مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول الله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}

          ░56▒ باب قول الله: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}(1) [النحل:90]
          فيه حديث عائشة أنه ◙ سحره لبيد بن الأعصم الحديث.
          تأول (خ) من هذه الآيات التي ذكرها: ترك إثارة الشر على مسلم أو كافر، كما دل عليه حديث عائشة، ووجه ذلك والله أعلم أنه تأول في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل:90] الندب إلى الإحسان إلى المسيء، وترك معاقبته على إساءته.
          فإن قلت: فكيف يصح هذا التأويل في آيات البغي التي ذكرها؟ قيل: وجه ذلك أنه لما أعلم الله عباده أن البغي ينفذ على الباغي بقوله: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم} [يونس:23] وضمن تعالى نصرة من بغى عليه بالنصرة، كان الأولى لمن بغي عليه شكر الله على ما ضمن من نصره، ومقابلة ذلك بالعفو عمن بغى عليه. وكذلك فعل الشارع باليهودي الذي سحره حين عفا الله عنه، وقد كان له الانتقام منه بقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ} [النحل:126] الآية. لكن آثر الصفح عنه، عملاً بقوله: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ} [الشورى:43] الآية، وكذلك أخبرت عائشة عنه: أنه كان لا ينتقم لنفسه ويعفو عمن ظلمه.
          وفي تفسير الآية أقوال:
          1- أن العدل شهادة أن لا إله إلا الله، والإحسان أداء الفرائض، قاله ابن عباس.
          2- العدل: الفرض، والإحسان: النافلة.
          3- العدل: استواء السريرة والعلانية، والإحسان: أن تكون السريرة أفضل من العلانية، قاله ابن عيينة. قال ابن مسعود: وهذه الآية أجمع آية في القرآن لخير أو شر. ويمكن أن يتخرج تأويل (خ) على هذا القول.
          قوله: {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [النحل:90] يعني: عن كل فعل أو قول قبيح. قال ابن عباس: هو الزنا والبغي / قيل: هو الكبر والظلم. وقيل: التعدي ومجاوزة الحد.
          وقال ابن عيينة: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس:23] المراد بها: أن البغي تعجل عقوبته في الدنيا لصاحبه، يقال: للبغي مصرعة.
          قوله: (مطبوب) كنوا بالطب عن السحر تفاؤلاً بالبرء، كما كنوا بالسليم عن اللديغ. وكالمفازة للتهلكة والجف بالجيم وعاء الطلع.
          وحكى ابن التين خلافاً في لبيد، فقيل: كان يهوديًّا، وقيل: منافقاً. ورواية (خ) صريحة في الأول، وسلف.
          قوله: (تحت رعوفة) قال عياض: جاء في بعض روايات (خ) بغير ألف، والمعروف في اللغة الأخرى: أرعوفة وراعوفة ويقال: راعوتة، بالتاء أيضاً، وهي صخرة تترك في أصل البئر عند حفرة ناتئة ليجلس عليها منقيه والمائح متى احتاج، وقيل: هو حجر على رأس البئر يستقي عليه المستقي. وقيل: حجر بارز من طيها يقف عليه المستقي والناظر فيها. وقيل: حجر ناتئ في بعض البئر، لم يمكن قطعه لصلابته، فترك.
          قوله: (فهلا تنشرت) قال الجوهري: التنشير من النشرة، وهي كالرقية، فإذا نشر المسموم فكأنما نشط من عقال؛ أي: يذهب عنه سريعاً.
          وفي الحديث: لعل طبًّا أصابه. يعني: سحراً، ثم نشره بـ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] أي: رقاه، وكذا عند القزاز. وقال الداودي: معناه: هلا اغتسلت ورقيت.
          وظاهر الحديث أن تنشرت: أظهرت السحر، توضحه الرواية الأخرى: هلا استخرجته.
          وروي أنه سئل عن النشرة، فقال: ((هي من عمل الشيطان)).
          وقال الحسن: النشرة من السحر، وهو ضرب من الرقى والعلاج، يعالج به من كان يظن أن به شيئاً من الجن.
          وقال عياض: النشرة نوع من التطبب بالاغتسال على هيئات مخصوصة بالتجربة لا يحتملها القياس الصبي، واختلف في جوازها، وسلف.


[1] في هامش المخطوط: ((وقال تعالى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم} {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ} الآية، أقول: التلاوة ثم بغى)).