مجمع البحرين وجواهر الحبرين

كتاب العتق

          ░░49▒▒ ((كتاب العتق))
          أصله من عتق الفرخ إذا استقل، وشرعاً: إزالة ملك عن آدمي لا إلى مالك تقرباً إلى الله تعالى.
          ((باب: في العتق وفضله))
          فيه حديث سعيد بن مرجانة صاحب علي بن حسين قال: قال أبو هريرة: قال: قال النبي صلعم: ((أيما رجل أعتق امرأ مسلماً)) الحديث.
          معنى {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد:13]: اقتحام العقبة فك رقبة، أو فلم يقتحم العقبة إلا من فك رقبة؛ لأنه بالرق كالأسير المربوط في رقبته.
          قال سعيد بن مسعدة: قراءة: {فَكُّ رَقَبَةٍ} أحب إلي؛ لأنه فسر ((العقبة)) أي: فك رقبة.
          وكذا قال الزجاج: من قرأ: {فَكُّ رَقَبَةٍ} فالمعنى اقتحام العقبة فك رقبة أو إطعام، فهو محمول على المعنى، والمسغبة: المجاعة.
          قوله: ((ذا مقربة)) أي: ذا قرابة، ولابن زنجويه في ((فضائل الأعمال))(1) من حديث البراء بن عازب جاء أعرابي إلى رسول الله صلعم فقال: علمني عملاً يدخلني الجنة. فقال: ((لئن كنت أقصرت الخطبة، لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة وفك الرقبة)).
          فقال: يا رسول الله، أوليسا واحداً قال: ((لا، عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وعتق الرقبة أن تعين في عتقها)) وللبيهقي: ((من أعتق امرأ مسلماً كان فكاكه من النار، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار)).
          وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم، وفي رواية له: ((من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله تعالى بكل أرب منه أربا منه من النار)).
          ولهما من حديثه: ((من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله منه بكل عضو منه عضواً من النار حتى فرجه بفرجه)).
          ذكره (خ) في كتاب النذور، ولأبي الفضل الجوزي: ((حتى إنه ليعتق اليد باليد والرجل بالرجل والفم بالفم)).
          وجاء في فضله عدة أحاديث، منها: حديث أبي أمامة مرفوعاً: ((أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلماً كان فكاكه من النار، يجزئ كل عضو منه عضواً منه)).
          قال الخطابي: فعلى هذا لا ينبغي أن يكون العتق ناقصاً بعور أو شلل ولا معيباً بعيب يضر بالعمل، / ويخل بالسعي والاكتساب، وربما كان نقص بعض الأعضاء زيادة في الثمن كالخصي(2)؛ إذ يصلح لما لا يصلح له غيره من حفظ الحريم ونحوه، فلا يكره على أن لا يخل بالعمل.
          وقال القاضي عياض: اختلف العلماء: أيما أفضل عتق الإناث أو الذكور(3)؟ فقال بعضهم: الإناث أفضل؛ إذا عتقت كان ولدها حراً سواء تزوجها حر أو عبد.
          وقال آخرون: الذكر أفضل؛ لحديث أبي إمامة؛ وغيره مرفوعاً أيما امرء مسلم أعتق امرءً مسلماً كان فكاكه من النار يجري كل عضو منه عضواً منه، ولما في الذكر من المعاني العامة التي لا توجد في الإناث؛ ولأن من الإماء من لا ترغب في العتق وتضيع به، بخلاف العبد.
          وهذا هو الصحيح، واستحب بعض العلماء أن يعتق الذكر الذكر والأنثى مثلها، ذكره الفرغاني في ((الهداية)) لتتحقق مقابلة الأعضاء بالأعضاء.
          ولا شك أن الزنا كبيرة لا تكفر بالتوبة، فيحمل الحديث على أنه أراد مس الأعضاء بعضها بعضاً من غير إيلاج، وهذا صغيرة، أو يحتمل أن يريد أن لعتق الفرج حظاً في الموازنة فيكفر الزنا.
          قال المهلب: فيه فضل العتق، وأنه من أرفع الأعمال، وربما ينجي الله به من النار.
          وفيه أن المجازاة قد تكون من جنس الأعمال، فجوزي المعتق للعبد بالعتق من النار، وإن كان صدقة تصدق عليه واجتنى في الآخرة.
          هذا الحديث يبين أن تقويم باقي العبد على من أعتق شقصاً إنما هو لاستكمال عتق نفسه من النار، وصارت حرمة العتق تتعدى إلى الأموال لفضل النجاة به من النار، وهذا أولى من قول من قال: إنما ألزم عتق باقيه لتكميل حرمة العبد، فتتم شهادته وحدوده، وهو قول لا دليل عليه.


[1] في هامش المخطوط: ((وفي مسند أحمد وفي صحيح ابن حبان أيضاً)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: في الحديث يعتق كل عضو منه بعضو منه فالخصي ناقص عضواً فيبقى فرج المعتق بلا فداء قلت: يعتق بفضل الله لا في مقابله عضو كما أن الذكر إذا أعتق أمة والأنثى إذا أعتقت أنثى)).
[3] في هامش المخطوط: ((أقول فضيلة الذكر على الأنثى كثر منها في الفرائض ومنها في العقل ومنها الجهاد والإمامة... والنبوة ومنها أن شهادة الرجل بامرأتين)).