مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الحياء

          ░77▒ باب الحياء
          فيه ثلاثة أحاديث:
          1- حديث أبي السوار العدوي واسمه: حسان بن حريث قال: سمعت عمران بن حصين قال: قال النبي صلعم: ((الحياء لا يأتي إلا بخير)).
          2- حديث ابن عمر: مر النبي صلعم على رجل وهو يعاتب في الحياء يقول: إنك لتستحيي الحديث.
          3- حديث قتادة، عن مولى أنس إلى آخره.
          حديث ابن عمر سلف في الإيمان، وحديث أبي سعيد سلف قريباً.
          وأبو سعيد: اسمه سعد بن مالك ومولى أنس هذا هو عبد الله بن أبي عتبة. وقال الفربري عن (خ): اسمه عبد الرحمن بن أبي عتبة. وفي نسخة النسفي عن الفربري: عبد الله، وهو الصواب، كما قاله الجياني. وكذا ذكره (خ) في كتاب الأدب، وكذا الكلاباذي، واقتصر عليه الدمياطي فيما كتبه بخطه.
          ونقل بشير هو معنى الحديث، وإنما أراد عمران أن إسناده إلى رسول الله أولى؛ لأن بشيراً حدثه عن صحيفته، وعمران عن الشارع.
          وهذا أصل أن الحجة إنما هي في سنة رسول الله، لا فيما يروى عن كتب الحكمة؛ لأنه لا يدري ما في حقيقتها.
          وفي رواية عن بشير أنه قال: إن [من] الحياء ضعفاء، وعلى هذا يكون غضب عمران أوكد؛ لمخالفته لقوله: ((الحياء لا يأتي إلا بخير))؛ ولقوله للذي كان يقول لصاحبه: إنك تستحيي حتى أضر بك الحياء: ((دعه؛ فإن الحياء من الإيمان)) فدلت هذه الآثار أن الحياء ليس بضار في حالة من الأحوال، ولا بمذموم، والحياء ممدود.
          قوله: (إن الحياء من الإيمان) أي: من كماله، قاله أبو عبد الملك، وقال الهروي: جعل الحياء وهو غريزة من الإيمان وهو الاكتساب؛ لأن المستحيي ينقطع بحيائه عن المعاصي، وإن لم يكن له نية، فصار كالإيمان القاطع بينه وبينها.
          قوله: (إنك لتستحي) قال ابن التين: هذا من استحيا بياء واحدة. قال الجوهري: أصله استحييت (فأعلوا) الياء الأولى، وألقوا حركتها على الحاء فقالوا: استحيت استثقالاً لما دخلت عليها الزوائد. قال سيبويه: حذفت لالتقاء الساكنين؛ لأن الياء في الأولى تقلب ألفاً؛ لتحركها قال: وإنما فعلوا ذلك؛ حيث كثر في كلامهم. وقال المازني: لم تحذف للالتقاء الساكنين؛ لأنها لو حذفت لذلك لردوها إذا قالوا: هو / يستحي لقالوا: هو يستحيي.
          وقال الأخفش: استحى بياء واحدة لغة تميم، وبياءين لغة أهل الحجاز. وهو الأصل؛ لأن ما كان موضع لامه معتلًّا لم يعلوا عينه، وإنما حذفوا الياء؛ لكثرة استعمالهم لها.
          ومعنى قوله: (الحياء لا يأتي إلا بخير) أن من استحيى من الناس أن يروه يأتي الفجور ويرتكب المحارم، فذلك داعية له إلى أن يكون أشد حياء من ربه وخالقه عز وجل، ومن استحيا من ربه فإن حياءه زاجر له عن تضييع فرائضه وركوب معاصيه؛ لأن كل ذي فطرة يعلم أن الله النافع له والضار والرازق والمحيي والمميت، وإذا علم ذلك فينبغي له أن يستحي منه تعالى وهو قوله ◙: ((دعه؛ فإن الحياء من الإيمان)) أي: من أسبابه وأخلاق أهله، وذلك أنه لما كان الحياء يمنع من الفواحش، ويحمل على البر والخير، كما يمنع الإيمان صاحبه من الفجور، ويبعده عن المعاصي، ويحمله على الطاعات، صار كالإيمان؛ لمساواته له في ذلك، وإن كان الحياء غريزة، والإيمان فعل المؤمن فأشبهها من هذه الجهة، وسلف هذا المعنى في كتاب الإيمان.