مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الإخاء والحلف

          ░67▒ باب الإخاء والحلف
          وقال أبو جحيفة: آخى النبي صلعم بين سلمان وأبي الدرداء. وقال عبد الرحمن بن عوف: لما قدمنا المدينة الحديث سلفا مسندين، وقد أسند الثاني هنا من حديث أنس قال: قدم علينا.. إلى آخره.
          آخى النبي صلعم بين المهاجرين والأنصار أول قدومه المدينة، وخالف بينهم، وقد عقد له (خ) باباً قبيل الغزوات وأوضحناه هناك، وكانوا يتوارثون بذلك الإخاء والحلف دون ذوي الرحم، قال سعيد بن جبير: وقد عاقد أبو بكر رجلاً فورثه. قال الحسن: كان هذا قبل آية المواريث، وكان أهل [الجاهلية] يفعلون ذلك. قال ابن عباس: فلما نزلت: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} [النساء:33] يعني: ورثة، نسخت. ثم قال: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء:33] يعني: من النصر والرفادة والنصيحة.
          قال الطبري: ولا يجوز الحلف اليوم في الإسلام؛ لحديث جبير بن مطعم، عن النبي صلعم أنه قال: ((لا حلف في الإسلام وما كان من حلف في الجاهلية فلا يزيده الإسلام إلا شدة)).
          ومعنى: (ما كان من حلف..) إلى آخره قيل: الذي أمر ◙ الوفاء به، من ذلك هو ما لم ينسخه الإسلام، أو لم يبطله حكم القرآن، وهو التعاون على الحق والنصرة على الأخذ على يد الظالم الباغي.
          وصفة الحلف في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل والقبيل للقبيل: دمي دمك، سلمي سلمك، وترثني وأرثك، ويشترط النصر والرفادة. ويقال: إن الحليف كان يرث السدس ممن حالفه حتى نزلت: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ} الآية [الأنفال:75].
          وقيل: الحميم، وكان الإخاء بغير أيمان، وكانوا يتوارثون به إذا لم يكن للمهاجر من يرثه من أهل الهجرة بالنسب، وارث من آخاه، وسمي الحلف؛ لأنهم كانوا يتحالفون على ذلك، هذا قول الداودي. وقال الجوهري في الحديث: أنه ◙ حالف بين قريش والأنصار آخى بينهم؛ لأنه لا حلف في الإسلام.
          قال: والحلف بالكسر: العهد يكون بين القوم. وتأول أنس أن حالف: في اليمين، ومصدر حلف بمعنى: أقسم بفتح الحاء وكسرها.
          وذكر الخطابي عن سفيان بن عيينة قال: فسر العلماء حالف أي: آخى، وهذا هو الصحيح؛ لثبوت الخبر: ((لا حلف في الإسلام)) وإنما كانوا يتحالفون في الجاهلية، لاختلافهم / ، وأما اليوم فقد ألف الله كلمة الإسلام فلا يفتقرون إلى تحالف.
          قال والدي ⌂:
          (باب ما يجوز من الهجران إن عصى).
          قوله: (كعب) هو ابن مالك الأنصاري و(حين تخلف) أي: في غزوة تبوك وهو ليس ظرفاً لقال بل لمحذوف أي: حين تخلف كان كذا وكذا، ونهى النبي صلعم المسلمين عن الكلام معه والكلام مع صاحبيه مرارة بن الربيع وهلال بن أمية الثلاثة الذين خلفوا وذكر أن زمان هجرة المسلمين عنهم كان خمسين ليلة.
          قوله: (محمد) أي ابن سلام و(عبدة) ضد الحرة، وأجل أي: نعم.
          فإن قلت: كيف طابق الحديث الترجمة ولا معصية ثمة؟ قلت: لعل (خ) أراد قياس هجران الشخص للأمر المخالف للشريعة على هجران اسمه للأمر المخالف للطبيعة.
          قال ابن بطال: غرضه في هذا الباب أن يبين صفة الهجران الجائز وأن ذلك متبوع على قدر الأسباب فما كان لمعصية ينبغي هجره مطلقاً كما في حديث كعب، وما كان لمعاتبة بين الأهل والإخوان فيهجر عن التسمية ونحوها كما فعلت عائشة ♦، وقال: فإن قيل: لا يهجر عن أهل الشرك فلم يهجر عن الفاسق والمبتدع قلنا: لله تعالى أحكام فيها مصالح للعباد وهو أعلم بأسبابها وعليهم التسليم لأمره فيها؛ لأن له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.
          أقول: الهجر القلبي من الكافر واجب على المؤمن وأما المكالمة ونحوها فلمصلحة المعاملات وغيرها وللحاجة إليها، وأيضاً الكافر لا يرتدع بالهجر عن كفره بخلاف الفاسق وأهل البدعة فإنهما ينزجران غالباً به مع أن الأولى أن يهجر عن الكافر أيضاً.
          قال القاضي: مغاضبة عائشة هي من الغيرة التي عفي عنها للنساء ولولا ذلك لكان عليها في ذلك من الحرج ما فيه لأن الغضب على النبي صلعم كبيرة عظيمة وفي قولها إلا اسمك دلالة على أن قلبها مملوء من المحبة وإنما الغيرة في النساء لفرط المحبة.
          قوله: (معمر) بفتح الميمين يروي عن الزهري وقال الليث: هو تحويل إلى إسناد آخر.
          و(يدينان الدين) أي: كانا مؤمنين متدينين بدين الإسلام و(نحر الظهيرة) بفتح المعجمة، أول الظهر يريد به شدة الحر و(في الخروج) أي: من مكة إلى المدينة و(أبو الدرداء) بفتح المهملة الأولى وبالمد، اسمه: عويمر مصغر عامر الأنصاري و(خالد الحذاء) بفتح المهملة وشدة المعجمة ممدوداً، قال ابن بطال: من إتمام الزيارة إطعام الزائر ما حضر وذلك مما يثبت المودة.
          وفيه أن الزائر يدعو للمزور ولأهل بيته ونحو ذلك.
          قوله: (يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي بفتح المهملة وسكون المعجمة مر في باب تقصير الصلاة و(الإستبرق) بقطع الهمزة و(حسن) بالمهملتين وفي بعضها بالمعجمتين و(الخلاق) النصيب؛ أي: لا خلاق له في الآخرة أي: إذا كان مستحلًّا و(لتصيب منها مالا) بأن يبيعها مثلاً، ولفظ الحديث عام للرجال والنساء لكنه تخصص بالحديث الآخر وهو أنه حرام على ذكور أمتي.
          وفيه عرض المفضول على الفاضل فيما يرى المصلحة ولبس أنفس الثياب عند لقاء الوفود.
          و(العلم) أي: من الحرير.
          قوله: (الإخاء) أي: المؤاخاة و(الحلف) بالكسر العهد يكون بين القوم و(قد حالفه) أي: عاهده و / (أبو جحيفة) مصغر الجحفة بالجيم والمهملة والفاء وهب الكوفي و(سعد بن الربيع) بفتح الراء ضد الخريف الأنصاري وإنما قال (أولم) لأنه تزوج بعد ذلك، وفي الحديث اختصار مر في أول البيع مطولاً.
          قوله: (محمد بن الصباح) بتشديد الموحدة و(عاصم) أي الأحول و(لا حلف) لأن الحلف للاتفاق والإسلام قد جمعهم وألف بين القلوب فلا حاجة إليه وكانوا يتحالفون في الجاهلية؛ لأن الكلمة منهم لم تكن مجتمعة.
          فإن قلت: ما التلفيق بينه وبين (قد حالف)؟ قلت: المنفي هو المعاهدة الجاهلية والمثبت هو المؤاخاة.
          النووي: لا حلف في الإسلام معناه: حلف التورث وما يمنع الشرع منه، وأما المؤاخاة والمحالفة على طاعة الله والتعاون على البر فلم ينسخ، إنما المنسوخ ما يتعلق بالجاهلية.
          الزركشي:
          (لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين) أي: ولدت في الإسلام؛ أي: لم أولد على أيام الجاهلية.
          (نحر الظهيرة) أي: أولها.
          (ما غلظ من الديباج وخشن) بالخاء والشين المعجمتين، ويروى بالحاء والسين المهملتين.
          (قد حالف) بالحاء؛ أي: آخى، قيل: إنما كانوا يحالفون في الجاهلية لأن الكلمة بينهم لم تكن مجتمعة فكان يحالف قوم آخرين فتكون أيديهم واحدة، فأما اليوم فقد جمع الإسلام الكلمة وألف بين القلوب فلا حاجة بالمسلمين إلى الحلف، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قولها: (ما أهجر إلا اسمك) قلت: فيه معنى لطيف، وذلك أنها لا تهجر ذاته ومعناه، بل لغضبها تهجر اسمه لا مسماه مع أنها في قولها رب إبراهيم هو رب محمد ورب إبراهيم وكل منهما يغني عن الآخر.
          قوله: (حالف النبي صلعم بين قريش والأنصار في داري) وفي رواية: بين المهاجرين والأنصار، وفي حديث: لا حلف في الإسلام أصل الحلف المعاهدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق مما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات، فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلعم: ((لا حلف في الإسلام)) وما كان معه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الرحم كحلف المطيبين وما جرى مجراه.
          فذلك الذي قال فيه صلعم: ((وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة)) تزيد من المعاهدة على الخير ونصرة الحق وبذلك يجمع الحديثان، وهذا هو الحلف الذي نقضه الإسلام والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام وقيل: المحالفة كانت قبل الفتح.
          وقوله: (لا حلف في الإسلام) قاله زمن الفتح فكان ناسخاً، وكان رسول الله صلعم وأبو بكر من المطيبين وكان عمر من الأحلاف والأحلاف ست قبائل: عبد الدار وجمح ومخزوم وعدي وكعب وسهم سموا بذلك لأنه لما أرادت بنو عبد مناف أخذ ما في أيدي عبد الدار من الحجامة والزيادة واللواء والسقاية رأيت عبد الدار عقد كل يوم على أمرهم حلفاً مؤكداً على أن لا يتخاذلوا فأخرجت بنو عبد مناف حفنة فيها مملوءة طيباً فوضعتها لأحلافهم وهم أسد وزهرة وهم في المسجد عند الكعبة، ثم غمس القوم أيديهم وتعاقدوا وتعاقدت بنو عبد الدار وحلفاؤها حلفاً آخر مؤكداً فسموا الأحلاف لذلك.
          قوله: (يدينان الدين) أي: ولدت في الإسلام لا في الجاهلية وما رأيت أبوي إلا على الإسلام.
          أقول: وهذا ظاهر بيانه أنها مات النبي صلعم وعمرها ثمانية عشر سنة، وكان مدة نزول الوحي على رسول الله صلعم ثلاثة وعشرين سنة، فيكون مولدها بعد الإسلام بخمس سنين؛ أي: بعد ظهور النبوة وحصولها، وأمر النبي صلعم الناس بالإيمان وقد تزوجها رسول الله وعمرها تسع سنين ومكثت عنده تسعاً ومات عنها وهي بنت ثمانية عشر سنة.
          فإن قلت: فما فائدة قولها لم أعقل ولم تقل لم يلداني أبواي إلا وهما يدينان الدين؟ قلت: يقال / لم أعقل ويراد لم أدرك.