مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب

          ░48▒ باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب
          فيه حديث عائشة السالف في باب لم يكن رسول الله فاحشاً.
          وهذا الحديث أصل في جواز غيبة أهل الفساد، ألا ترى قوله ◙ للرجل: ((بئس أخو العشيرة)) وإنما قاله لما قد صح من شره؛ لقوله في آخر الحديث: ((إن شر الناس)) وسلف حكمه.
          وروى ابن وضاح محمد بن المقتفي، بسنده عن أنس مرفوعاً: ((من خلع جلباب الحياء فلا غيبة فيه))، وفسره ابن سعدان، قال: معناه من عمل عملاً قبيحاً كشفه للناظرين، ولم يرع وقوفهم عليه، فلا بأس بذكره عنه من حيث لا يسمع؛ لأنه كمن أذن في ذلك لكشفه عن نفسه، فأما من استتر بفعله فلا يحل ذكره لمن رآه؛ لأنه غير آذن في ذكره، وإن كان كافراً. وقد سئل ابن وهب عن غيبة النصراني قال: لا؛ لقوله تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] وهو من الناس، {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحجرات:12] فجعل هذا لهم مثلاً، وفي الحديث: ((اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره الناس)).
          قال ابن أبي زيد: لا غيبة في أمير جائر، ولا في صاحب بدعة يدعو إليها، ولا لمن يشاور في نكاح أو شهادة أو نحو ذلك.
          وقد قال ◙ لفاطمة بنت قيس، حين شاورته فيمن خطبها: ((إن معاوية صعلوك لا مال له))، وكذلك رأت أن من يقبل قوله من أهل الفضل يجوز له أن يبين أمر من يخاف أن يتخذ إماماً، فيذكر ما فيه من كذب أو غيبة، مما يوجب ترك الرواية عنه. وكان شعبة يقول: اجلس بنا نغتاب في الله.
          قوله: (إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه) معنى ترك وودع واحد.
          قيل: ولا تستعمل ودع إلا بالتشديد. قال / سيبويه: استغنوا عن تخفيفه بترك، وفي الحديث الآخر: ((عن ودعهم الجمعة)).
          قال شمر: زعمت النحوية أن العرب أماتوا مصدر ودع وماضيه، والشارع أفصح.
          وفي مصدره ودعته، تقول: دع ذا.