مجمع البحرين وجواهر الحبرين

فصل أقدمه قبل الشروع في المقدمات

          فصل أقدمه قبل الشروع في المقدمات
          وهو: معرفة نسب النَّبي صلعم ومولده ووفاته أشرِّف الكتاب به.
          أقول: قد ذكر والدي ⌂ في أول شرحه كهذه العبارة وقال: أشرف الكتاب بنسب سيدنا محمد صلعم، وكان ببغداد بعض من ينتمي إلى العلم غياث الدين محمد بن العاقولي فقال: هذا الذي قاله والدك كيف يصح أن يشرف الكتاب بذكر الكفار، قلت له: والدي قصد تشريف الكتاب بأجداده الأنبياء العظام صلى الله عليهم لا الذين وقعوا في سلسلة نسبه الشريف من الكفَّار، ويمكن أن يكونوا من بين الكفار مشرفين بحصول النور الذي كان يُرى في جنب أجداده إلى أن انتقل ذلك النور إلى عبد الله بن عبد المطلب كما هو مذكور في السير فلم يَحِر جواباً انتهى.
          قال ابن الملقن ☼: هو أبو القاسم، وأبو الأرامل، وأبو إبراهيم، كنَّاه به جبريل ◙ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر / بن نزار بن معد بن عدنان. وكذا ساقه البخاري في باب البعث.
          واسم عبد المطلب: شيبة الحمد، على قول الجمهور، وقال ابن قتيبة: عامر، وعاش مائة وأربعين سنة، سمِّي عبد المطلب؛ لأن عمَّه المطلب أردفه خلف ظهره حين أتى به من المدينة صغيراً، فكان يقال له: من هذا؟ فيقول: عبدي.
          واسم هاشم: عمرو، ولأنه هشَم الثريد لقومه في المجاعة.
          وعبد مناف اسمه: المغيرة، وكان يقال له: قمر البطحاء، وقُصَي لقبٌ له، واسمه: زيد، وهو تصغير قصِي؛ أي: بعيد؛ لأنه بعُدَ عن عشيرته في بلاد قضاعة حين احتملته أمُّه فاطمة، ولؤي بالهمز عند الأكثرين، وقيل: بتركه.
          والنضر هو: أبو قريش في قول الجمهور، فمن كان من ولده فقرشي وإلا فلا، وقيل: أبوهم فهر، قاله مصعب الزبيري وابن الكلبي وغيرهما، وقيل: إلياس، وقيل: هم ولد مضر.
          وإلياس: بكسر الهمزة عند ابن الأنباري وطائفة، قيل: إنها الهمزة المصاحبة للام التعريف تقع في الابتداء وتسقطُ في غيره، وصححه المحققون، قيل: هو أول من أهدى البدن إلى البيت وهو بالياء وله أخ يقال له بالنون بدلها، قاله ابن ماكولا.
          وأما مضر فيقال له: مضر الحمراء، ويقال لأخيه: ربيعة الفرس، قيل: لأن أباهما أوصى لمضر بقبة حمراء ولربيعة بفرس، وكان مضر حسن الصَّوت قيل: وهو أول من حدا، وفي حديث: ((لا تسبوا ربيعة ولا مضر فإنهما كانا مؤمنين)).
          ونِزار _بكسر النون_ مشتق من النزر، وهو القليلُ سمي به؛ لأن أباه حين ولد له، ونظر إلى النور بين عينيه وهو نور النبوة الذي كان ينتقل في الأصلاب فرح فرحاً شديداً ونحر وأطعم وقال: كل هذا نزر في حق هذا المولود.
          وما ذكرته من النَّسب إلى عدنان هو إجماع الأمة وفيما بعده إلى آدم خلاف واضطراب، والمحققون ينكرونه.
          ومن أشهره كما قاله النووي في ((إملائه)): عدنان بن أدد _وهو مصروف، قال ابن السراج: هو من الود، وانصرف كثقب وليس معدولاً كعمر_ ابن مقوم بن ناحور _بنون ثم حاء مهملة_ ابن تيرح _بمثناة فوق ثم تحت ثم راء مفتوحة ثم حاء مهملة_ ابن يعرب بن يشجُب _بضم الجيم_ ابن نابت _بالنون_ ابن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن بن تارَح _بمثناة فوق وفتح الراء_ وهو آزر، قيل: معناه الأعوج، ابن ناحور _بمهملات_ ابن راعُو _بضم العين المهملة_ بن فالخ _بالفاء وفتح اللام وبالمعجمة_ ومعناه الرسول أو الوكيل، ابن عيبر _بمهملة ثم مثناة تحت ثم موحدة مفتوحة_ بن أرفخْشذ _براء ثم فاء ثم معجمة ساكنة ثم شين معجمة_، ومعناه بالسريانية مصباح مضيء، ابن سام نوح بن لامَك _بفتح الميم وكسرها_ بن مَتُّوْشَلَخ _بميم مفتوحة / ثم مثناة فوق مشددة مضمومة ثم واو ساكنة ثم شين معجمة ثم لام مفتوحتين ثم خاء معجمة_، ويقال: متوشلخ بن حنُوخ _بحاء مهملة وقيل: معجمة ثم نون مضمومة ثم واو ثم خاء معجمة_.
          قال ابن إسحاق: والأكثرون هو إدريس، وأنكره آخرون وقالوا: إنه ليس في عمود النسب، وإنما إدريس هو إلياس، واختاره ابن العربي وصاحبه السهيلي(1) لحديث الإسراء حيث قال: ((مرحباً بالأخ الصالح)) ولم يقل: بالابن كما قال آدم وإبراهيم.
          ابن يَرْد _بمثناة تحت مفتوحة ثم راء ساكنة ثم دال_، ومعناه: الضابط، ابن مهليل، ويقال: مهلايل، ومعناه الممدوح، ابن قينن، ويقال: قينان بالقاف، ومعناه المسوي، ابن يانش، ويقال: آنش، ويقال: آنوش بالنون والشين المعجمة، ومعناه الصادق، ابن شيث وهو بالعبرانية، ويقال: شاث بالسريانية، ومعناه عطية الله، ابن آدم صلعم.
          وذكر أبو الحسن المسعودي وآخرون: بين عدنان وإبراهيم نحو أربعين أباً، وهذا أقرب كما قاله النووي، فإن المدة بينهما طويلة، لكن في لفظها وضبطها اختلاف كثير منها:
          أن عدنان من نسل قيدار بن إسماعيل، وأما الحديث المشهور عن ابن عباس رفعه بعد عدنان: ((كذب النسابون)) فضعيف، والأصح وقفه على ابن مسعود، وكره مالك رفع الأنساب إلى آدم وقال: من أخبر(2) بذلك، وذهب كثيرون إلى جوازه وهو الأظهر؛ لأنه يترتب عليه معرفة العرب من غيرهم، وقريش من غيرهم، وبنى عليه أحكام كالإمامة والكفاية والتقديم في قسمة الفيء وغير ذلك، وفي الحديث: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)).
          واسم أمه: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، ولد بمكة عام الفيل، وقيل: بعده بثلاثين سنة، وقيل: بأربعين.
          واتفقوا على أنه ولد يوم الاثنين، وكان مولده في شهر ربيع الأول قيل: لليلتين خلتا منه، وقيل: لثمان، وقيل: لعشر، وقيل: لثنتي عشرة وهو الأشهر، وتوفي يوم الاثنين ضحًى لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة هذا هو الصحيح المشهور، وقيل: لليلتين خلتا منه، وقيل: في أوله وله حينئذ ثلاث وستون سنة، وقيل: خمس وستون، وقيل: ستون وبعث يوم الاثنين وله أربعون سنة، وقيل: أربعون ويوم، وخرج من مكة يوم الاثنين مهاجراً إلى المدينة وقدمها يوم الاثنين أيضاً ضحى لثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول، فأقام بها عشر سنين / بالإجماع.
          فصل
          صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري متواتر عنه، وأشهر من رواية الفربري عنه قال أبو عبد الله الفربري: سمع ((الصحيح)) من أبي عبد الله تسعون ألف رجل فما بقي أحد يرويه غيري.
          قال الذهبي: وآخر من روى عنه صحيحه منصور من محمد البزدوي، وآخر من زعم أنه سمع منه أبو ظهير عبد الله بن فارس البلخي سنة ست وأربعين وثلاثمائة.
          وقال الخطيبُ: آخر من حدث عن البخاري ببغداد الحسين بن إسماعيل المحاملي، ورواه _أعني: ((صحيحه))_ عن الفربري خلائق منهم: أبو محمد الحموي، وأبو زيد المروزي الفقيه الشافعي، وهو أجل من رواه عنه وأولهم، وأبو إسحاق المستملي، وأبو الحسن علي بن أحمد الجرجاني، وأبو الهيثم محمد بن بكر الكشميهني، وأبو علي إسماعيل بن محمد الكشاني، وأحمد بن محمد بن مَتَّ _بفتح الميم وتشديد الفوقانية_ وآخرون، ورواه عن كل واحد من هؤلاء جماعات.
          واشتهر الآن من طريق أبي الوقت عن الداودي عن الحموي عن الفربري عن البخاري.
          فصل
          واسم صحيحه: ((الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلعم وسننه وأيامه)) كذا سماه هو أول كتابه، وهو أول كتاب صنف في الحديث الصحيح المجرد(3)، وهو أكثر فوائد من ((صحيح مسلم)) وأصح على الصحيح عند الجمهور.
          وقال النسائي: ما في هذه الكتب أجود منه، وقد قرر الإسماعيلي ترجيح كتابه في ((مدخله))، ومما ترجح به أنه لابد من ثبوت اللقاء عنده، وخالفه مسلم واكتفى بإمكانه، وأجمعت الأمة على صحة كتابه وكتاب مسلم، ومعناه أنه يجب العمل بأحاديثهما وأنهما يفيدان الظن إلا ما تواتر منها فيفيد العلم.
          وقال قوم: إنها كلها تفيد العلم القطعي، وأنكره الجمهور والمحققون.


[1] في هامش الأصل: ((أقول: السهيلي هو تلميذ ابن العربي، فإنه يقول في تأليفه: قال شيخنا ابن العربي)).
[2] في هامش الأصل: ((وروي ما فعله بعد عدنان إلا قاص أو متحرص)).
[3] في هامش الأصل: ((أقول: الموطأ صنفه مالك قبله)).