مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: من أحق الناس بحسن الصحبة

          ░2▒ باب من أحق الناس بحسن الصحبة؟
          فيه حديث جرير، عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة، إلى آخره.
          وقال ابن شبرمة ويحيى بن أيوب: ثنا أبو زرعة مثله.
          إنما أتى بهذا ليزيل ما في الأول من العنعنة، وابن شبرمة اسمه عبد الله، وتعليقه أخرجه (م) عن ابن أبي شيبة، ثنا شريك، بسنده عن أبي زرعة، فذكره. والتعليق عن يحيى بن أيوب أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) من حديثه، عن إبراهيم بن محمد، بسنده عن أبي زرعة به.
          وفي هذا الحديث دلالة أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون ثلاثة أمثال محبة الأب؛ لأنه ◙ كررها ثلاثاً وذكر الأب في الرابعة فقط، وإذا تأمل هذا المعنى شهد له العيان، وذلك أن صعوبة الحمل والوضع والرضاع والتربية تنفرد بها الأم وتشقى بها دون الأب، فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب(1).
          وقد جرى لأبي الأسود الدؤلي مع زوجته قصة أبان فيها هذا المعنى، ذكر أبو حاتم عن أبي عبيدة أن أبا الأسود جرى بينه وبين امرأته كلام وأراد أخذ / ولده منها، فسار إلى زياد وهو والي البصرة، فقالت المرأة له: أصلح الله الأمير، كان بطني وعاءه، وحجري فناءه، وثديي سقاءه، أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام، فلم أزل بذلك سبعة أعوام، حتى إذا استوفى فصاله، وكملت خصاله، وأملت نفعه، ورجوت دفعه، أراد أن يأخذه مني كرهاً! قال أبو الأسود: أصلحك الله، هذا ابني حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، وأنا أقوم عليه في أدبه، وأنظر في أوده. فقالت المرأة: أصلحك الله، حمله خفًّا وحملته ثقلاً، ووضعه شهوة ووضعته كرهاً. فقال له زياد: اردد على المرأة ولدها، فهي أحق به منك، ودعني من سجعك.
          وروى (د) في ((سننه)) والحاكم في ((مستدركه)) وقال: صحيح الإسناد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني. فقال لها ◙: ((أنت أحق به ما لم تنكحي)).
          وروي عن مالك أن رجلاً قال له: إن أبي في بلاد السودان، وقد كتب إلي أقدم عليه، وأمي تمنعني من ذلك. فقال: أطع أباك، ولا تعص أمك، فدل قول مالك هذا أن برهما عنده سواء لا فضل لواحد منهما فيه على صاحبه(2)، لأنه قد أمره بالتخلص منهما جميعاً، وإن كان لا سبيل له إلى ذلك في هذه المسألة، ولو كان لأحدهما عنده فضل في البر على صاحبه لأمره بالصبر مرة إلى أمره.
          وقد سئل الليث عن هذه المسألة فأمره بطاعة الأم، وزعم أن لها ثلثي البر.
          وحديث أبي هريرة يدل أن لها ثلاثة أرباع البر، وأن طاعة الأم مقدمة، وهو الحجة على من خالفه.
          وزعم المحاسبي أن تفضيل الأم على الأب في البر والطاعة هو إجماع العلماء.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وقيل لضعف جانب الأم أمر الله بزيادة الإحسان إليها)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: في كلام مالك إشكال وذلك أنه كيف يمكن للولد إطاعة الوالدين في مثل هذه القصة وهو الذهاب إلى بلاد السودان والإقامة عند أمه والجمع بينهما محال به وأيضاً هو مصادم لحديث الباب)).