مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: النميمة من الكبائر

          ░49▒ باب: النميمة من الكبائر
          ذكر حديث ابن عباس في صاحبي القبرين، وقد سلف، وفي إسناده عبيدة بن حميد أبو عبد الرحمن.
          وقد سلف في أول الكتاب فصل من الأسماء المتكررة فيه:
          أن عبيدة كلهم بالضم، إلا السلماني وابن سفيان وابن حميد وعامر بن عبيدة فبالفتح.
          وفيه: إثبات عذاب القبر. قال الداودي: وليس من الأحاديث الصحيحة أشد من هذا.
          وفيه: المرور في القبور.
          وفيه: أنه كان يسمع ما لم يسمعه غيره ويخبر عن ذلك. قال: وفيه أن النميمة غيبة؛ لأنه ينم على الرجل في غيبته، ففيها الوجهان، قال: وقيل: هما لغتان لا تفارق إحداهما الأخرى.
          وفيه: بركة مسه، وبركة دعائه، وبركة النخلة. قال الجوهري: العسيب: ما لم ينبت عليه خوص، فإذا نبت فهو سعف.
          قوله: (ما لم ييبسا) هو بفتح الباء وكسرها والكسر تعبد؛ لأن فعيل بالكسر يأتي على يفعل بفتح العين، إلا أفعالاً تزاد، هذا منها وومق يمق وورث يرث، ووثق يثق.
          وقصد العسيب الرطب؛ لأنه يسبح ما دام أخضر بدليل قوله: ((ما لم ييبسا)).
          قوله: (كان أحدهما لا يستتر من البول) وروي: يستنزه، ويستبرئ، ويستتر.
          ومعنى أكثرها متقارب، الأول: من التباعد، والثاني: من الحدث، والثالث: من البول أو أعين الناس، وأنكر بعضهم الأولى والثانية.
          قوله: (جعل كسرة في قبر هذا) هي بالكسر.
          قال والدي ⌂:
          (باب ما ينهى من السباب) يحتمل أن يكون على أصل المفاعلة وأن يكون بمعنى السب أي الشتم وهو التكلم في شأن الإنسان بما يعيبه و(اللعن) هو التبعد عن رحمة الله تعالى.
          قوله: (سليمان بن حرب) ضد: الصلح و(الفسوق) خروج عن طاعة الله تعالى و(القتال) أي: المقاتلة الحقيقية أو المخاصمة و(الكفر) هو كفران حقوق المسلمين أو مع قيد الاستحلال مر في كتاب الإيمان.
          قوله: (أبو معمر) بفتح الميمين عبد الله و(الحسين) أي: المعلم و(عبد الله بن بريدة) مصغر البردة و(يحيى بن يعمر) بمضارع العمارة ومفتوح الميم أيضاً و(أبو الأسود) ضد: الأبيض، اسمه ظالم الدؤلي بضم المهملة وفتح الهمزة و(أبو ذر) بتشديد الراء جندب الغفاري و(لا يرمي) أي: لا ينسبه إلى الفسق أو الكفر إلا ارتدت تلك الرمية عليه بأن يصير هو فاسقاً بذلك أو كافراً.
          قوله: (محمد بن سنان) بكسر المهملة وتخفيف النون الأولى و(فليح) مصغر الفلح بالفاء واللام والمهملة و(هلال) ابن علي مر مع الحديث آنفاً.
          قوله: (ابن بشار) بإعجام الشين محمد و(يحيى بن أبي كثير) ضد: القليل و(أبو قلابة) بكسر القاف وخفة اللام وبالموحدة عبد الله و(ثابت) ضد الزائل ابن الضحاك خلاف البكاء الأشهلي الأنصاري و(الشجرة) أي: شجرة الرضوان بالحديبية قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18].
          قوله: (غير الإسلام) كما حلف على طريقة الكفار باللات والعزى مثلاً فهو كائن على غير الإسلام إذ اليمين بالصنم تعظيم له وتعظيمه كفر أو كما قال الرجل إن فعل كذا فهو يهودي فهو كما قال ويحتمل أن يراد به التهديد مر في كتاب الجنائز.
          قوله: (فيما لا يملك) / بأن قال مثلاً: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أعتق عبد فلان.
          قوله: (عذب به) أي: بمثله يعني: يجازى بجنس عمله و(كقتله) أي: في الإثم وقيل: لأن القاتل يقطع المقتول من منافع الدنيا واللاعن يقطعه عن منافع الآخرة من رحمة الله ونحوه.
          قوله: (عمر بن حفص(1)) بالمهملتين الكوفي و(عدي) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية و(سليمان بن صرد) بضم المهملة وفتح الراء وبالمهملة الخزاعي الكوفي.
          قوله: (كلمة) أي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم و(الذي يجد) وهو الغضب و(البأس) الشدة من المرض ونحوه و(مجنون) خبر مقدم على المبتدأ و(اذهب) أمر أي: انطلق في شغلك.
          قال النووي: وهذا كلام من لم يفقه في دين الله ولم يعرف أن الغضب من نزغات الشيطان وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالمجانين ولعله كان من جفاة العرب مر في كتاب بدء الخلق في باب إبليس.
          قوله: (بشر) بالموحدة المكسورة وبالمعجمة ابن المفضل بفتح المعجمة الشديدة و(حميد) مصغراً الطويل و(عبادة) بضم المهملة وخفة الموحدة ابن الصامت أي: الساكت و(التلاحي) التنازع و(الرجلان) عبد الله بن أبي حدرد بفتح المهملة وإسكان الدال المهملة الأولى وفتح الراء وكعب بن مالك كان لعبد الله دين على كعب فتنازعا فيه و(رفعت) أي: من قلبي يعني: نسيتها و(التاسعة) أي: التاسعة والعشرين من رمضان بقرينة الأحاديث الأخر سبق في كتاب الإيمان في باب خوف المؤمن.
          قوله: (المعرور) بفتح الميم وتسكين المهملة وضم الراء الأولى، وهو ابن سويد بتصغير السود، وإنما قال هو لأنه أراد تعريفه وشيخه لم يذكره فلم يرد أن ينسب إليه و(عليه) أي: على أبي ذر وكانت حلة؛ لأن الحلة إزار ورداء ولا تسمى حلة حتى تكون ثوبين و(نلت منها) أي: تكلمت في عرضها وهو من النيل و(فيك جاهلية) أي: إنك في تعيير أمه على ما يشبه أخلاق الجاهلية؛ أي: أهلها وهي زمان الفترة التي قبل الإسلام والتنوين في الجاهلية للتقليل والتحقير، ويحتمل أن يراد بالجاهلية الجهل أي: إن فيك جهلاً فقال هل في جهل وأنا شيخ كبير و(هم) الضمير راجع إلى المماليك أو إلى الخدم أعم من أن يكون مملوكاً أو أجيراً.
          فإن قلت: لم يتقدم ذكره؟ قلت: لفظ تحت أيديكم قرينة لذلك لأنه مجاز عن الملك وقيل: كان الرجل الذي نيل من أمه بلالاً مر في كتاب الإيمان في باب المعاصي.
          و(ما يغلبه) أي: ما تصير قدرته فيه مغلوبة أي: ما يعجز عنه أي: لا يكلفه ما لا يطيق.
          قوله: (ذو اليدين) واسمه الخرباق بكسر المعجمة وإسكان الراء وبالموحدة وبالقاف وقد لقب به لطول يده و(الشين) العيب وغرضه جواز(2) الطويل ونحوه على جهة التعريف أما إذا أريد به التنقيص فلا.
          قوله: (حفص) بالمهملتين ابن عمر البصري و(يزيد) من الزيادة التستري بضم الفوقانية الأولى وفتح الثانية وإسكان المهملة بينهما و(محمد) أي: ابن سيرين و(سرعان) بالفتحتين وقيل: بسكون الراء أي: المسرعون إلى الخروج و(قصرت) بضم القاف وكسر المهملة الخفيفة.
          فإن قلت: كيف جمع الركعتان مع الأوليين وقد وقع بينهما الأفعال والأقوال؟ قلت: لعله كان قبل تحريمها في الصلاة أو كان قليلاً وهو ◙ في حكم الساهي أو الناسي / لأنه كان يظن أنه ليس فيها وأما ذو اليدين فتوهم أنه خارج عن الصلاة لا مكان وقوع النسخ وكذا الشيخان مع أنهما يكلمان النبي صلعم، وقال تعالى: {اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم} [الأنفال:24] ومر مباحث الحديث في باب التوجه نحو القبلة وفي باب تشبيك الأصابع في المسجد وقبيل كتاب الجنائز.
          قوله: (الغيبة) هي أن يتكلم خلف إنسان بما يغمه لو سمعه وكان صدقاً فإن كان كذباً سمي بهتانا وفي حكمه الكتابة والإشارة ونحوهما.
          قوله: (يحيى) إما ابن موسى الحداني بضم المهملة الأولى وشدة الثانية وبالنون وإما ابن جعفر البلخي و(وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف وبالمهملة و(لا يستتر) أي: لا يختفي عن أعين الناس عند قضاء الحاجة و(النميمة) نقل الكلام على سبيل الإفساد و(العسيب) بفتح المهملة الأولى سعف لم ينبت عليه الخوص(3) وقيل: هو قضيب النخل.
          فإن قلت: ما وجه التأقيت بقوله ما لم ييبسا؟ قلت: هو محمول على أنه سأل الشفاعة لهما فأجيبت شفاعته بالتخفيف عنهما إلى يبسهما وله وجوه أخر تقدمت في كتاب الوضوء.
          فإن قلت: ما وجه دلالة الحديث على الغيبة؟ قلت: النميمة نوع منها لأنه لو سمع المنقول عنه أنه نقل عنه لغمه.
          قوله: (قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبالمهملة و(أبو الزناد) بكسر الزاي وتخفيف النون عبد الله و(أبو سلمة) بفتحتين ابن عبد الرحمن بن عوف و(أبو أسيد) مصغر الأسد مالك الساعدي بكسر المهملة الوسطانية و(بنو النجار) بفتح النون وشدة الجيم أي دور بني النجار والمراد أنهم خير الأنصار، و(الريب) جمع الريبة وهي الشك والتهمة.
          قوله: (صدقة) أخت الزكاة ابن الفضل بسكون المعجمة و(ابن عيينة) هو سفيان و(ابن المنكدر) محمد و(ودعه) بمعنى تركه مر الحديث آنفاً.
          قوله: (عبيدة) بفتح المهملة ابن حميد مصغر الحمد أبو عبد الرحمن الضبي الكوفي الحذاء تقدم في الحج.
          فإن قلت: الإسناد الأول عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس وفي هذا الإسناد عن مجاهد عن ابن عباس بحذف طاوس قلت: مجاهد يروي عن ابن عباس بالواسطة وبدونها.
          قوله: (لكبير) فإن قلت: نفي أولا كبره وأثبته ثانياً فما وجهه؟ قلت: المراد أنه ليس كبيراً عندكم أو عليكم إذ لا مشقة فيه كبير عند الله.
          فإن قلت: الكبيرة ما توجب الحد قلت: لها تعريفات أخر مثل ما أوعد الشارع عليه بخصوصه أو أريد بها المعنى اللغوي أي إنها عظيمة فإن النميمة من العظائم لا سيما إذا كان مع الاستمرار المستفاد من كان يمشي.
          و(الجريدة) السعفة المجردة من الورق ومر الحديث في الوضوء.
          الزركشي:
          (كان بيني وبين رجل كلام) قيل: إنه بلال.
          (ثم قام إلى خشبة) قيل: إنها الحنانة التي كان يخطب إليها ثم تركها.
          (باب الغيبة) ولم يذكر في الحديث إلا النميمة، فكأنه يشير إلى أنها وردت كذلك لكن على غير شرطه، وقد رواها ابن ماجه في ((سننه)).
          (فشقه باثنين) فيه دخول الباء على المفعول.
          (خير دور الأنصار) أي: قبائلهم.
          ما يجوز من اغتياب أهل الفساد قد ينازع في تسمية هذا غيبة، بل هو نصيحة كي يحذر عنه السامع، ولو واجهه به لكان حسناً، إلا أن حسن الخلق منعه من مواجهتهم به لحصول الغرض بلا مواجهة، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (بئس أخو العشيرة) هو مخرمة بن نوفل بن أهيب والد المسور بن مخرمة، كان من المؤلفة وقيل هو عيينة بن حصن ولم يكن أسلم يومئذ.
          (باب حسن الخلق).
          قوله: (وينقص العمل) / كذا عند أبي زيد والمعروف العلم لأكثرهم.
          قوله: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) قيل: هذا محمول على من سب أو قاتل مسلماً من غير تأويل، وقيل إنما قال ذلك على جهة التغليط لا أنه يخرجه إلى الفسق والكفر.
          قوله: (فانطلق إليه الرجل) الظاهر أنه أحد المتخاصمين الذي لم يشتد غضبه.
          قوله: (رفعت) أي: معرفتها.
          قوله: (وعلى علامة به) وكان من مذهب أبي ذر أنه يحرم على الإنسان ما زاد على حاجته من المال.
          قوله: (يعذبان في كبير) اختلف في هذين الرجلين هل كانا كافرين أو مسلمين؟ فقيل: كانا كافرين فقوله وما يعذبان في كبير يعني بالنسبة إلى الكفر ويدل على أن العذاب لم يرتفع عنهما وإنما خفف مدة رطوبة الجريدتين فقط، وفي بعض طرق الحديث أنهما كانا كافرين وهذا التعذيب زيادة على تعذيبهما بكفرهما، وهو دليل على أن الكافر يعذب بكفره وذنوبه جميعاً وقيل: كانا مسلمين بدليل قوله: وما يعذبان في كبير، والكفر أكبر الكبائر على الإطلاق وأما رواية وكانا كافرين فهو زيادة من بعض الرواة، انتهى.
          أقول: الظاهر أنهما كانا مسلمين من وجوه:
          1- أنه قال: ((ما يعذبان في كبير)) ثم قال ((بل في كبير)) وفي رواية وأنه لكبير وبينه وقال: ((كان أحدهما يمشي بالنميمة)).. إلى آخره.
          فقوله مشعر بأنهما يعذبان بسبب هذين السببين ولو كانا كافرين لكان عذابهما بكفرهما أولاً ثم بغيره من المعاصي، وأيضاً أنه قال: لا يستتر من بوله هذا إنما يتعلق بالمسلمين وهو كبيرة بالنسبة إليهم لأنه نجاسة يجب الاحتراز في الثوب والبدن عنه لتصح الصلاة هذا من سمة المسلمين، وأما الكافر فكله نجس قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28] فسواء احترز عن بوله أو لم يحترز هو نجس.
          وأيضاً قوله: ((لعله يخفف عنهما)) والكافر لا يخفف عذابه أبداً قال تعالى: {لَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا} [فاطر:36] وأفعاله التي فعلها من صدقة وصلة وعتاقة وغيرها لا يثاب عليها ولا يخفف بسببها عنه شيء من العذاب مع كفره.
          وأيضاً أن النبي صلعم لا يقف عند قبور المشركين ولا يسأل ربه تخفيف العذاب عنهم، وأيضاً هو مأمور بأن يقاتلهم ومأمور بأن يغلظ عليهم ولا يمكن أن يقاتلهم ويغلظ عليهم في حياتهم ثم يسأل لهم تخفيف العذاب بعد موتهم هذا ظاهر.
          وقيل: إنهما كانا من بني النجار من الأنصار وقيل: إن أحدهما سعد بن معاذ الصحابي الكبير، وهذا أيضاً دليل قوي لما قلنا والله أعلم.


[1] في المخطوط: ((جعفر)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[2] في هامش المخطوط: في (ط): ((قول)).
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: قوله: العسيب سعف لم ينبت عليه خوص مشكل لأن الجريد من حين يخرج عليه الخوص ولكن العسب جريده من النخل ومن السعفة مما لا ينبت عليه الخوص هكذا قال ابن الأثير وهو الصحيح المشاهد وهو أسفل السعفة وأعاليها عليها خوص من حين ينبت)).