مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر

          ░57▒ باب ما ينهى من التدابر والتحاسد
          فيه حديث أبي هريرة، عن النبي صلعم: ((إياكم والظن)).
          وحديث أنس أن رسول الله صلعم قال: ((لا تباغضوا)) إلى آخره.
          فيه: الأمر بالألفة والمحبة، والنهي عن التباغض والتدابر، وما أمرهم الشارع فعليهم العمل به، وما نهاهم عنه فعليهم الانتهاء عنه، وغير موسع عليهم مخالفته، إلا أن يخيرهم أن مخرج أمره لهم ونهيه على وجه الندب والإرشاد، قوله ◙: ((والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا)). فدل ذلك أن أمره ونهيه في هذا الحديث على الوجوب.
          وقال أبو الدرداء: ألا أخبركم بخير لكم من الصدقة والصيام صلاح ذات البين، وإن البغضة هي الحالقة؛ لأن في تباغضهم افتراق كلمتهم وتشتت أمرهم، وفي ذلك ظهور عدوهم عليهم ودروس دينهم.
          وفيه: النهي عن الحسد على النعم، وقد نهى الله عباده المؤمنين عن أن يتمنوا ما فضل الله به بعضهم على بعض، وأمرهم أن يسألوه من فضله. وقد أجاز الشارع الحسد في الخير كما مضى، ويأتي.
          وفيه: النهي عن التجسس وهو البحث عن باطن أمور الناس، وأكثر ما يقال ذلك في الشر. وقال ابن الأعرابي: الجاسوس: صاحب الشر، والناموس: صاحب الخير / .
          قال الخطابي: وأما بالحاء فقيل كالجيم، وبه قرأ الحسن الآية، ومنهم من فرق بينهما فقيل: بالجيم البحث عن عورات المسلمين، وبالحاء: الاستماع لحديث القوم، وقيل: بالحاء أن تطلبه لنفسك، وبالجيم: أن تكون رسولاً لغيرك، قاله أبو عمرو.
          وقيل: اشتقاقه من الحواس؛ ليدرك ذلك بها، وقيل: بالجيم: في الشر خاصة، وبالحاء فيه وفي الخير.
          وقد فسر (خ) في بعض الروايات الجيم بأنه البحث، وهو في معنى ما سلف، وفي (خ) ذكر الجاسوس، وفسره في رواية الحموي بأنه: البحث عن الخير، وقيل: عن العدو.
          ومعنى: (لا تدابروا): لا تهاجروا، وهو أن يولي كل واحد منهما صاحبه دبره، وقيل: لا يتكلم أحد في غيبة أحد بما يسوءه، وقال الهروي: التدابر: التقاطع يقال: تدابر القوم؛ أي: أدبر كل واحد عن صاحبه.