مجمع البحرين وجواهر الحبرين

كتاب الذبائح والصيد

          ░░72▒▒ كتاب الصيد والذبائح
          فيه حديث عدي بن حاتم سألت النبي صلعم عن صيد المعراض... الحديث، وسلف في البيوع، ويأتي في التوحيد، وكرره هنا ستًّا، وأخرجه باقي الجماعة.
          قوله: ({وَأَنتُمْ حُرُمٌ}) [المائدة:1] أي: محرمون، وواحد حرم: حرام، والشعائر: الهدايا؛ أي: معلمة، وشعيرة: بمعنى مشعرة، وقال مجاهد: {شَعَائِرَ اللهِ} [المائدة:2]: الصفا والمروة والحرم.
          فالمعنى على هذا: لا تحلوا الصيد في الحرم، والتقدير: والمعنى: لا تحلوا لأنفسكم شعائر الله، فمن قال: هي: البدن، فالآية عنده منسوخة.
          فصل
          الاصطياد مباح لمن اصطاده للاكتساب والحاجة والانتفاع بالأكل أو الثمن، واختلف فيمن صاده للهو وتمكن من قصد تذكيته والإباحة والانتفاع، فكرهه مالك وقال: إن كان من شأنه الصيد للذة يجوز شهادته إن كان لم يضيع فريضة وشبهها.
          وأجازه الليث وابن عبد الحكم، فإن فعله بغير نية التذكية فهو حرام؛ لأنه فساد في الأرض وإتلاف نفس عبثاً، وقد نهى ◙ عن قتل الحيوان إلا لمأكله، ونهى أيضاً عن الإكثار من الصيد.
          ففي حديث ابن عباس مرفوعاً: ((من سكن / البادية فقد جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن لزم السلطان افتتن)).
          أخرجه (ت) وقال: حسن غريب.
          وحديث عدي هذا أخرجه هنا عن أبي نعيم: وسلف في الطهارة، في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، وفي أوائل البيوع في باب تفسير المشبهات ثم ذكره من حديث بيان عن الشعبي بلفظ: ((فإذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل)).
          واعترض ابن المنير فقال: ليس في الذي ذكره تعرض المترجم لها إلا آخر الحديث، فعده بياناً لما أجملته الأدلة من التسمية، وكذلك أدخل الجميع تحت الترجمة، وعند أهل الأصول نظر في المجمل إذا اقترنت به قرينة لفظية مثبتة، هل يكون الدليل المجمل معها أو إياها خاصة.
          وذكره (خ) بألفاظ أخر ستأتي.
          اختلف العلماء في التسمية على الصيد والذبيحة: فروي عن نافع مولى ابن عمر ومحمد بن سيرين، والشعبي أنها فريضة، فمن تركها عامداً أو ساهياً لم تؤكل، وهو قول أبي ثور وأهل الظاهر.
          وذهب مالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه إن تركها عامداً لم تؤكل، وإن تركها ساهياً أُكلت، قال مالك: هو بمنزلة من ذبح ونسي، يأكل ويسمي.
          قال ابن المنذر: وهو قول ابن عباس وأبي هريرة وابن المسيب والحسن بن صالح وطاوس وعطاء والحسن البصري والنخعي وابن أبي ليلى وجعفر بن محمد والحكم بن ربيعة وأحمد وإسحاق.
          وقال الشافعي: يؤكلان عمداً ونسياناً.
          روي ذلك عن أبي هريرة وابن عباس وعطاء وعن أحمد رواية وهي المذهب كما قال في ((المغني)) إن تركها عمداً أو سهواً فهو سنة.
          وقال ابن المنذر: التسمية على الذبح والصيد واجبة؛ بدلالة الكتاب والسنة.
          واحتج أصحاب الشافعي بأن المجوسي لو سمى الله لم ينتفع بتسميته؛ لأن المراعي دينه، فكذا المسلم إذا تركها عامداً لا يضره؛ لأن المراعي دينه.
          واحتج من أوجبها بحديث الباب، حيث علل له بأن قال: إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك.
          وسؤال عدي يحتمل أن يكون لمعرفة طلب الحكم قبل الإقدام عليه، وقد قال بعض أهل العلم: لا يجوز الإقدام على الفعل إلا بعد معرفة الحكم.
          ويحتمل أن يكون علم أصل الإباحة، وسأل عن أمور اقتضت عنده الشك في بعض الصور أو قيام مانع من الإباحة التي علم أصلها.
          وفي حديث عدي فوائد:
          1- أن قتل الكلب المعلم ذكاة.
          2- أنه إذا أكل فليس بمعلم، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة.
          3- إذا شك في ذكاته فلا يأكل؛ لأن الأصل أنه حرام إلا بذكاة، فإذا خالط غير كلبه صار في شك من ذكاته، وهذا مذهب مالك.
          4- أن عدم التسمية يمنع الأكل؛ لتعليله في المنع بقوله: ((فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيرها)).
          5- أن محل الآية السالفة {وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة:94] هو أن يصيب على الوجه المعتاد وهو محل الرمح.
          والمعراض: (بكسر الميم) خشبة ثقيلة في طرفها حديدة يرمى بها الصيد، وقد يكون بغير حديدة، فما أصاب بحدة فهو وجه ذكاته فيؤكل، وما أصاب بعرضه فهو وقيذ. وعبارة الهروي: هو سهم لا ريش فيه ولا نصل.
          وقال ابن دريد: هو سهم طويل له أربع قذذ رقاق، فإذا رمي به اعترض.
          وقيل: هو عود رقيق الطرفين غليظ الوسط، فإذا رمى به ذهب مستوياً.
          وقال ابن الجوزي: هو نصل عريض له ثقل ورزانة.
          وقال في ((المعونة)): المعارضة: خشبة عريضة في رأسها كالزج، يلقيها الفارس على الصيد، فربما أصابته الحديدة فجرحت وأسالت دمه فيؤكل؛ لأنه كالسيف والرمح، وربما أصابته الخشبة فترضه أو تشدخه، فيكون وقيذاً فلا يؤكل.
          قوله ◙: ((فإن أخذ الكلب ذكاته)) قد يؤخذ منه أن الكلب ينصفه تعليمه أن لا يأكل، وهو شرط عند أبي حنيفة والشافعي، خلافاً لمالك وبقوله قال سلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص وعلي وابن عمر وأبو هريرة، ومن التابعين: سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن والزهري وربيعة، وهو قول مالك والليث والأوزاعي / لقوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة:4]