مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب مواقيت الصلاة وفضلها

          ░1▒ باب مواقيت الصلاة وفضلها
          عن ابن عباس: {كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء:103] موجباً.
          قوله: ((وقته عليهم)) قال ابن التين: رويناه عن (خ) بالتشديد، وهو في اللغة بالتخفيف، ويدل على صحته موقوتاً؛ إذ لو كان مشدداً لكان موقتاً.
          تقول: وقته موقوت إذا هيئ للفعل وقتاً يفعل فيه. والمواقيت جمع ميقات، وهو الوقت المضروب للفعل والموضع.
          ثم ذكر (خ): أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة.. الحديث.
          وأخرجه في بدء الخلق، وغزوة بدر. وأخرجه (م ود ون وق)، وهو أول حديث في ((الموطأ)).
          وحديث صلاته في الوقتين أخرجه (د) والترمذي وغيرهما، وله طرق.
          قوله: ((أخر الصلاة يوما)) أي: يوماً ما، لأن ذلك كانت ملوك بني أمية تفعل لاسيما العصر.
          فقد كان الوليد بن عتبة يؤخرها في زمن عثمان، وكان ابن مسعود ينكر عليه.
          وقال عطاء: أخر الوليد مرة الجمعة حتى أمسى، وكذا كان الحجاج يفعل.
          ثم إنه أخرها عن الوقت المستحب لا عن الوقت ولا يعتقد ذلك به لجلالته عمر بن عبد العزيز وإنكار عروة عليه؛ إنما وقع؛ لتركه الوقت الفاضل الذي صلى فيه جبريل وهو وقت الناس ففيه المبادرة بالصلاة في وقتها الفاضل.
          وهذه الصلاة المؤخرة كانت العصر كما ذكره في المغازي.
          وهذه الواقعة كانت بالمدينة، وتأخير المغيرة كان بالعراق كما صرح به هنا. وفي رواية: بالكوفة.
          وقام الإجماع على عدم تقديم الصلاة على وقتها إلا شيئا شاذاً، روي عن أبي موسى وبعض التابعين.
          قوله: ((أليس قد علمت)) كذا الرواية، وهي جائزة، إلا أن المشهور في الاستعمال الصحيح: ألست، نبه عليه بعض فضلاء الأدب.
          قوله: ((فصلى)) ذهب بعضهم إلى أن الفاء هنا / بمعنى الواو؛ لأنه ◙ إذا ائتم بجبريل يجب أن يكون مصلياً بعده(1). وإذا حملت الفاء على حقيقتها وجب أن يكون مصليا معه، وهذا ضعيف، والفاء للتعقيب. والمعنى: أن جبريل كلما فعل فعلا تابعه النبي صلعم.
          وهو أولى من الواو؛ لأن العطف بالواو يحتمل معه أن يكون الشارع صلى قبل جبريل، والفاء لا تحتمل ذلك فهي أبعد من الاحتمال، وأبلغ في البيان.
          ولم يذكر هنا أركان الصلاة، وإنما ذكر عددها؛ لأنه كان معلوما عند المخاطب.
          قوله: ((بهذا أمرت)) روي بفتح التاء على الخطاب للشارع، وبالضم على أنه إخبار من جبريل عن نفسه أي: الذي أمرني الله أن أفعله هو الذي فعله.
          قال ابن العربي: نزل جبريل إلى الشارع مأموراً مكلفا بتعليمه لا أصل الصلاة؛ لأن الملائكة وإن كانوا مكلفين فبغير شرائعنا، ولكن الله كلف جبريل البلاغ والبيان كيف ما احتيج إليه قولاً وفعلاً.
          وأقوى الروايتين: فتح التاء، أي: الذي أمرت به من الصلاة البارحة مجملاً هذا تفصيله.
          وبهذا يتبين بطلان من يقول: إن صلاة جبريل به جواز صلاة المعلم بالمتعلم، والمفترض خلف المتنفل.
          قوله: ((فقال عمر لعروة: اعلم ما تحدث)) ظاهره الإنكار كما قال القرطبي؛ لأنه لم يكن عنده خبر من إمامة جبريل: إما لأنه لم يبلغه أو بلغه فنسيه، وكذلك جائز عليه.
          قال: والأولى عندي أن حجة عروة عليه إنما هي فيما رواه عن عائشة من أنه ◙ كان يصلي العصر والشمس طالعة في حجرتها قبل أن تظهر، وذكر له حديث جبريل موطئاً له ومعلماً بأن الأوقات إنما ثبت أصلها بإيقاف جبريل للنبي صلعم عليها.
          قوله: ((أو إن جبريل)) قال ابن التين: هي ألف الاستفهام دخلت على الواو، فكان ذلك تقريراً.
          قال النووي: والواو مفتوحة. و((أن)) بفتح الهمزة وكسرها، والكسر أظهر، قاله صاحب ((الاقتضاب)) لأنه استفهام مستأنف، إلا أنه ورد بالواو، والفتح على تقدير: أوعلمت، أوحدثت أن جبريل نزل؟.
          قوله: ((كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه)) فيه: دلالة على أن الحجة في الحديث المسند دون المقطوع؛ لقوله: ((كان بشير))؛ لأن عروة كان أخبر أن جبريل أقام للنبي صلعم وقت الصلاة، فلم يقنع بذلك من قوله؛ إذ لم يسند له ذلك، فلما قال: أعلم ما تحدث. جاء بالحجة القاطعة فقال: كذلك كان بشير، وفي رواية: سمعت، وفي أخرى: حدثني بشير.
          وبشير: بفتح أوله، واسم أبي مسعود: عقبة بن عمرو البدري الأنصاري، وبشير: والد عبد الرحمن، قيل: له صحبة، وأدرك النبي صلعم صغيرا.
          وذكر[ه] (م) في الطبقة الأولى من التابعين، وقال: ولد في حياة الشارع، روى له الجماعة عدا (ت)، وشهد صفين مع علي.
          قوله: (قال عروة: ولقد حدثتني عائشة.. إلى آخره) هو حديث صحيح / أخرجه (م) والأربعة.
          والحجرة: الدار، وكل ما أحاط به حائط فهو حجرة، من حجرت أي: منعت، سميت بذلك؛ لأنها تمنع من دخلها أن يوصل إليه، من أن يرى، ويقال لحائط الحجرة: الحجار.
          قولها: (قبل أن تظهر) أي: تعلو وتصير على ظهر الحجرة، قال تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ} [الكهف:97] أي: ما قدروا أن يعلوا عليه.
          وقال النابغة: بلغنا السماء وإنا لنرجوا فوق ذلك مظهراً أي: علواً ومرتقى، يقال: ظهر الرجل إلى فوق السطح: علا فوقه، قيل: وإنما قيل له ذلك؛ لأنه إذا علا فوقه ظهر شخصه لمن تأمله.
          وقيل: معناه أن يخرج الظل من قاعة حجرتها فيذهب، وكل شيء خرج فقد ظهر، والتفسير الأول أقرب وأليق بظاهر الحديث؛ لأن الضمير في قوله: تظهر إنما هو راجع إلى الشمس ولم يتقدم للظل ذكر في الحديث.
          وفيه: المبادرة بالصلاة في الوقت الفاضل.
          وفيه: دخول العلماء على الأمراء، إذا كانوا أئمة عدل.
          وفيه: إنكار العلماء على الأمراء ما يخالف السنة.
          وفيه: جواز مراجعة العالم لطلب البيان.
          وفيه: الرجوع عند التنازع إلى السنة.
          وفيه: أن الحجة في المسند دون المقطوع.
          وفيه: قصر البنيان والاقتصاد.
          وفيه: إن جدار الحجرة كان قصيراً، قال الحسن: كنت أدخل بيوت النبي صلعم وأنا محتلم وأنا أسقفها بيدي، وذلك في خلافة عثمان.
          قال والدي ⌂:
          قوله: ((موقوتا)) فسره بمؤقتا وقته؛ أي: الله تعالى عليهم، ومعناه محدودا بأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها.
          قوله: ((ما هذا)) أي: ما هذا التأخير.
          فإن قلت: لم قال في صلاة جبريل ثم صلى بلفظ ثم وفي صلاة الرسول فصلى بالفاء. قلت: لأن صلاة الرسول كانت متعقبة بصلاة جبريل بخلاف صلاته فإن بين كل صلاتين زماناً فناسب كلمة التراخي.
          النواوي: صلى فصلى مكرراً هكذا خمس مرات معناه أنه كلما فعل جزءاً من أجزاء الصلاة فعله النبي صلعم حتى تكاملت صلاتها.
          قوله: ((بهذا)) أي: بأداء الصلوات في هذه الأوقات قوله: ((قال عروة)) إما مقول ابن شهاب، وإما تعليق من (خ) قوله: يوما يدل على أنه كان نادراً من فعله وهذه الصلاة التي أخرها عمر كانت صلاة العصر، ويدل عليه لفظ ولقد حدثتني عائشة إلى آخره.
          الخطابي: وهذا الحديث معارض بما روي من إمامة جبريل له لكل صلاة في وقتين في يومين لأن من المحال أن يحتج عروة على عمر بصلاة جبريل وهو تعليم أن جبريل قد صلى تلك الصلاة في آخر وفيها مرة ثانية.
          ولو صح حديث الوقتين لكان لعمر أن يقول لعروة لا معنى لإنكارك على تأخير الصلاة إلى وقت إمامة جبريل المرة الثانية فاحتجاج عروة وأبي مسعود يدل على أن صلاة جبريل كانت في وقت واحد في يوم واحد ولو صلى به في يومين لما صح الاحتجاج لها بهذا الحديث.
          فإن قيل: قال صلعم للذي سأله عن وقت الصبح: ((ما بين هذين وقت)) فصح حديث الوقتين.
          فالجواب لا يجوز أن يقال قال رسول الله إلا مما صح طريقه، ولا يقال صلى جبريل في آخر الوقت إلا بسند صحيح، وإنما قال النبي صلعم ذلك للسائل عن صلاة الصبح على طريق التعليم له أن الصلاة تجوز في آخر الوقت لمن نسي أو كان له عذر، ولو كان جبريل صلى في الوقتين وأعلمه أنهما / في الفضل سواء لما التزم ◙ الملازمة على أول الوقت فدل لزومه ◙ الصلاة في أول الوقت أنه الوقت الذي أقامه جبريل له، فإن قوله: ما بين هذين وقت هو على طريق التعليم لأجل الأعذار.
          وقال: فإن قال قائل ما معنى قولها قبل أن تظهر والشمس ظاهرة على كل شيء من أول طلوعها إلى غروبها؟ فالجواب: أنها أرادت والفيء في حجرتها قبل أن تعلو على البيوت فكنت بالشمس من الفيء؛ لأن الفيء عن الشمس كما سمى المطر سماء؛ لأنه من السماء ينزل وفي بعضها لم يظهر الفيء.
          النواوي: أما تأخيرهما فلأنهما كانا يريان جواز التأخير ما لم يخرج الوقت كما هو مذهب الجمهور ولكونه لم يبلغهما الحديث.
          وأما ما يقال إنه قد ثبت أن جبريل صلى الصلوات الخمس مرتين في يومين في اليوم الأول في الوقت الأول وفي الثاني في آخر وقت الاختيار فكيف يتوجه احتجاج أبي مسعود وعروة بالحديث في إنكارهما عليهما؟ فجوابه يحتمل أنهما أخرا العصر عن الوقت الثاني وهو مصير ظل كل شيء مثله.


[1] في هامش المخطوط: ((قال ابن العربي في الأحوذي قوله أمني جبريل سمعت من يقول في المجالس ولم أره في كتاب أن جبريل لم يكن مصليا وإنما كان أمه بقوله أو أتى بصورة الصلاة على معنى تعليم النبي صلعم وهذا ضعيف يرده ظاهر قوله النبي صلعم صلى، وهذا يقتضي أنه صلى مثله والذي عندي أن فرار هذا القائل لهذا القول إنما هو من تعلق أصحاب الشافعي على علمائنا في صحة إمامة المتنفل للمفترض بهذا الحديث قالوا فإن جبريل كان متنفلاً معلماً والنبي ◙ مفترض فحاد عن ذلك بأن جبريل لم يكن مصلياً وأذهب نهجه التعليم في كمال المساواة في الفعل والاعتقاد فإنه أكمل في الإبلاغ وأجل في صورة التعليم أن يكون جبريل أومأ للصلاة فاعلاً لها وقوله إن جبريل إن كان مصلياً كان متنفلاً وكان النبي عليه الصلاة مفترضاً خلف متنفل دعوى فمن أين عند أحد ما كان جبريل في الصلاة من تنفل أو افتراض وأما كونه معلماً فبين، وقد خرجه (ن) عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلعم هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم فصلى الصبح حتى طلع الفجر وساق الحديث بمعنى حديث ابن عباس ولا يصح فإن قيل لا تكليف على ملك في هذه الشريعة وإنما هي على الجن والإنس قلنا ذلك لم يعلم عقلاً وإنما علم بالشرع وجبريل مأمور بالإمامة بالنبي صلعم ولم يؤمر غيره من الملائكة بذلك فكما خص بالإمامة جاز أن يخص بالفريضة وقد روينا في حديث مالك ☺ من قول جبريل بهذا أمرت رفع التاء ونصبها فأما رفع التاء فثابت صحيح وهو في أمر جبريل صريح ولم يعلم صفة أمر الله تعالى له وهل قال له بلغ إلى محمد هيأة الصلاة قولا أو فعلا أو قولاً وفعلا أو كيف شئت ولا يصح أن يقال أمر بأن يبلغ قولاً فيبلغ هو فعلا فيكون مخالفاً غير ممتثل أو يقال أمر بأن يبلغ قولاً وفعلاً فتكون صلاة النبي ◙ معه صلاة مفترض خلف صلاة مفترض أو يقال له بلغ قولاً أو فعلاً فأخبر خبر الفعلين فيصح الإقحام في أحد القولين بناء على صلاة الجمعة خلف المسافر وعلى حال فلا ينجي من هذا الإلزام إلا أن يقال أنه يحتمل أن يكون جبريل ألزم الفعل والتعليم وإلا فإن قلنا أنه ألزم التعليم خاصة وكان النبي ◙ قد اقتدى به فإن صلاة النبي ◙ خلف جبريل حينئذ صلاة مفترض خلف مفترض يخالفه كمقتدي في العصر بالظهر وذلك لا يجوز عندنا هذا آخر كلام ابن العربي ⌂)).