مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما ينهى من السباب واللعن

          ░44▒ باب ما ينهى من السباب
          فيه أحاديث:
          1- حديث أبي وائل أخرجه عن سليمان بن حرب، بسنده عن عبد الله قال: قال رسول الله صلعم: ((سباب المسلم فسوق)) الحديث.
          الفسوق: الإثم، وأصله: الخروج عن طريق الحق والعدل.
          ومعنى (قتاله كفر): إن استحله، وقال الداودي: إن قتاله على غير تأويل مستنكر وقتل الخوارج فهو أعظم من ذلك، وهو مشروع، فإن قاتله بتأويل قريب قيل: إسلامه في قصته فهو معذور فيه.
          2- حديث يحيى بن يعمر، أن أبا الأسود الدؤلي حدثه، عن أبي ذر أنه سمع النبي صلعم يقول: ((لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق)) الحديث.
          و(أبو الأسود): ظالم بن عمرو بن سفيان بن عمرو بن حليس بن نفاثة شهد صفين مع علي، وولي قضاء البصرة لابن عباس، ومات بها في طاعون الجارف، وهو أول من تكلم بالنحو، هكذا سماه ابن الكلبي، وقال غيره: ظالم بن سارق، وقيل: عكسه.
          و(أبو ذر): اسمه جندب بن جنادة.
          3- حديث أنس قال: لم يكن رسول الله فاحشاً الحديث سلف قريباً.
          4- حديث ثابت بن الضحاك مرفوعاً: ((من حلف على ملة غير الإسلام)) الحديث.
          وفي بعض الروايات: ((حلف متعمدا)) أي: حلف / على وجه التعظيم.
          ووجه الحديث الآخر: ((من قال في يمينه باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله)) إنما هو على وجه الخطأ منه، قال أبو عبد الملك: من قال في شيء كان هو على غير الإسلام إن كان ذلك ويتعمد الكذب، ويطمئن قلبه بالكفر، فهو كذلك، ومن لم يرد الكفر وحلف كاذباً فقد عظم ذنبه، وقارب الكفر. ومن حلف بذلك أن لا يفعل شيئاً، أو ليفعلنه، فليستغفر الله.
          قوله: (ومن لعن مؤمنا فهو كقتله) المراد: أنه حرام كقتله لا أنهما سواء. قاله أبو عبد الملك. وقال الداودي: يحتمل أن يستوي إثمهما فيكون فيه القصاص والعقوبة بما جعل الله في ذلك، ولعله أن يكون بعض ذلك أشد من بعض كتفاضل القتلتين.
          قوله: (ومن قذف مؤمنا فهو كقتله) قال أبو عبد الملك: فيه مثل الأول أن كل واحد منهما حرام وليسا متساويين في الإثم، وقال الطبري: يريد في بعض معناه، لا في الإثم والعقوبة، ألا ترى أن من قتل مؤمناً عليه القود دون من لعنه، فإنه الإبعاد من الرحمة والقتل إبعاد من الحياة وإعدام منها، التي بها يصير المؤمن كالبنيان، وعون بعضهم لبعض، وكذلك من رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله؛ لما أجمع المسلمون أن لا يقتل في رميه له بالكفر، علم أن التشبيه وقع بينهما في معنى يجمعهما، وهو ما قلناه.
          قوله: (ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا) الحديث يريد: أنفذ الله فيه وعيده، قال الداودي: فقد يكون من عذاب يوم القيامة ما سأله من الكرب والفزع والوقوف والشمس في دنوها من الخلق ومما يناله من المشقة في جواز الصراط من خدش الكلاليب، وهذا التأويل لا يصح على رواية من روى ((عذب به)) وهي رواية أبي ذر، والظاهر كما قال ابن التين خلاف ما قال الداودي؛ لأنه ذكر قبل هذا في (خ): ((ومن تردى من جبل، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه)).
          5- حديث سليمان بن صرد رجل من أصحاب رسول الله صلعم قال: ((استب رجلان)) الحديث.
          6- حديث عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله صلعم ((ليخبر الناس)) الحديث.
          و(تلاحى) أي تنازعا، قاله الجوهري وابن فارس، في المثل: من لاحاك فقد عاداك. وقال في ((الغريبين)) للهروي: اللحاء والملاحاة كالسباب، وقال الداودي: تماريا.
          ومعنى (رفعت) رفع تعيينها بسبب التلاحي عقوبة.
          قوله: (وعسى أن يكون خيرا لكم) أي: في تغييب عينها عنكم لتجتهدوا فيها في سائر الليالي.
          قوله: (فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة) قيل: التاسعة: ليلة إحدى وعشرين، والسابعة: ليلة ثلاث، وهو هو قول مالك.
          وقيل التاسعة: ليلة تسع وعشرين، والسابعة: ليلة سبع وعشرين.
          7- حديث أبي ذر مع غلامه، الحديث.
          قوله: (إنك امرؤ فيك جاهلية) أي: أنت في تعييره بأمه على خلق من أخلاقهم؛ لأنهم كانوا يتفاخرون بالأنساب، وفيه نزلت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] ولم يرد في كفرهم.
          قوله: (فليطعمه مما يأكل) قال الداودي: ((من)) توجب التبعيض، وفي حديث آخر في ((الصحيح)): ((فليجلسه معه / أو ليطعمه لقمة أو لقمتين)) وقيل لمالك: أيأكل الرجل من طعام لا يأكل منه عياله ورقيقه، ويلبس ثياباً لا يكسوهم؟ قال: أراه من ذلك في سعة، قيل له: فحديث أبي ذر؟ قال: كانوا يومئذ ليس لهم هذا القوت. قوله: (ولا يكلفه من العمل) إلى آخره.
          قال مالك: كان عمر يخرج إلى الحوائط يخفف عمن أثقل عليه من الرقيق في عمله، ويزيد في رزق من قلل رزقه.
          وسباب المسلم فسوق؛ لأن عرضه حرام كدمه وماله، والمؤمن لا ينبغي أن يكون سبَّاباً ولا لعاناً، ويقتدي في ذلك بالشارع؛ لأن السب سبب للفرقة والبغضة، وقد من الله على المؤمنين بما جمعهم عليه من ألفة الإسلام. قال تعالى: {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} [آل عمران:103] الآية، وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] فكما لا ينبغي سب أخيه في النسب كذا في الإسلام، وملاحاته، ألا ترى أن الله دفع تعيين ليلة القدر وحرمهم علمها عقوبة بتلاحي الرجل بحضرة الشارع كما سلف.
          وقوله: (إنك امرؤ فيك جاهلية) غاية في ذمه وتقبيحه؛ لأن أمور الجاهلية حرام زائلة بالإسلام، وواجب على كل مسلم هجرانها واجتنابها، وكذلك الغضب هو من نزعات الشيطان فإنه دواء الغضب؛ لقوله ◙: ((إني لأعلم كلمة)) يعني: التعوذ بالله من الشيطان.
          قوله: (وقتاله كفر) معناه: التحذير له عن مقاتلته ومسارته والتغليظ فيه، يريد: أنه كالكفر فلا يقاتله، وهذا كما يقال: الفقر الموت؛ أي: كالموت.
          وسيأتي في باب من كفر أخاه بغير تأويل في كتاب الأيمان والنذور.