مجمع البحرين وجواهر الحبرين

[كتاب فضائل الصحابة]

          ░░62▒▒
          باب فضائل أصحاب النبي صلعم
          ومن صحب النبي صلعم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه.
          فيه ثلاثة أحاديث: /
          1- حديث أبي سعيد الخدري: ((يأتي على الناس زمان..)) الحديث.
          2- حديث عمران بن حصين: ((خير أمتي قرني)).
          3- حديث عبيدة، عن عبد الرحمن: ((خير الناس قرني)) بمثله. والأول سلف في الجهاد، وعلامات النبوة، والثاني والثالث في الشهادات.
          وما ذكره (خ) أن الصحبة ثبتت بالرؤية من المسلم هو المعروف من طريقة أهل الحديث.
          وفيه قول ثان بأنه من طالت مجالسته على طريق التبع له والأخذ عنه وهو طريق أهل الأصول وأهل اللغة أيضاً، وإن كان ابن الحاجب رجح الأول، وعبر بقوله: من رآه رسول الله ليدخل ابن أم مكتوم الأعمى وغيره.
          وقول ثالث: بأنه من أقام معه سنة أو سنتين، وغزا معه غزوة أو غزوتين قاله سعيد بن المسيب، ونقض عليه بجرير بن عبد الله البجلي وشبهه.
          ورابع: أنه من أدركه وأسلم وعقل أمور الدين، وصحبه ولو ساعة من نهار، قاله الواقدي نقلاً عن أهل العلم.
          وخامس: وهو أوسع من الكل ذهب إليه أبو عمر في آخرين أنه من رآه أو أسلم في حياته أو ولد ولم يره، ولو كان ذلك قبل وفاته ◙ بساعة لكونه معه في زمن واحد وجمعه وإياه عصر مخصوص.
          قال أبو موسى السيلاني: أتيت أنس بن خالد، فقلت: هل بقي أحد من أصحاب رسول الله غيرك قال: بقي ناس من الأعراب رأوه، فأما من صحبه فلا.
          وفي (ت) من حديث جابر مرفوعاً، وقال: حسنٌ، قال: ((لا تمس النار مسلماً رآني أو رأى من رآني)).
          أولهم موتاً
          على الإطلاق فيما يقال: أم أيمن مولاة رسول الله صلعم طعنها أبو جهل في قبلها فماتت منه حكاه الداودي، وآخرهم موتاً على الإطلاق أبو الطفيل عامر بن واثلة، مات سنة مائة.
          وأما حديث أبي سعيد الخدري ففيه لطيفة وهي: رواية صحابي عن صحابي، فإنه من حديث جابر بن عبد الله عنه كذا رواه هنا، وفي الموضعين السابقين.
          و(الفئام): بكسر الفاء، الجماعة، مهموز، والعامة لا تهمزه.
          قوله: (ولا يستشهدون) يعني: يظهر فيهم الزور.
          قوله: (ويخونون ولا يؤتمنون) قيل: يطلبونها ثم يخونون فيها، وقيل: ليسوا ممن يدلس، وهذا على الأكثر. والسّمن إنما يذم من استدعاه دون من طبع عليه.
          ومعنى: (تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته) قال الداودي: يعني إن لم تسبق يمينه أردفها بشهادته.
          قوله: (خير الناس قرني) يعني: أصحابي.
          (ثم الذين يلونهم) يعني: التابع بإحسان واشتقاقه من الأقران، واختلف في مقداره على أقوال سلفت.
          قال والدي ⌂:
          قوله: (من صحب النبي أو رآه) يعني: الصحابي مسلم صحب النبي صلعم، أو رآه ضمير المفعول للنبي صلعم، والفاعل للمسلم على المشهور الصحيح، ويحتمل العكس لأنهما متلازمان عرفاً(1).
          فإن قلت: الترديد ينافي التعريف قلت: الترديد في أقسام المحدود يعني: الصحابي قسمان لكل منهما تعريف.
          فإن قلت: إذا صحبه فقد رآه؟ قلت: لا يلزم إذ عمرو ابن أم مكتوم صحابي اتفاقاً مع أنه لم يره إذ هو أعمى.
          فإن قلت: ما وجه قول من اكتفى بالرؤية؟ قلت: لعله جعل الرؤية عرفية، إذ من صحب زيداً وإن كان أعمى يقال: أنه رآه عرفاً.
          فإن قلت: من رآه بعد وفاته صلعم قبل دفنه هل يسمى صحابيا؟ قلت: نعم(2).
          فإن قلت: من رآه في المنام فقد رآه حقًّا فيكون / صحابيًّا؟ قلت: المتبادر إلى الذهن الرؤية في اليقظة.
          قوله: (فئام) بكسر الفاء، الجماعة من الناس لا واحد له من لفظه، والعامة تقول فيام بلا همز، والطبقة الثانية تسمى بالتابعي وهو مسلم رأى صحابيًّا، والطبقة الثالثة بتبع التابعي وهو مسلم رأى تابعيًّا.
          قوله: (إسحاق) إما ابن إبراهيم وإما ابن منصور، و(النضر) بفتح النون وسكون المعجمة، ابن شميل مصغر الشمل بالمعجمة، و(أبو جمرة) بفتح الجيم والراء، هو نصر بالمهملة ابن عمران الضبعي، (زهدم) بفتح الزاي والمهملة وسكون الهاء بينهما (ابن مضرب) بلفظ الفاعل من التضريب بالمعجمة، الجرمي بفتح الجيم، و(عمران بن حصين) بضم المهملة الأولى، و(يخونون) أي: خيانة ظاهرة بحيث لا يبقى معها اعتماد الناس عليه، و(يبدرون) بكسر الدال وضمها، و(يظهر السمن فيهم) أي: يتكبرون بما ليس فيهم من السرف أو يجمعون الأموال أو يغفلون عن أمر الدين ويقللون الاهتمام به؛ لأن الغالب على السمين أن لا يهتم بالرياضة، والظاهر أنه حقيقة في معناه وقالوا: المذموم منه ما يستكسبه وأما الكسبي فلا.
          ومر هذا الحديث والذي بعده مع الإسناد في أوائل كتاب الشهادات.
          قوله: (ويمينه شهادته) فإن قلت: هذا دور؟ قلت: المراد بيان حرصهم على الشهادة وترويجها يحلفون على ما يشهدون به، فتارة يحلفون قبل أن يأتوا بالشهادة وتارة يعكسون، أو هو مثل في سرعة الشهادة واليمين وحرص الرجل عليهما حتى لا يدري بأيهما يبتدئ فكأنهما يتسابقان لقلة مبالاته بالدين.
          قوله: (يضربوننا) أي: ضرب التأديب أو يضربون رجالنا على الحرص على الشهادة واليمين يعني: يأمروننا بالانكفاف عنهما والاحتياط فيهما وعدم الاستعجال بهما.
          قال المهلب: (على الشهادة) أي على قول الرجل أشهد بالله ما كان كذا على معنى الحلف فكره ذلك كما كره الحلف وإن كان صادقاً فيها؛ أي: قال إبراهيم النخعي كانوا ينهونا ونحن غلمان أن نحلف بالشهادة والعهد في كتاب الشهادات وقال بعضهم معناه يضربوننا على الجمع بين اليمين والشهادة.
          الزركشي:
          (فيغزو فئام) بكسر الفاء والهمز؛ أي: جماعات، لا واحد له من لفظه، قال في ((الصحاح)): والعامة تقول: ((فيام)) بلا همز.
          (ونحن صغار) أي: لم نبلغ حد التفقه وإن كانوا بلغوا الحلم. وحديث الصديق في الهجرة سبق قريباً. انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (يظهر فيهم السمن) أي: يتكبرون بما ليس فيهم ويدعون ما ليس لهم من السرف وقيل: أراد جمعهم الأموال، وقيل: يحبون التوسع في المآكل والمشارب، وهي أسباب السمن أو يقول: أن المراد السمن على حقيقته وهو مذموم في الحديث أن الله يبغض الخير السمن، وقيل: إذا سمن الجسم هزل العقل، ولا شك أن السمين يكسل عن الطاعات.
          وأيضاً قد استقرئ أن غالب العلماء والصلحاء كانوا مهازيل ولم يفخروا إلا بسمن المعاني لا الجسوم، وقد قال الشافعي ☺: ما أفلح سمين قط سوى محمد بن الحسن وقال تعالى في حق طالوت: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة:247] من باب المنة عليه، ومع هذا لا يتمكن أن يزيل أجنبية ولا يتمكن من استيفاء اللذة عند المجامعة وحين المبارزة يغلب غالباً وعند الفرار يمسك ويلحق يقيناً.
          وقد أسند الخطيب عن أحمد بن حنبل أنه قال أصحاب النبي صلعم من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة فهو من أصحابه أو رآه.
          قوله: (فئام) روي بالياء دون همز وروي بفتح الفاء مع الهمز وروي بفتح الفاء مع تشديد الياء.
          قوله: (خير أمتي قرني) القرن عشر سنين وقيل عشرون وقيل ثلاثون وقيل أربعون وقيل ستون وقيل سبعون وقيل: ثمانون، وروى ابن مندة / بإسناده إلى عبد الله بن بشر مرفوعاً أنه مائة سنة.
          قوله: (يشهدون ولا يستشهدون) فيه تأويلات أصحها أنه محمول على من معه شهادة لا ذمي فيشهد بها قبل أن يطلب هذا إذا كان نصاب الشهادة يتم بدونه وإن كان لا... بدونه ولا يعلم صاحب الحق أنه شاهد له، فينبغي أن يشهدوا بإشهاده الحسبة وهي في حقوق غير الآدميين كالطلاق والعتاق والوقف فينبغي له أن يشهد قبل أن يستشهد، وهذا هو المراد بقوله ◙: ((ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها)).
          أقول:
          هذا لا يوافق ظاهر الحديث فإنه مساق للذم بدليل باقي الحديث، وهو: ((ويخونون ولا يؤتمنون إلى آخره)).
          وقوله: (ألا أخبركم بخير الشهداء) في مقام المدح فلائق ذلك هذا.
          قوله (يضربوننا على الشهادة والعهد) معناه أن يحلف إذا شهد وعاهد، والواو بمعنى: مع أو في.
          أقول:
          ما ذكر (خ) وشارحوه في حد الصحابي أنه مسلم رأى النبي صلعم، فيخرج ابن أم مكتوم وغيره من العميان من الصحابة عبد الله بن عمر وعتبان بن مالك وعمرو ابن أم مكتوم هؤلاء من الصحابة، فالأولى أن يكون من رآه النبي من المسلمين صحابي؛ لأن الإسلام شرط في صحة صحبته ورؤيته للنبي صلعم، فإن الكفار رأوا النبي صلعم ولم يصيروا بالرؤية صحابة، بل تضميمه الإسلام قبلها أن الإسلام أصل والرؤية نافعة فرؤية النبي صلعم أولى أن تصير به صحابيًّا، فإن رؤية النبي له أفضل من رؤيته للنبي وأكثر شرفاً، ويزول هذا الإشكال ويندرج تحت ذلك كل الصحابة البصر أو العميان وهو قول مشهور كما سلف.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: قوله متلازمان فيه نظر ينقضه ابن أم مكتوم)).
[2] في هامش المخطوط: ((هذا الجواب فيه نظر)).