مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله

          ░75▒ باب ما يجوز من الغضب والشدة
          فيه أحاديث:
          1- حديث عائشة: دخل علي رسول الله، وفي البيت قرام.. الحديث.
          و(قرام) أي: ستر فيه رقم، و(هتكه) أي: أزاله.
          2- حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري في شكوى معاذ.
          3- حديث نافع عن عبد الله: بينا النبي صلعم يصلي.. الحديث.
          4- حديث زيد بن خالد الجهني في اللقطة، إلى آخره.
          وذكره أولاً بلفظ: وقال المكي: ثنا عبد الله بن سعيد، فذكره.
          والمكي: هو ابن إبراهيم شيخه، فلعله أخذه عنه مذاكرة، ومحمد هذا: هو أبو عبد الله محمد بن زياد بن عبيد الله بن الربيع بن زياد الزيادي البصري. قال ابن عساكر: روى عنه (خ) كالمقرون بغيره، وروى عنه (ق)، مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
          والنخامة بالضم: النخاعة.
          قوله: (فإن الله حيال وجهه) أي: يراه، وأصله الواو فقلبت ياء انكسر ما قبلها. وفي رواية: ((قبل وجهه))، وأخرى: ((قبله))، وأخرى: ((قبلته)).
          والوكاء في حديث زيد بن خالد: الخيط.
          والعقاص: الخرقة، وعكس.
          والوجنة: ما ارتفع من الخد، فيها أربع لغات تثليث الواو وبالألف، ذكره في ((الصحاح)).
          والحذاء: ما وطئ عليه البعير من خفه، والفرس من حافر.
          و(احتجر): اتخذ شبه الحجرة.
          قوله: (مخصفة أو حصيراً) يعني: ثوباً أو حصيراً، قطع به مكاناً من المسجد واستتر مكانه، ومنه: الخصيفة بالتحريك ما يعمل خلال الشيء ويكون ذلك من سعف المقل وغيره. والعرب تقول: خصفت النعل خصفاً: أطبقتها في الخرز بالمخصف، وهو الإشغاء، وخصفت على نفسي ثوباً: جمعت بين طرفيه قال تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} [الأعراف:22]
          وغضبه عليهم إشفاقاً على أمته أن يكتب عليهم ما لا يقومون به، وقد حكى الله عن قوم ألزموا أنفسهم طاعة فلم يفوا بها فذمهم الله بقوله: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} [الحديد:27] الآية(1).
          (وحصبوا الباب) أي: رموه بالحصباء.
          ومعنى: (ظننت أنه سيكتب عليكم): خفت.
          وفيه: أن الفرض فعله في المسجد أفضل بخلاف النفل؛ خوف الرياء. وقيل: يجعل من فرضه في بيته لقوله ◙: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا)) وهو محمول على النافلة، واحتج به أيضاً من قال: علي المشي إلى مكة أو مسجد المدينة أو إيلياء، أنه لا يلزمه أن يصلي فيهن، وهو مذهب مالك.
          ولا شك أن الغضب والشدة في أمر الله واجبان، وذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقام الإجماع على أن ذلك فرض على الأئمة أن يقوموا به، ويأخذوا على أيدي الظالمين، وينصفوا المظلومين، ويحفظوا أمور الشريعة، حتى لا تتغير ولا تبدل، ألا ترى أنه ◙ غضب وتلون وجهه لما رأى التصاوير في القرام، وهتكه بيده، ونهى عنها، وتوعد / عليها بقوله: ((إن أشد الناس عذابا)) إلى آخره.
          وكذلك غضبه من أجل تطويل القراءة ونهى عنه وتغيظ حين رأى النخامة في القبلة فحكها بيده ونها عنها.
          وكذلك غضب حتى احمر وجهه حين سئل عن ضالة الإبل وغضب على الذين صلوا في مسجده بصلاته بغير إذنه ولم يخرج إليهم.
          ففيه: جواز الغضب للإمام والعالم في التعليم والموعظة إذا رأى منكراً يجب تغييره.
          قال مالك: الأمر بالمعروف واجب على جماعة المؤمنين من الأئمة والسلاطين، وعامة المؤمنين لا يسعهم التخلف عنه، غير أن بعض الناس يحمله عن بعض بمنزلة الجهاد(2).
          وقال بعض العلماء: الأمر بالمعروف منه فرض ومنه نافلة، فكل شيء وجب عليك العمل به وجب عليك الأمر به، كالمحافظة على الوضوء، وتمام الركوع والسجود، وإخراج الزكاة، وما أشبه ذلك.
          وما كان نافلة لك فإن أمرك به نافلة وأنت غير آثم في ترك الأمر به، إلا عند السؤال عنه؛ لواجب النصيحة التي هي فرض على جميع المؤمنين، وهذا كله عند الجمهور ما لم تخف على نفسك الأذى، فإن خفته وجب عليك تغييره وإنكاره بقلبك، وهو أضعف الإيمان؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
          قال والدي ⌂:
(باب ما يجوز من الغضب).
          قوله: (يسرة) بالتحتانية والمهملة والراء المفتوحات بن صفوان اللخمي بإعجام الخاء و(إبراهيم) هو ابن سعد و(قرام) بكسر القاف وخفة الراء الستر و(هذه الصور) أي صور الحيوانات.
          فإن قلت: عذاب الكفرة أشد من عذاب المصور؛ لأن غاية ما في الباب أن التصوير يكون كبيرة؟ قلت: هم أيضاً كفرة لأنهم كانوا يصورونها لأن تعبد أو لأنها صور معبوداتهم وذلك كفر ومر في آخر كتاب اللباس.
          قوله: (إسماعيل) ابن أبي خالد البجلي و(قيس ابن أبي حازم) بالمهملة والزاي بجلي أيضاً و(أبو مسعود) هو عقبة بسكون القاف الأنصاري البدري و(منه) أي: من النبي صلعم وهو مفضل باعتبار ومفضل عليه باعتبار آخر و(أيكم ما صلى) ما زائدة للتأكيد و(ليتجوز) أي: ليخفف و(الكبير) أي: الشيخ الهرم مر الحديث في صلاة الجماعة.
          قوله: (جويرة) مصغر الجارية بالجيم ابن أسماء بوزن حمراء وهذان العلمان مما يشترك فيه الذكور والإناث (ابن عبيد) مصغر ضد الحر البصري و(الحيال) بكسر المهملة وخفة التحتانية المقابل.
          فإن قلت: الله تعالى منزه عن الجهة والمكان؟ قلت: معناه التشبيه على سبيل التنزيه أي كان الله تعالى في مقابل وجهه.
          الخطابي: معناه أن توجهه إلى القبلة مفض بالقصد منه إلى ربه فصار في التقدير كأن مقصوده بينه وبين القبلة مر في أوائل كتاب الصلاة.
          قوله: (ربيعة) بفتح الراء هو ابن أبي عبد الرحمن المشهور بربيعة الرأي و(يزيد) بالزاي مولى المنبعث بسكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة وبالمثلثة و(زيد بن خالد الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء وبالنون والرجال مدنيون إلا ابن سلام.
          قوله: (أعرف) من المعرفة و(الوكاء) بكسر الواو وبالمد ما يشد به رأس الكيس و(العقاص) بكسر المهملة الأولى وبالفاء ما يكون فيه النفقة و(استنفق بها) أي: تمتع بها وتصرف فيها.
          (فضالة الغنم) إضافة الصفة / إلى الموصوف أي: ما حكمها و(الوجنة) ما ارتفع من الخد و(ما لك ولها) أي: لم تأخذها فإنها مستقلة بمعيشتها ومنها أسبابها و(حذاؤها) بكسر المهملة وبالمد، ما وطئ عليه البعير من خفة و(السقاء) بالكسر والمد، ظرف اللبن والماء كالقربة مر الحديث في كتاب العلم.
          قوله: (المكي) منسوب إلى مكة المشرفة ابن إبراهيم و(عبد الله بن سعيد بن أبي هند الفزاري) بالفاء وتخفيف الزاي وبالراء البصري.
          قوله: (وحدثني) تحويل إلى إسناد آخر وفي بعضها وجد كلمة ح إشارة إلى التحويل أو إلى الحديث أو إلى صح أو إلى الحائل و(محمد بن زياد) بكسر الزاي وخفة التحتانية ابن عبيد الله الزيادي و(أبو النضر) بفتح النون وإسكان المعجمة و(بسر) أخو الرطب ابن سعيد مولى ابن الحضرمي بفتح المهملة وتسكين المعجمة وبالراء المدني و(احتجر) أي: اتخذ شبه الحجرة و(حجيرة) مصغراً و(الخصفة) بالمعجمة ثم المهملة المفتوحتين ما يجعل منه جلال التمر من السعف ونحوه.
          النووي: الخصفة والحصير بمعنى واحد وشك الراوي فيه.
          و(احتجر حجرة) أي: حوط موضعاً من المسجد بحصير يستره ليصلي فيه ولا يمر عليه أحد ويتوفر عليه فراغ القلب.
          وفيه جواز الجماعة في النافلة وترك بعض المصالح لخوف مفسدة أعظم من ذلك، وبيان ما كان عليه النبي صلعم من الشفقة على الأمة.
          قال ابن بطال: حجيرة مخصفة؛ يعني ثوباً أو حصيراً اقتطع به مكاناً من المسجد واستتر به وأراه يقال خصفت على نفسي ثوباً أي: جمعت بين طرفيه بعود أو خيط، والغضب والشدة في أمر الله واجبان، وذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا سيما على الأئمة والملوك ليحفظ أمر الشريعة ولا يطرأ عليها التغيير والتبديل.
          فإن قلت: لم غضب ◙ على الذين صلوا؟ قلت: لأنهم صلوا في مسجده الخاص به بغير إذنه أقول أو لرفع أصواتهم أو لحصب الباب أو كان ذلك غضب شفقة وخوفاً عليهم أن يفرض ذلك عليهم فلا يقوموا بحقه فيعاقبوا عليه.
          قوله: (تتبعوا) من التتبع وهو الطلب ومعناه طلبوا موضعه واجتمعوا عليه و(حصبوا) أي: رموه بالحصباء وهي الحصاة الصغيرة تنبيهاً له لظنهم أنه ◙ نسي و(بكم) أي: متلبساً بكم والظن بمعنى الخوف.
          وفيه أن أفضل النافلة ما كان منها في البيوت وعند الستر عن أعين الناس إلا ما كان من شعار الشريعة كالعيد و(الصنيع) بمعنى: المصنوع أي: صلاتكم (المكتوبة) أي: الفريضة.
          الزركشي:
          (يسرة بن صفوان) بمثناة وسين مفتوحتين.
          (حيال وجهه) بكسر الحاء؛ أي: تلقاءه.
          (احتجر) أي: اتخذ حجرة، ويروى بالزاي.
          (حجيرة) بالتصغير، ويروى بفتح الحاء وكسر الجيم.
          (المخصفة) ما يجعل منه خلال التمر ويكون ذلك من سعف المقل وغيره.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: هذه القضية تنافي ذلك لأنها كانت نافلة وصلاها في المسجد؟ قلت: لعله كان قبل أن يقول أن النافلة في البيت أفضل أو هذا كان سبب قوله النافلة في البيت أفضل والله أعلم)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: فيكون فرض كفاية وهو قال أولاً وعامة المؤمنين فبين كلامي لك تناف فتأمله)).