صلعم ومعاذاً.. الحديث.
          2- حديث أبي التياح وهو لقب وكنيته: أبو حماد، واسمه: يزيد بن حميد الضبعي، من أنفسهم، البصري، مات سنة ثمان وعشرين، وقيل: سنة ثلاثين ومائة قال: سمعت أنس بن مالك.. الحديث.
          3- حديث عائشة قالت: ما خير رسول الله بين أمرين قط.
          4- حديث الأزرق بن قيس قال: كنا على شاطئ نهر بالأهواز الحديث.
          والأزرق: تابعي ثقة، من أفراد (خ) (د) (ن)، والده قيس الحارث من بلحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان، أخو النخع، واسمه: جسر بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك، وهو مذحج.
          وأبو برزة نضلة بن عبيد الأسلمي. قيل: إنه مات بمرو في إمارة يزيد بن معاوية، بعد سنة أربع وستين في المفازة بين سجستان وهراة. وقيل: مات بالبصرة.
          و(خ) أخرجه عن أبي النعمان، واسمه: محمد بن الفضل السدوسي عارم، مات سنة أربع وعشرين ومائتين. وروى (خ) مرة، عن المسندي، عنه. وقيل: إنه تغير بأخرة. وروى (م) عن عبد بن حميد وجماعة، عنه.
          5- حدثنا أبو اليمان، ثنا شعيب، عن الزهري. وقال الليث: حدثني يونس.. إلى آخره.
          وهذه الأحاديث ستأتي أيضاً، بأمره ◙ بالتيسير في الحدود والأحكام.
          قال الطبري: معنى قوله: ((يسروا ولا تعسروا)) فيما كان من نوافل الخير دون ما كان فرضاً من الله، وفيما خفف الله سبحانه عمله من فرائضه في حال العذر كالصلاة قاعداً في حال العجز عن القيام، وكالإفطار في رمضان في السفر والمرض، وشبه ذلك مما رخص الله فيه لعباده وأمره بالتيسير في النوافل والإتيان بما لم يكن شاقًّا ولا فادحاً؛ خشية الملل لها ورفضها، وذلك أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل.
          وقال غير الطبري: من تيسيره ◙ أنه لم يعنف البائل في المسجد ورفق به، ومن ذلك قطع أبي / برزة لصلاته واتباعه فرسه، وأنه رأى من تيسير رسول الله ما حمله على ذلك. وجماعة الفقهاء يرون أن من كان في صلاة وانفلتت دابته أنه يقطع صلاته ويتبعها؛ لأن الصلاة تدرك إعادتها، ومسير دابته عنه قاطع له. وقد سلف هذا في الصلاة.
          وقال ابن التين: معنى: (قضى صلاته) ابتدأها، وهو صحيح إن كانت الدابة قريبة أمسكها وإلا قطع وأمسك وابتدأ.
          قال الطبري: وفي أمره ◙ بالتيسير في ذلك معان: الأمان من الملال، ومن مخالطة العجب قلب صاحبه حتى يرى كأن له فضلاً على من قصر عن مثل فعله فيهلك؛ ولهذا قال ◙: ((هلك المتنطعون)) وبلغ رسول الله صلعم أن قوماً أرادوا أن يختصوا، وحرموا الطيبات واللحم على أنفسهم، فقام خطيباً وأوعد في ذلك أشد الوعيد. وقال: ((لم أبعث بالرهبانية، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة، وإن أهل الكتاب هلكوا بالتشديد، شددوا فشدد الله عليهم)).
          وفي هذا من الفقه: أن أمر الدنيا نظير ذلك في أن الغلو وتجاوز القصد فيها مذموم. وبذلك نزل القرآن قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا} [الفرقان:67]، فحمد الله تعالى في نفقاتهم ترك الإسراف والإقتار، قال: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء:26] الآية، وأمر بترك التبذير فيما يعطى في سبيله التي يرجو بها الزلفة لديه.
          فالواجب على كل ذي لب أن تكون أموره كلها قصداً في عبادة ربه كان، أو في أمر دنياه، في عداوة كان أو محبة، في أكل أو شرب، أو لباس أو عري.
          وأما اجتهاده ◙ في عبادة ربه، فإن الله كان خصه من القوة بما لم يخص به غيره، فكان ما فعل من ذلك سهلاً عليه؛ على أنه ◙ لم يكن يحيي ليله كله قياماً، ولا شهراً كله صياماً غير رمضان. وقد قيل: إنه كان يصوم شعبان كله فيصله برمضان.
          قلت: كذا عبر به ابن بطال، وهو في الصحيح فلا ينبغي أن يغتر ذلك فأما سائر شهور السنة فإنه كان يصوم بعضه ويفطر بعضه، ويقوم بعض الليل وينام بعضه، وكان إذا عمل عملاً داوم عليه فهو أحق من اقتدي به.
          قوله: (وشراب من الشعير يقال له: المزر) كذا عند ابن فارس أنه نبيذ الشعير، قال الجوهري: هو من الذرة. ولعله منهما.
          قوله: (كل مسكر خمر) فيه بيان أن العلة الإسكار، وأن التحريم يتعلق بذلك من غير التفات إلى ما يعمل منه.
          قولها: (وما انتقم رسول الله لنفسه(1)) أي: في الغالب كما قيل؛ لأنه أمر بقتل جماعة، منهم ابن خطل، لكنه عند التأمل يرجع إلى انتهاك الحرمات. وقيل: أرادت إذا أوذي بغير السبب المؤدي إلى الكفر: من أخذ المال، وجبذ الأعرابي بثوبه، وتظاهر عائشة وحفصة عليه. وأما من أذاه بالسب فهو كفر وانتهاك لحرمة الله فينتقم، لما يكون ذلك ليس بحق نفسه.
          قولها: (وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما) تريد: في أمر دنياه، لقوله: (ما لم يكن إثما)، والإثم لا يكون إلا في أمر الآخرة.
          ومعنى (نضب عنه الماء): غار في / الأرض، وهو بفتح الضاد.
          قوله: (وفينا رجل له رأي) قال الداودي: يظن أنه يحسن. وليس كذلك، وهذا هو المتعاطي ما لا يعلم.
          (والتعنيف): التعيير واللوم.
          قوله: (منزلي متراخ) أي: بعيد.
          قوله: (فثار إليه) أي: وثب.
          والذنوب: الدلو فيه الماء، قال ابن السكيت: قريب من المليء، يؤنث ويذكر، ولا يقال لها وهي فارغة: ذنوب. وعبارة ابن فارس: الذنوب: الدلو العظيمة.
          والسجل مذكر: وهو الدلو إذا كان فيه ماء قل أو كثر، ولا يقال لها وهي فارغة: سجل.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: ويحتمل أن يكون معناه ما انتقم لنفسه من مسلم)).