مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب هجاء المشركين

          ░91▒ باب هجاء المشركين
          فيه حديث هشام، عن أبيه، عن عائشة: استأذن حسان بن ثابت رسول الله في هجاء المشركين، الحديث.
          وعن هشام، عن أبيه قال: ذهبت أسب حسان عند عائشة، الحديث.
          وحديث الهيثم بن أبي سنان إلى آخره وسلف في الصلاة.
          وحديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف... إلى آخره.
          وحديث البراء أنه ◙ قال لحسان: ((اهجهم)).
          الهجاء خلاف المدح، يقال: هجوته هجواً وهجاء، ولا تقول / : هجيته. ولعله إنما أذن له بعد هجوهم إياه، فيكون ذلك جزاء لهجوهم، كما في الحديث الآخر: ((اللهم إن فلاناً هجاني فاهجه)) أي: جاوبه، وهذا كقوله {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى:40]؛ لأنه ◙ منزه عن البدء بالذم. والمهاجاة أن يجيب من هجاه. ومعنى: لأسلنك منهم(1): أخرجك نقيًّا من العيوب. وكان ◙ كذلك لم تمسه ولادة حرام من آدم إليه صلعم وكان أعز قريش مجداً وأشرفهم أباً.
          ومعنى (ينافح): يخاصم ويدافع، تقول العرب: نافحت عن فلان، ونفحت عنه: إذا خاصمت عنه، والمخاصمة، والمنافحة لا تكون إلا من اثنين؛ لأنها مفاعلة، وكل مفاعلة كذلك.
          و(الرفث): الفحش من القول، تقول منه: رفث الرجل وأرفث.
          وكان شعراء النبي صلعم ابن رواحة وحسان وكعب بن مالك وكان الذين يهجونه من قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبعري وأبو سفيان بن الحارث أخو رسول الله من الرضاعة وابن عمه، وذكر أن المشركين لما هجوا رسول الله قال: ما حق قوم نصروا رجلاً بأسيافهم إلا نصروه بألسنتهم فأتاه حسان وقد أخرج لسانه يضرب به أنفه فقال: والله لأفرينهم فري الأديم، فلما هجاهم قال ◙: ((والذي نفسي بيده إنه لأشد عليهم من رشق النبل)) وهجاه واحد فقال ◙: ((إني لا أحسن الشعر فالعنه بكل بيت لعنة)).
          وهجاء المشركين أهل الحرب وسبهم جائز بهذه الأحاديث، وأنه لا حرمة لهم إذا سبوا المسلمين، والانتصار منهم بذمهم وذكر كفرهم، وقبيح أفعالهم من أفضل الأعمال عند الله تعالى؛ ألا ترى قوله لحسان: ((اهجهم وهاجهم وجبريل معك)) وقوله: ((اللهم أيده بروح القدس))؟ وكفى بذلك فضلاً وشرفاً للعمل والعامل به. فأما إذا لم يسب أهل الحرب المسلمين فلا وجه لسبهم؛ لأن الله تعالى قد أنزل على نبيه في قنوته على أهل الكفر: إن الله لم يبعثك لعاناً ولا سباباً، وإنما بعثت رحمة، ولم يبعثك عذاباً، فترك سبهم.
          فإن قلت: فما دليلك أنه ◙ أمر حساناً بهجاء المشركين لينتصر منهم لهجوهم المسلمين؟ قيل: قول عائشة: إنه كان ينافح عنه بقبضته كما سلف، ويبين ذلك قوله لأبي هريرة: نشدتك الله، هل سمعت رسول الله يقول: ((يا حسان، أجب عن رسول الله)) قال: نعم.
          فبان أن هجاء المشركين إنما كان مجازاة لهم على قبيح قولهم.
          قوله: (فكيف بنسبي؟) قال المهلب: أراد كيف تهجوهم ونسبي المهذب الشريف فيهم؟ فربما نصيبي من الهجو نصيب. فقال: (لأسلنك منهم) أي: لأخلصنك من بينهم بالسلامة من الهجاء؛ أي: أهجوهم بما لا يقدح في نسبهم الماس له ◙، ولكن أهجوهم بسيئ أفعالهم وما يخصهم عادة في أنفسهم ويبقي فيهم وصمة من الأخلاق والأفعال المذمومة التي طهر الله نبيه ◙ منها.
          قوله في عبد الله بن رواحة: أنه لا يقول الرفث في شعره. حجة على أن ما كان من الشعر فيه ذكر الله والأعمال الصالحة، فهو حسن، وهو الذي قال فيه: ((إن من الشعر حكمة)) وليس من المذموم الذي قال فيه ما يأتي في الباب إثره.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وقوله كما تشد الشعرة من العجين؛ لأن العجين لا يتعلق منه شيء بالشعرة بخلاف غيره مثل اللبن والعسل)).