مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب في اللقطة إذا أخبره رب اللقطة بالعلامة دفع إليه

          ░45▒ ((باب في اللقطة إذا أخبره رب اللقطة بالعلامة دفع إليه))
          كذا في الأصول وهو ما في كتاب ابن التين، وفي كتاب ابن بطال: كتاب اللقطة باب: إذا أخبر رب اللقطة بالعلامة.
          وفي اللقطة لغات جمعها ابن بطال في بيت فقال:
ولقطة لقاطة ولقطة                     ولقط ما لاقط قد لقطه
          والثلاثة الأول، حكاهن ابن سيده.
          قال صاحب ((الجامع)): اللقطة: ما التقطه الإنسان فاحتاج إلى تعريفه محركة.
          وقيل: هو الرجل الذي يلتقط، واسم الموجود: لقطة، يعني: بالإسكان.
          وعن الأصمعي وابن الأعرابي والفراء: الفتح: اسم المال.
          وعن الخليل كذلك كسائر ما جاء على هذا الوزن يكون اسم الفاعل كهمزه ولمزه. وسكون القاف: اسم المال الملقوط.
          قال الأزهري: هذا قياس اللغة إلا أن كلام العرب في اللغة على غير القياس؛ فإن الرواة أجمعوا على أن اللقطة يعني بالفتح: اسم للشيء الملتقط.
          والالتقاط: العثور على الشيء من غير قصد وطلب، وفي ((أدب الكاتب)) تسكينها من لحن العامة، ورد عليه بأن فعله بإسكان العين من صفة المفعول وبتحريكها للفاعل، ورد بأن اللغة موقوفة على السماع والمسموع بالفتح، كذا ضبطها ثعلب عن ابن الأعرابي وغيره، ونقله ابن درستويه عن عامة اللغويين.
          وعبارة ابن التين هي بضم اللام وفتح القاف.
          وقال الداودي بسكونها.
          ذكر (خ) في الباب حديث شعبة عن سلمة يعني: ابن كهيل / سمعت سويد بن غفلة قال: لقيت أبي بن كعب قال: ((وجدت صرةً فيها مائة دينار)) الحديث أخرجه (م، الأربعة، ق، ت).
          والقائل ((فلقيته بعد)) هو شعبة يريد بذلك سلمة بن كهيل، وذلك أن أبا داود الطيالسي قال في هذا الحديث: قال شعبة: فلقيت سلمة بعد ذلك فقال: لا أدري وساقه، وفي لفظ ذكره بعد: ثم أتيته الرابعة.
          قال ابن حزم: هو حديث ظاهره صحة السند إلا أن سلمة أخطأ فيه بلا شك.
          قلت: سيأتي الكلام بعد. وقال الداودي: الشك من سلمة. قلت: لا، بل من أبي كما سيأتي، وإنما قال له أولًا: ((عرفها)).
          وفي الباب عن جماعة من الصحابة: زيد بن خالد ساقه (خ) بعد من طرق كما ستعلمه في موضعها، يقول سويد: إن لم تعرف استنفق بها صاحبها وكانت وديعة عندك.
          قال يحيى يعني: ابن سعيد: فهذا الذي لا أدري أفي حديث رسول الله هو أم شيء من عنده؟ قال ابن حزم: قطع يحيى بن سعيد مرة أخرى أنه من قول ((يزيد)) ولم يشك ربيعة أنه من قول زيد، ولم يشك بسر بن سعيد عن زيد بن خالد، عن رسول الله.
          وزعم بعضهم أن الاختلاف في حديث أبي بن كعب ((عرفها ثلاثًا))، وفي أخرى: ((حولًا واحدًا))، وفي أخرى: في سنة أو في ثلاث، وفي أخرى: عامين أو ثلاثة يقتضي تعدد الواقعة الأولى لأعرابي أفتاه بما يجوز له بعد عام، والثانية لأبي أفتاه بالكف عنها والتربص بحكم الورع ثلاثة أعوام، وقد يكون ذلك لحاجة الأول وغنى الثاني.
          وقد رجع أبي إلى عام آخر وترك الشك.
          ثم هذا الحديث لم يقل بظاهره أحد من أئمة الفتوى كما قال ابن بطال ثم المنذري أن اللقطة تعرف ثلاثة أعوام؛ لأن سويد بن غفلة قد وقف عليه أبي بن كعب مرة أخرى حتى لقيه بمكة، فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولًا واحدًا، وهذا الشك يوجب سقوط التعريف ثلاثة أحوال، ولا يحفظ عن أحد قال ذلك.
          وقد روي عن عمر أيضًا أن اللقطة تعرف سنة مثل قول الجماعة. وفي ((الحاوي)) عن شواذ من الفقهاء أنها تعرف ثلاثة أحوال.
          ونقلها ابن المنذر عن عمر: تعرف ثلاثة أشهر. قال: وروينا عنه: ثلاثة أيام، ثم يعرفها سنة.
          وزعم ابن الجوزي أن رواية ((ثلاثة أحوال)) إما أن تكون المعرف عرفها تعريفًا غير جيد كما قال للمسيء صلاته: ((ارجع فصل فإنك لم تصل)).
          وذكر ابن حزم عن عمر رواية: ثلاثة أشهر، وأخرى: أربعة. وعن الثوري: الدرهم يعرف أربعة أيام.
          وفي ((الهداية)): إن كانت أقل من أربعة دراهم عرفها أيامًا وإن كانت عشراً فصاعدًا عرفها حولًا، وهذه رواية عن أبي حنيفة، وقدر محمد بالحول تفصيل بين القليل والكثير، وهو ظاهر المذهب كما قاله أبو إسحاق في ((تنبيهه))، والمذهب الفرق، فالكبير يعرف سنة والقليل يعرف مدة يغلب على الظن قلة أسف صاحبه عليه.
          وممن روي عنه تعريف سنة علي وابن عباس وسعيد بن المسيب والشعبي وإليه ذهب مالك والكوفيون والشافعي وأحمد.
          ونقل الخطابي فيه إجماع العلماء، وقد سلف في حديث زيد بن خالد تفسير العفاص والوكاء في باب: شرب الناس والدواب من الأنهار قريبًا.
          وأمر بحفظ هذه الأشياء لوجوه من المصالح:
          منها: أن العادة جارية بإلقاء الوكاء والوعاء إذا فرغ من النفقة، / فأمر بمعرفته وحفظها لذلك.
          ومنها: أنه إذا أمر بحفظهما يحفظ ما فيهما أولى.
          ومنها: أن يتميز عن ماله فلا يختلط.
          ومنها: أن صاحبها إذا جاء نعته، فربما غلب على ظنه صدقه، فيجوز له الدفع إليه.
          ومنها: أنه إذا حفظ ذلك وعرفه أمكنه التعريف بها والإشهاد عليه، وأمره ◙ بحفظ هذه الأوصاف الثلاثة، هو على قول من يقول بمعرفة الأوصاف تدفع إليه بغير بينة.
          وقال ابن القاسم: لا بد من ذكر جميعها ولم يعتبر أصبغ العدد.
          وإذا أتى بجميع الأوصاف هل يحلف مع ذلك أو لا؟ قولان: النفي لابن القاسم، وتحليفه لأشهب. ولا يلزمه بينة عند مالك وأصحابه وأحمد وداود وهو قول (خ)، وبوب عليه بقوله: وإذا أخبر رب اللقطة بالعلامة دفع إليه ويلزمه عند أبي حنيفة والشافعي.
          واختلفوا إذا يصفها أو دفعها إليه، ثم جاء آخر فأقام بينة أنها له، فقال ابن القاسم: لا يضمن الملتقط شيئًا؛ لأنه فعل ما وجب عليه وهو أمين، فتقسم بينهما.
          وقال أشهب: إذا أقام الثاني البينة حكم له بها على الذي أخذها بالعلامة.
          وقال أبو حنيفة والشافعي: إذا أحضر الثاني البينة حكم له بها على الذي أخذها بالعلامة فعلى الملتقط الضمان.
          قوله: ((فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها)). تمسك به جماعة وقالوا: يجوز للغني والفقير إذا عرفها حولًا أن يستمتع بها، وقد أخذها علي وهو يجوز له أخذ النفل دون الفرض. وأبي بن كعب وهو من مياسير المدينة.
          وقال أبو حنيفة: إن كان غنيًا لم يجز له الانتفاع بها، وله أن يستمتع بها إن كان فقيرًا، ولا يتصدق بها على غني ويتصدق بها على فقير، فإن جاء صاحبها وأمضى الصدقة، وإلا فله أن يضمنه إياها.
          فرع: إذا ذكر بعض الصفات؟ فقيل: لا يدفع بصفة واحدة، وقيل: يدفع بصفة الوعاء والوكاء.
          فرع:إذا جاء رب اللقطة بعد الحول لزم الملتقط ردها له أو بدلًا بإجماع أئمة الفتوى، وليس قوله: فشأنك بها مبيح له أخذها ويسقط عنه ضمانها لما ثبت عنه في الحديث، ((فإن جاء صاحبها بعد السنة أداها إليه))؛ لأنها وديعة عند ملتقطها.
          وزعم بعض من نسب نفسه إلى العلم أنها لا تؤدى إليه بعد الحول استدلالًا بقوله ◙: ((فشأنك بها)) فهو يدل على ملكها.
          قال: وهذا القول يؤدي إلى تناقض السنن إذا قال: فأدها إليه. قال: ولا يجب عند جماعة العلماء على الملتقط إن لم تكن ضالة من الحيوان أن يدفعها للسلطان، فإن كان الملتقط غير مأمون فهل للسلطان أخذها منه أو لا؟
          قال ابن بطال: فخرق الإجماع رجل ينسب إلى العلم يعرف بداود بن علي، فقال: فذكر ما أسلفناه عنه، ولا سلف له في ذلك إلا اتباع الهوى والابتداع في دينه بما لم يأذن فيه تعالى.
          ونقل ابن التين عن جميع فقهاء الأمصار أنه ليس له أن يتملكها قبل السنة، ثم نقل عن داود أنه يأكلها ويضمنها، واختلف الجمهور ما يفعل بعد السنة، قال مالك في ((المدونة)): أحب إلي أن يتصدق بها ويخير إذا جاء صاحبها في غرامتها.
          وعنه: يخير بين ثلاثة أشياء: الصدقة بشرط الضمان، أو تركها / أمانة في يده، أو تملكها أو تكون في ذمته على كراهية في ذلك.
          وقال الشافعي: ليس له أن يتصدق بها.
          فرع: نقل ابن التين عن ابن الجوزي ابتداء الحول من يوم التعريف لا من يوم الوجود لقوله: ((عرفها حولًا)) وقال بعده: ((من يوم أخذها)).