مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الانبساط إلى الناس

          ░81▒ باب الانبساط إلى الناس
          وقال ابن مسعود... إلى آخره.
          فيه حديث أنس: إن كان رسول الله صلعم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: إلى آخره.
          كان ◙ أحسن الأمة أخلاقاً، وأبسطهم وجهاً، وقد وصفه الله تعالى بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، فكان ينبسط إلى النساء والصبيان ويمازحهم ويداعبهم، وقد قال ◙: ((إني لأمزح ولا أقول إلا حقًّا)) فينبغي للمؤمن الاقتداء بحسن أخلاقه.
          قوله: (يتقمعن) قال أبو عبيدة: يعني: دخلن البيت وتغيبن، يقال للإنسان: قد انقمع وقمع، إذا دخل في الشيء أو دخل بعضه في بعض، قال الأصمعي: ومنه سمي القمع الذي يصب فيه الدهن وغيره؛ لأنه يدخل في الإناء.
          والذي يراد من الحديث: الرخصة في اللعب التي يلعب بها الجواري وهي البنات، فجاءت فيها الرخصة وهي تماثيل، وليس وجه ذلك عندنا إلا من أجل أنها لهو الصبيان، ولو كان للكبار لكان مكروهاً، كما جاء النهي في التماثيل كلها وفي الملاهي، وقال غيره: كنت ألعب بالبنات منسوخ بنهي الشارع عن الصور؛ لأن كل من رخص في الصور فيما كان رقماً أو في تصوير الشجر وما لا روح له. كلهم قد أجمعوا أنه لا يجوز تصوير ما له روح، وذكر ابن أبي زيد عن مالك: أنه كره أن يشتري الرجل لابنته الصور.
          قوله: (لا تكلمنه) أي: تجرحنه، والكلم: الجراحة، تقول: كلمته، وقرئ: {دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} [النمل:82] أي: تجرحهم وتسمهم، فكأنه أدخل في دينه وصما إذ جرحه، وهو ثلاثي تقول: كلمته كلماً.
          قوله في بعض النسخ: والدعابة مع الأهل: أي: المزاح، وهو حسن المعاشرة معهم.
          قوله: (ودينك): نصبه أحسن من رفعه؛ لأن الفعل إذا استغل عن المفعول بضميره كان المختار الرفع، إلا أن يكون مع الأمر أو النهي أو العرض أو التمييز أو الاستفهام أو الجزاء أو الجحد، وهو هنا مع النهي.
          والنغير: تصغير نغر بضم النون وفتح الغين وهو جمع نغرة، طير كالعصفور محمر المنقار، وبتصغيره جاء الحديث، والجمع: نغران، كصرد وصردان.
          وفيه: تكنية الصغير، وأن حرم المدينة لا يمتنع الصيد فيه(1)، قاله الخطابي.
          قال ابن التين: والذي ذكره بعض أصحابنا أن هذا كان قبل نزول التحريم فيه، وهذا لا يلزم على قول مالك في ((المدونة))؛ لأنه أجاز للحلال أن يدخل بالصيد في الحرم وأن يذبحه، وفي ((العتبية)) لابن القاسم: عليه إرساله إذا دخل الحرم. وذكره ابن المنذر عن أحمد وإسحاق وأصحاب الرأي، قال أبو عبد الملك: ويجوز أن يكون منسوخاً بنهيه ◙ عن تعذيب الحيوان.
          واختلف في الجزاء في حرم المدينة، والأظهر عندنا أنه لا شيء فيه وهو قول مالك، وأوجبه / ابن نافع من أن مالكاً والشافعي والجمهور قالوا بالحرمة من غير جزاء، وأما أبو حنيفة فأباحه.
          (والبنات) في حديث عائشة: التماثيل الصغار التي تلعب بها الجواري. وقال الداودي: يحتمل أن تكون الباء بمعنى: مع.
          والبنات: الجواري. وهو غير ظاهر؛ لقولها: (وكان لي صواحب يلعبن معي). فمن قال: هي التصاوير. اختلفوا في علة نهيها. وقال الخطابي فيه: إن اللعب بالبنات ليس كالنهي لسائر الصور التي جاء فيها الوعيد، ورخص لعائشة؛ لأنها غير بالغ.
          وقولها: (يسربهن إلي) أي: يرسلهن. وقال الداودي: أي: يأذن لهن أن يخرجن.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول ويحتمل أنه صيد بغير الحرم وأتى به إلى المدينة الشريفة)).