مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه

          ░53▒ باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه
          فيه حديث ابن مسعود قال: قسم رسول الله قسمة، الحديث وسلف في فضائل موسى ◙.
          وفيه: أنه يجوز للرجل أن / يخبر أهل الفضل والستر من إخوانه بما يقال فيهم مما لا يليق؛ ليعرفهم بذلك من يؤذيه من الناس وينقصه، ولا حرج عليه في مقابلته بذلك وتبليغه له، وليس ذلك من باب النميمة؛ لأن ابن مسعود حين أخبر الشارع بقول الأنصاري فيه وتجويره له في القسمة لم يقل له: أتيت بما لا يجوز، ونممت الأنصاري، والنميمة حرام، بل رضي ذلك، وجاوبه عليه بقوله: ((يرحم الله موسى)) إلى آخره.
          وإنما جاز لابن مسعود نقل ذلك إليه؛ لأن الأنصاري في تجويره له استباح إثماً عظيماً، وركب جرماً جسيماً، فلم يكن بحديثه حرمة، ولم يكن نقله من باب النميمة. وقد قال مالك في الرجل يمر بالرجل يقذف غائباً: فليشهد عليه إن كان معه غيره. وقال في قوم سمعوا رجلاً يقذف رجلاً فرفعوه إلى الإمام: فلا ينبغي له أن يحده حتى يجيء الطالب ولو كان هذا نميمة لم تجز الشهادة؛ لأنها كبيرة وهي مسقطة للشهادة.
          قوله: (فتمعر) هو بتشديد العين المهملة، ولأبي ذر: (فتمغر) أي: تغير من الغضب.
          وفيه: أن أهل الفضل والخير قد يعز عليهم ما يقال فيهم من الباطل، ويكبر عليهم، فإن ذلك جبلة في البشر، إلا أن أهل الفضل يتلقون ذلك بالصبر الجميل، اقتداء بمن تقدمهم من المؤمنين، ألا ترى أنه ◙ قد اقتدى في ذلك بصبر موسى ◙.
          قوله: (أوذي موسى بأكثر من ذلك) قيل: قالوا: هو آدر، فمر يغتسل عرياناً ووضع ثوبه على حجر الحديث.
          وقيل: قال قارون لامرأة ذات جمال وحسب: هل لك أن أشركك في أهلي ومالي! أن تأتيني إذا كنت في ملأ تقولي: اكفني موسى، فإنه أرادني على نفسي؟ فلما وقفت عليه بدل الله قلبها، فقالت: قال لي قارون كذا. فنكس رأسه، وأيقن بالهلاك، فأخبر موسى، وكان شديد الغضب يخرج شعره من ثوبه إذا غضب فتوضأ وصلى، وجعل يدعو ويبكي ويقول: يا رب أراد فضيحتي، فأوحى الله إليه: أن قد أمرت الأرض أن تطيعك فمرها بما شئت. فأقبل إلى قارون، فلما رآه قال: يا موسى ارحمني، قال: يا أرض خذيه، فساخت به الأرض وبداره إلى الكعبين، فقال: [يا] موسى ارحمني. فقال: خذيه، فساخت به وبداره، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة.
          وقال علي: صعد موسى وهارون الجبل، فمات هارون، فقالت بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلته، كان ألين لنا منك وأشد حياءً، وأوذي في ذلك، فأمر الله الملائكة فحملته، فمروا على مجالس بني إسرائيل، فتكلمت الملائكة بموته، حتى علمت بنو إسرائيل أنه مات، فدفنوه فلم يعلم موضع قبره إلا الرَّخَم، فجعله الله أصم أبكم(1).


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: قيل إن كل أخرس أصم بخلاف العكس)).