مجمع البحرين وجواهر الحبرين

كتاب الشركة

          ░░47▒▒ ((كتاب الشركة))
          ((باب الشركة في الطعام... إلى آخره))
          هو بفتح الشين وكسر الراء، وكسر الشين، وإسكان الراء، وفتح الشين وإسكان الراء وفيه لغة رابعة: شرك بغير تاء تأنيث.
          قال تعالى: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ} [سبأ:22] أي: من نصيب، وجمع الشركة: شرك بفتح الراء وكسر الشين، وهي في اللغة: الاختلاط على الشيوع وعلى المجاورة، كما قال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء} [ص:24].
          وفي الشرع: ثبوت الحق لاثنين فصاعدًا في الشيء الواحد كيف كان. قال تعالى: {رَّجُلًا [فِيهِ] شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ} [الزمر:29] أي: متشاجرون في خدمته؛ يريد كل منهم أن يتفرد بها، ثم هي تارة تحصل بالخلط وتارة بالشيوع الحكمي كالإرث.
          و((النهد)) بفتح النون وإسكان الهاء، قال الأزهري في ((تهذيبه)): هو إخراج القوم نفقاتهم على قدر عدد الرفقة، يقال: تناهدوا وقد ناهد بعضهم بعضاً.
          وقال ابن سيده: إنه العون، وطرح نهده مع القوم أعانهم وخارجهم، وقد تناهدوا، أي: تخارجوا يكون ذلك في الطعام والشراب، وقيل: إنه إخراج القوم نفقاتهم على قدر في الرفقة.
          وقال صاحب ((العين)): هو ما يجمعه الرفقاء من مال أو طعام على قدر في الرفقة ينفقونه بينهم.
          وقال ابن دريد: من ذلك: تناهد القوم الشيء: تناولوه بينهم.
          وقال ثعلب: هو النهد بالكسر. قال: والعرب تقول: هات نهدك، مكسورة النون، وحكى عمرو بن عبيد عن الحسن أنه قال: أخرجوا نهدكم، فإنه أعظم للبركة، وأحسن لأخلاقكم وأطيب لنفوسكم. وذكر صاحب ((المطالع)) أن القابسي فسره بطعام الصلح بين القبائل.
          قال: وحكى بعضهم فيه فتح النون، وهو غريب منه كونه قدم الكسر.
          وذكر محمد بن عبد الملك التاريخي في كتاب ((النهد)) عن المدائني وابن الكلبي وغيرهما: أن أول من وضع النهد الحضير بن المنذر الرقاشي.
          ذكر فيه أربعة أحاديث:
          1- حديث جابر بعث النبي صلعم بعثًا قبل الساحل... الحديث، وساقه (م) أيضًا.
          2- حديث سلمة: ((خفت أزواد القوم)) الحديث.
          3- حديث رافع بن خديج: كنا نصلي مع رسول الله صلعم العصر.
          4- حديث أبي موسى قال: قال النبي صلعم: ((إن الأشعريين)) الحديث.
          أما حديث جابر فكرره (خ) كما ستعلمه.
          وأما حديث سلمة فمن أفراده(1). وأما حديث رافع فسلف في الصلاة وشيخ (خ) محمد بن يوسف هو الفريابي.
          قال المهلب: هذه القسمة لا تصلح إلا فيما جعل للأكل خاصة؛ لأن طعام النهد وشبهه لم يوضع للآكلين على أنهم يأكلون بالسواء، وإنما يأكل كل واحد على قدر نهمته، وقد يأكل الرجل أكثر من غيره، وهذه القسمة موضوعة للمعروف وعلى طريقة بين الآكلين، ألا ترى جمع أبي عبيدة بقية أزواد الناس، ثم شركهم فيها بأن قسم لكل واحد منهم، وقد كان فيهم من لم تكن له بقية طعام، وقد أعطى بعضهم أقل مما كان بقي له ولآخر أكثر.
          وهذا الفعل للشارع هو الذي امتثل أبو عبيدة في جمعه للأزواد، وإنما يكون هذا عند شدة المجاعة، / فللسلطان أن يأمر الناس بالمواساة، ويجبرهم على ذلك ويشركهم فيما بقي من أزوادهم لأزوادهم، وإحياءً لأرماقهم، وإبقاءً لنفوسهم.
          ويجوز أن يكون حكمًا حكم به لما شاهد من الضرورة وخوفه من تلف من لم يبق معه زاد، فظهر له المواساة أو عن رضى منهم، وكذلك قال بعض العلماء: إن ذلك سنة.
          وفيه: أن للإمام أن يواسي بين الناس في الأقوات في الحضر بثمن وغيره، وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث؛ وقال: إنه أصل في أن لا يقطع سارق في مجاعة؛ لأن المواساة واجبة للمحتاجين، وسيأتي معنى هذا الحديث في الجهاد في باب: حمل الزاد في الغزو.
          وخصه أبو عمر بشركة المأكل، وفي حديث رافع: قسمة اللحم بالتجزئ بغير ميزان؛ لأنه من باب المعروف وهو موضوع للأكل.
          وأما قسمة الذهب والفضة مجازفة فغير جائز بالإجماع؛ لتحريم التفاضل في كل واحد منهما، وإنما اختلف في قسمة الذهب مع الفضة مجازفة أو بيع ذلك مجازفة، فكرهه مالك، ورآه من بيع الغرر والقمار، وأما الكوفيون والشافعي وجماعة فأجازوا ذلك؛ لأن الأصل في الذهب بالفضة جواز التفاضل، فلا حرج في بيع الجزاف من ذلك وقسمته، وأملق الرجل: افتقر ومثله أرملوا، يقال: أرمل القوم في زادهم، وأصله في الرمل كأنهم لصقوا بالرمل، كما قيل في المسكين: الذي لصق بالتراب.
          وفيه منقبة للأشعريين من إيثارهم ومواساتهم بشهادة الشارع، وأعظم ما شرفوا به كونه أضافهم إليه وليس المقصود هنا بالقسمة المعروفة عند الفقهاء، وإنما المراد هنا إباحة بعضهم بعضًا بموجوده.
          وكان بعث أبي عبيدة في رجب سنة ثمان، وفيه قوة إيمان هؤلاء؛ إذ لو ضعف والعياذ بالله لما خرجوا وهم ثلاثمائة وليس معهم شيء سوى جراب.
          وذكر هنا أنه لما كنا ببعض الطريق فني الزاد، وفي رواية فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، وفي أخرى ونحن نحمل أزوادنا على رقابنا، وفي أخرى زودهم جرابًا من تمر، وفي أخرى: فجمع أبو عبيدة زادهم، ولمسلم: يعطينا قبضة قبضة؛ ووجه الجمع كما قال عياض: أن يكون ◙ زودهم الجراب زائدًا عما كان معهم من الزاد من أموالهم، ويحتمل أنه لم يكن في زادهم تمر غير هذا الجراب، وكان معهم غيره من الزاد، وإعطاء أبي عبيدة تمرة تمرة كان في الحال الثاني بعد أن فني زادهم وبعد أن أعطاهم قبضة قبضة، ثم فرغ وفقدوا التمرة ووجدوا لفقدها وقعًا، فلما فقدوها جمع أبو عبيدة الأزواد. قلت: ويحتمل أن الجراب الذي زودهم الشارع كان على سبيل البركة، فلذا كانوا يأخذونه تمرة تمرة.
          والحوت يقع على الواحد والجمع: حيتان وهي العظام منها.
          وقال ابن سيده: حوت السمك، اسم جنس، والجمع: أحوات.
          وقال الفراء: جمعه حوته وأحوات في القليل، وإذا كثرت فهي الحيتان.
          قوله: ((ثماني عشرة ليلة)) كذا في أصل الدمياطي ثماني لكن مصلحًا.
          وقال ابن التين: إنه الصواب الذي في نسخة / الأصيلي، وجاء في رواية فأكلنا شهرًا، وفي أخرى نصف شهر.
          قال عياض: أكلوا منه نصف شهر طرياً وبقيته قديدًا.
          وفي الحديث الأول والذي بعده الشركة، وزعم الداودي أنها ليست من هذا الباب؛ لأنهم لم يريدوا المبايعة ولا البدل، تفضل بعضهم على بعض، أو أخذ الإمام من أحدهم للآخر.
          واعترض ابن التين فقال إن (خ) إنما أراد أن حقوقهم تساوت فيه بعد جمعه، وقسمونه جزافًا ولم يرد أصل أخذه، كما تأول الداوودي ذلك مجازفة الذهب والفضة لم يأت في الباب ما يدل عليها.
          وفيه: فضل أبي عبيدة، وقد سماه الشارع أمين هذه الأمة.
          وقيل: النظر في القوم والتدبير فيه، وفضل الصحابة على ما كان ينالهم من البؤس، وقد استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح.
          وفيه: رضاهم بالقضاء وطاعتهم للأمير.
          قوله: ((تمرة تمرة)) هو ما ترجم عليه القران في التمر.
          قوله: ((ثم انتهينا إلى البحر)) قال الداودي: الحبر موضع، والظاهر أنه المعهود.
          و((الظرب)) بفتح الظاء وكسر الراء: الجبل الصغير.
          قال الفراء: هو بسكون الراء، وهو الجبل الصغير المنبسط وليس بالعالي.
          قوله: ((فأمر بضلعين)) ضبط ذلك بكسر الضاد وفتح اللام. وقال في ((أدب الكاتب)) ضلع وضلع.
          وقال الهروي: هما لغتان والضلع مؤنثة.
          وفي حديث سلمة: ما كان عليه من التوفيق والتأييد، وتذكير الشارع، والتعريض بالطلب.
          وفيه: مراعاة أحوال الجيش.
          وفيه: ما للإمام أن يأخذ من أموال بعض الناس عند الضرورة إلى ذلك.
          وفيه: جواز الشركة في الطعام وخلط الأزواد في السفر إذا كان ذلك أرفق لهم.
          و((النطع)): بكسر النون وفتح الطاء على الأصح، ومعنى ((برك)) دعا فيه بالبركة.
          قوله: ((احتثى الناس)) أي: أخذوا بأيديهم.
          وفي حديث رافع: الشركة في الإبل. وفيه: أنه لا يتخير منها إلا بعد القسمة، ومالك يجيز قبلها.
          قوله فيه: ((فنأكل لحمًا نضيجًا قبل الغروب)) قد يحتج به على أبي حنيفة أن أول وقت العصر بعد القامتين. و((النضيج)) المطبوخ.
          وفيه: جواز هبة المجهول.
          قال والدي ⌂:
          ((النهد)) بكسر النون وإهمال الدال ما يخرجه الرفقة عند المناهدة، وهي إخراج الرفقاء النفقة في السفر وخلطها ويسمى بالمخارجة وذلك جائز في جنس واحد، وفي الأجناس وإن تفاوتوا في الأكل وليس هذا من الربا في شيء.
          قوله: ((مجازفة الذهب والفضة)) قيل: المراد بها مجازفة الذهب بالفضة والعكس لجواز التفاضل فيه، وكذا كل ما جاز بالتفاضل مما يكال أو يوزن من المطعومات ونحوها هذا إذا كان المجازفة في القسمة وقلنا القسمة بيع.
          قوله: ((القران)) أي الجمع بين التمرتين عند الأكل أي: بأن يأكل بعضهم تمرتين وصاحبه تمرة تمرة و((بعثاً)) أي: جيشاً و((أبو عبيدة)) بضم المهملة، عامر بن عبد الله ((ابن الجراح)) بفتح الجيم وشدة الراء وبالمهملة الفهري القرشي أمين الأمة أحد العشرة شهد المشاهد كلها وثبت مع رسول الله صلعم يوم أحد ونزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجه رسول الله صلعم من حلق المغفر بفيه فوقعت ثنيتاه مات بالشام سنة ثمان عشرة.
          قوله: ((فني الزاد)) فإن قلت: إذا فني فكيف أمر بجمع الأزواد؟ قلت: إما أن يريد فناء زاده خاصة / أو يريد بالفناء القلة.
          ((والمزود)) بكسر الميم ما يجعل فيه الزاد كالجراب، و((لقد وجدنا)) أي: وجدنا فقدها مؤثراً شاقاً علينا، ولقد حزنا لفقدها، و((الظرب)) بفتح المعجمة وكسر الراء مفرد الظراب وهي الروابي الصغار و((الضلع)) بكسر المعجمة وفتح اللام واحد الأضلاع.
          قوله: ((خفت)) أي قلت و((أملقوا)) من الإملاق يقال أملق إذا افتقر وقد يأتي متعدياً بمعنى أفنى ((والنطع)) فيه أربع لغات ((وبرك)) أي دعا بالبركة عليه وتشهد رسول الله صلعم لأن هذا كان معجزة له صلعم.
          قوله: ((أبو النجاشي)) بفتح النون وخفة الجيم والمعجمة وبتشديد الياء وتخفيفها، عطاء بن صهيب و((رافع)) بالفاء وبالمهملة ((ابن خديج)) بفتح المعجمة وكسر المهملة وبالجيم.
          قوله: ((تقسم)) هذه القسمة موضوعة للمعروف، ولهذا يحتمل التفاوت والقسمة بالتجزؤ، وفيه: أن وقت العصر عند مصير ظل الشيء مثليه يسع هذا المقدار.
          قوله: ((محمد بن العلاء)) ممدوداً و((بريد وأبو بردة)) كلاهما اسماً وكنية بضم الموحدة.
          قوله: ((الأشعريين)) وفي بعضها الأشعرين بدون ياء النسبة.
          الجوهري: الإشعر أبو قبيلة من اليمن وتقول العرب جاءك الأشعرون بحذف الياء.
          ((والأرمال)) فناء الزاد وإعواز الطعام. قوله: ((فهم مني)) أي: هم متصلون بي و((من)) هذه تسمى اتصالية نحو ((لا أنا من الدد ولا الدد مني)).
          الزركشي:
          ((النهد)) بكسر النون: ما يخرجه الرفقاء عند المناهدة، وهي استقسام النفقة بالسوية في السفر.
          ((والعروض)) جمع عرض خلاف النقد، وأما بتحريك الراء فجميع أنواع المال.
          ((يقوتنا)) بتشديد الواو.
          ((فإذا حوت مثل الظرب)) بفتح الظاء وكسر الراء وآخره موحدة، أي: الجبل، ويقال: بكسر الظاء وسكون الراء.
          ((بضلعين)) بكسر الضاد وفتح اللام.
          ((النطع)): بكسر النون وفتح الطاء بوزن عنب في أفصح اللغات.
          ((وبرك عليه)) أي: دعا له بالبركة.
          ((فاحتثى الناس)) هو افتعل من الحثية، وهو الأخذ بالكفين.
          ((أرملوا)) نفد زادهم، وأصله من الرمل، كأنهم لصقوا بالرمل كما قيل للفقير: الترب.


[1] في هامش المخطوط: ((ليس من أفراده بل أخرجه (م) من طريق إياس بن سلمة بن الأكوع)).