مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول الضيف لصاحبه: لا آكل حتى تأكل

          ░88▒ باب قول الضيف لصاحبه لا آكل
          فيه حديث أبي جحيفة، وسلف مسنداً قريباً في باب صنع الطعام.
          ثم ذكر حديث عبد الرحمن بن أبي بكر، المذكور في الباب قبله بزيادة: فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ريب من أسفلها أكثر منها... إلى آخره.
          ولا شك أن صاحب المنزل في منزله كالأمير لا ينبغي لأحد أن يتقدم عليه في أمر، يدل على ذلك الحديث الصحيح: ((لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه))، وهو من أفراد (م) من حديث أبي مسعود الأنصاري.
          فكان هذا الحديث أصلاً لهذا المعنى.
          ودل هذا أنه ينبغي للضيف المصير إلى ما يحمله عليه ضيفه، ويشهد لهذا المعنى حديث أنس أن غلاماً خياطاً دعى رسول الله للطعام فقدمه بين يديه فأكل، وأقبل الخياط على عمله، ثم ذكر حديث أنس السالف فيه، فدل هذا الحديث أن أكل صاحب الطعام مع الضيف ليس من الواجبات، إلا أنه جاء في حديث ضيف أبي بكر معنى يختص بخلاف هذا الأصل المتقدم، وذلك أن أضيافه أقسموا ألا يفطروا حتى ينصرف من عند رسول الله فاحتبس عنده إلى هوى من الليل فبقوا دون أكل، وقد كان ينبغي على ظاهر الأصل السالف من أن صاحب المنزل لا ينبغي لأحد التسور عليه في منزله في أمرهم أن يفطروا حين عرض عليهم الأكل ولا يأبوه، فلما امتنعوا من ذلك وبقوا غير مفطرين إلى إقباله، ثم حنث نفسه في يمينه التي بدرت منه؛ إيثاراً لموافقتهم؛ لأن ذلك أنه يجوز للضيف أن يخالف صاحب المنزل في تأخير الطعام وشبهه؛ إذا رأى لذلك وجهاً من وجوه المصلحة، وأنه لا حرج عليه في ذلك، ألا ترى أن الصديق وإن كان غضب لتأخر قراهم إلى وقت قدومهم لم ينكر عليهم يمينهم ولا قال لهم: أتيتم ما لا يجوز لكم فعله.
          ولا شك أن الصديق أعلم بذلك رسول الله حين حمل إليهم بقية الطعام ولم يعنف القوم ولا خطأهم في يمينهم، وهذا الذي يغلب على الوهم؛ لأن أصحابه كانوا لا يخفون عنه كل ما يعرض لهم ليسن لهم فيه.
          قوله: (فسب وجدع). (معنى: جدع) مثل سب؛ لأن الجدع: الخصام.
          ابن فارس: جادعته مجادعة: خاصمته. وقال الداودي: معناه سب ابنه ودعاه بلعنه.
          وفي ((الصحاح)): جدعه إذا قال: جدعاً لك. والجدع: قطع الأنف. وللشيخ أبي الحسن: وجذع والجذع نقيض الصبر؛ أي: لم يصبر من الغيظ.
          قوله: (لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسفلها) كذا وقع غير مهموز، وربا إذا / كان غير مهموز معناه: زاد.
          وفي ((الصحاح)): ربا يربو إذا أخذه الربو، قال: وربوت الرابية: علوتها. قال: ومعنى المهموز؛ أي: لأربأ بك عن هذا الأمر؛ أي: أرفعك فيه. والمعنى على هذا: ارتفع ما كان تحت اللقمة، وعلى الأول ربا وزاد، فالمعنيان متقاربان.
          قولها: (وقرة عيني) لعل هذا كان قبل النهي عن [الحلف] بغير الله، أو لم يعلمه.
          قوله: (فحلفت المرأة لا تطعمه حتى يطعمه) قال الداودي: يعني: حلفت للأضياف. قال: وقد يكون هذا قبل مجيء أبي بكر، والظاهر أنها حلفت على بعلها أبي بكر.
          قال والدي ⌂:
          (باب لا يلدغ المؤمن).
          قوله: (لا حكم) هو عبارة عن التأني في الأمور المقلقة و(بتجربة) في بعضها عن تجربة، وفي [بعضها] لذي تجربة، ومعناه: أن المرء لا يوصف بالحلم حتى يجرب الأمور وقيل المراد أن من جرب الأمور وعرف عواقبها آثر الحلم وصبر على قليل الأذى ليدفع به ما هو أكثر منه و(عقيل) بضم المهملة و(ابن المسيب) سعيد.
          الخطابي: لا يلدغ خبر ومعناه أمر يقول ليكن المؤمن حازماً حذراً لا يؤتي من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى وقد يكون ذلك في أمر الدين كما يكون في أمر الدنيا وقد يرويه بعضهم لا يلدغ بكسر الغين في الوصل فيتحقق معنى النهي فيه.
          قال ابن بطال: ينبغي للمؤمن إذا نكب من وجه أن لا يعود لمثله قاله صلعم حين أسر ابن غزة بالزاي الشاعر يوم بدر وعهد أن لا يهجو رسول الله صلعم فأطلقه فنقض العهد فأسر فسأل رسول الله أن يمن عليه مرة أخرى فقال لا يلدغ [المؤمن] وأمر بقتله.
          قوله: (روح) بفتح الراء وبالمهملة (ابن عبادة) بضم المهملة وخفة الموحدة و(حسين) أي المعلم و(يحيى بن أبي كثير) ضد: القليل و(لم أخبر) بلفظ المجهول و(الزور) جمع الزائر و(يطول بك عمر) يعني: عسى أن تكون طويل العمر فتبقى ضعيف القوى كليل الحواس نهيك النفس فلا تقدر على المداومة عليه، وخير الأعمال ما دام وإن قل.
          قوله: (وإن حسبك) أي كافيك وفي بعضها من حسبك أي من كفايتك ويحتمل أن تكون من زائدة على مذهب الكوفية و(الدهر) بالرفع وبالنصب؛ أي: أن تصوم الدهر، قال (خ): الزور مصدر يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع، وكذاك الضيف وسائر المصادر نحو عدل ورضي وعور.
          قوله: (أبو شريح) مصغر الشرح بالمعجمة والراء والمهملة خويلد الكعبي الخزاعي بضم المعجمة وخفة الزاي وبالمهملة و(الجائزة) فاعلة من الجواز وهي العطاء؛ لأنه حق جوازه عليهم وقدر بيوم وليلة؛ لأن عادة المسافرين ذلك و(يثوي) من الثوي وهو الإقامة بالمكان و(يحرجه) من التحريج، وهو التضييق ومن الإحراج تقدم بكراسة في باب لا يحقرن جاره.
          قال ابن بطال: قسم صلعم أمره ثلاثة أقسام يتحفه في اليوم الأول ويتكلف له في اليوم الثاني والثالث يقدم إليه ما يحضره ويخير بعد الثالث كما في الصدقة قال: ومن كان يؤمن أي: إيماناً كاملاً.
          قال: والضيافة من مكارم الأخلاق وقال مالك: ليس على أهل الحضر ضيافة وقال وأما الحديث فهو كان في أول الإسلام / حين كان المواساة واجبة فلما أتى الله بالخير والسعة صارت الضيافة مندوبة.
          قوله: (ابن مهدي) هو عبد الرحمن و(أبو حصين) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية عثمان الأسدي و(يزيد) بالزاي ابن حبيب ضد العدو و(أبو الخير) ضد: الشر، اسمه مرثد بفتح الميم والمثلثة وإسكان الراء وبالمهملة و(عقبة) بضم المهملة وتسكين القاف، الجهني والي مصر و(لا يقرونا) بالإدغام والفك و(خذوا) أي: أخذاً قهريًّا، وهذا لا يكون إلا عند الاضطرار وبالثمن عاجلاً أو آجلاً.
          قوله: (هشام) هو ابن يوسف و(صلة الرحم) هي تشريك ذوي القرابات في الخيرات و(محمد بن بشار) بإعجام الشين و(جعفر ابن عون) بفتح المهملة وبالنون المخزومي و(أبو العميس) مصغر العمس بالمهملتين عتبة بسكون الفوقانية ابن عبد الله المسعودي الكوفي و(عون) مثل ما تقدم، ابن أبي جحيفة مصغر الجحفة بالجيم والمهملة والفاء (السوائي) بضم المهملة وخفة الواو و(أبو الدرداء) اسمه: عويمر.
          قال النووي: لأبي الدرداء زوجتان كل واحدة منهما كنيتها أم الدرداء والكبرى صحابية وهي خيرة بفتح المعجمة، والصغرى تابعية وهي هجيمة مصغر الهجم بالجيم.
          قوله: (متبذلة) أي: لابسة ثياب البذلة والخدمة بلا تجمل وتكلف ما يليق بالنساء من الزينة ونحوها وعممت بلفظ (في الدنيا) للاستحياء من أن تصرح لعدم حاجته إلى مباشرتها.
          وفي الحديث زيارة الصديق ودخول داره في غيبته والإفطار للضيف وكراهية التشدد في العبادة وأن الأفضل التوسط وأن الصلاة آخر الليل أولى، ومنقبة لسلمان حيث صدقه رسول الله صلعم.
          قوله: (الجزع) ضد: الصبر و(عياش) بفتح المهملة وشدة التحتانية وبالمعجمة ابن الوليد و(عبد الأعلى) ابن عبد الأعلى و(سعيد الجريري) مصغر الجر بالجيم والراء المشددة البصري و(أبو عثمان) عبد الرحمن النهدي بفتح النون وبالمهملة و(تضيف) أي: اتخذ الرهط ضيفاً و(دونك أضيافك) أي خذهم وألزمهم و(القرى) الضيافة وفي إضافة القرى إليهم لطف كقول الشاعر:
إذا قال قدني قلت بالله خلفة                     ليغني عني ذا أنا بك أجمعا
          قوله: (لنلقين منه) الأذى وما يكرهنا و(يجد عليه) أي: يغضب و(غنثر) بالمعجمة المضمومة والنون الساكنة والمثلثة المفتوحة والمضمومة، هو الجاهل وقيل: اللئيم، وقيل: الثقيل وروي بالمهملة والفوقانية المفتوحتين وسكون النون بينهما، وهو الذباب وشبهه حين حقره بالذباب و(لما جئت) بمعنى: إلا جئت أي: لا أطلب منك إلا مجيئك أو ما زائدة.
          قوله: (كالليلة) أي: لم أر ليلة مثل هذه الليلة في الشر و(ويلكم) ليس المقصود منه الدعاء عليهم و(ما أنتم) ما استفهامية و(ألا تصلون) بتخفيف اللام و(الأولى) أي: الحالة الأولى أو الكلمة التسمية لما تقدم في آخر كتاب مواقيت الصلاة أنه قال إنما ذلك من الشيطان يعني عينه.
          فإن قلت: كيف جاز مخالفة اليمين؟ قلت: لأنه إتيان بالأفضل قال صلعم: ((من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه))، قال ابن بطال: الأولى يعني: اللقمة الأولى ترغيم للشيطان؛ لأنه الذي حمله على الحلف وباللقمة الأولانية وقع الحنث فيها وقال وإنما حلف لأنه اشتد عليه تأخير / عشائهم، ثم لما لم يسعه مخالفة أضيافه ترك التمادي في الغضب فأكل معهم استمالة لقلوبهم ومباحثه تقدمت.
          قوله: (حديث أبي جحيفة) هو المذكور آنفاً إذ قال سلمان: ما أنا بآكل حتى تأكل و(محمد بن المثنى) ضد المفرد و(ابن أبي عدي) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية محمد (وسلمان) ابن طرخان التيمي و(أبو عثمان) النهدي و(عشيتهم) في بعضها: عشيتيهم بإشباع ياء الخطاب و(جزع) بالزاي وفي بعضها جدع بإهمال الدال؛ أي: قال يا مجدوع الأذنين أو دعا عليه بذلك.
          و(اختبأت) أي: اختفيت خوفاً من خصومته و(المرأة) أي أم عبد الرحمن و(يطعمه) أي أبا بكر و(يطعموه) أي أبو بكر وزوجته وابنهما و(هذه) أي الحالة أو اليمين و(ربت) أي زادت اللقمة أو البقية و(أكثر) بالنصب و(أخت بني فراس) بكسر الفاء وخفة الراء وبالمهملة هي بنت عبد دهمان بضم المهملة وإسكان الهاء أحد بني فراس واسمها زينب وهي مشهورة بأم رومان و(قرة عيني) بالجر قيل: المراد به القسم برسول الله صلعم، فإن قلت: أين صلة أكثر؟ قلت: محذوف أي أكثر منها.
          الزركشي:
          (قال معاوية: لا حكيم إلا من تجربة) رفعه ابن حبان في ((صحيحه)).
          (لا يلدغ المؤمن) قال الخطابي: يروى على النهي بالسكون وكسر الغين لالتقاء الساكنين، وعلى الخبر بالضم وهو ضرب مثل؛ أي: لا يستغفل ويلدغ مرة بعد أخرى في شيء واحد، وقيل: المراد به: في أمر الآخرة.
          (ولزورك عليك حقا) الزور بفتح الزاي: الزائر، وهو في الأصل مصدر وضع موضع الاسم كصوم ونوم بمعنى: صائم ونائم، وقد يكون جمع زائر كراكب وركب.
          (جائزته يوم وليلة) قال السهيلي: من رفع فعلى المبتدأ؛ أي: جائزته تكلف يوم وليلة أو إتحاف يوم وليلة؛ لأنهما من أيام الضيافة يتحفه ويتكلف له، وباقي الأيام يطعمه مما حضر، هذا تفسير أبي داود، وأما تفسير الهروي فتقديره: جائزته تزاد يوم وليلة يريد بعد الضيافة.
          وأما النصب فعلى بدل الاشتمال، أي: يكرم جائزته ضيفه يوماً وليلة، ونصب ((يوما)) على الظرف.
          (أن يثوي) بمثلثة؛ أي: يقيم.
          (حتى يحرجه) من الحرج، وهو الضيق والتأثيم.
          وحديث أضياف الصديق سبق في الصلاة.
          قوله: (متبذلة) بمثناة ثم موحدة، ويروى بالعكس، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (لا يلدغ المؤمن) سبب هذا القول أن أبا عزة عمرو بن عبد الله الجمحي، كان قد مر [عليه] ◙ يوم بدر وكان فقيراً ذا عيال وحاجة وكان في الأسارى فقال يا رسول الله إني فقير وذو عيال وحاجة فامنن علي صلى الله عليك فمن عليه ◙ ثم رجع أبو عزة يستفز الناس بشعره هو ونافع بن عبد مناف، فأما أبو عزة فظفر به ◙ بعد وقعة أحد بحمراء الأسد فقال يا محمد أقلني قال لا والله يقول خدعت محمداً مرتين ثم أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه.
          قوله: (حتى يحرجه) أي: يعرضه للإثم أو يضيق صدره حتى يتكلم بما لا يجوز من سيئ القول فيأثم.
          قوله: (فرأى أم الدرداء) هذه الكبرى اسمها خيرة صحابية، وأم الدرداء الصغرى تابعية جليلة والرواية في الكتب الستة للتابعية والكبرى لها رواية في مسند أحمد.