مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الحذر من الغضب

          ░76▒ باب الحذر من الغضب
          لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ} [الشورى:37] الآية.
          فيه ثلاثة أحاديث:
          1- حديث أبي هريرة أن رسول الله صلعم قال: ((ليس الشديد بالصرعة)).
          2- حديث سليمان بن صرد: استب رجلان عند رسول الله صلعم الحديث.
          3- حديث أبي حصين عثمان بن عاصم الأسدي، عن أبي صالح ذكوان، عن أبي هريرة، أن رجلاً قال للنبي صلعم: أوصني الحديث.
          سليمان بن صرد: هذا هو ابن الجون بن أبي الجون بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن حرام بن حبشية بن سلول بن كعب / بن عمرو بن لحي، واسمه ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقيا الخزاعي الكوفي أبو مطرف، أمير التوابين، قتل بالجزيرة بعين الوردة في شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين، وكان أميراً على أربعة آلاف يطلبون بدم الحسين ابن علي، أخرجوا له، وذكروه في الصحابة، وكان اسمه في الجاهلية: يسار، فسماه رسول الله صلعم سليمان، وكان خيراً عابداً، نزل الكوفة، وهو من الأفراد ليس في الصحابة سليمان بن صرد سواه.
          واختلف في كبير الإثم: فقال ابن عباس: إنه الشرك. وقال الحسن: كل ما وعد الله عليه النار. وقيل: في اللغة ((ما أوعد)) بدل: ((ما وعد)). وقام الإجماع على أنه من الكبائر كالخمر.
          والكظم في اللغة: حبس الغيظ، يقال: كظم البعير على جرته إذا رددها في حلقه.
          و(الصرعة) بضم الصاد وفتح الراء: الذي يصرع الرجال، والهاء للمبالغة مثل ضُحكة ولُبَنة.
          قال ابن التين: وكذا قرأناه، وضبط في الكتب بإسكان الراء وليس بشيء؛ لأنه بالسكون: الضعيف المصروع، وليس مراداً هنا، وإنما يريد من يغلب الناس ويصرعهم. وضبط في بعضها بفتح الصاد وليس بشيء أيضاً.
          وقوله: (إني لست بمجنون) إما أن يكون منافقاً أو أنف من كلام أصحابه دون كلام رسول الله.
          قوله: (لا تغضب) معناه: أن يحذر أسباب الغضب، ولا يتعرض للأمور الجالبة للضرر فيغضبه.
          فأما نفس الغضب فطبعاً لا يمكن إزالته من الجبلة. وقيل معناه: لا تفعل ما يأمرك به الغضب لذلك، فإذا تواضع ذهبت عنه غيرة النفس، فيسلم بإذن الله من شره.
          ولأبي داود من حديث أبي ذر، عن رسول الله: ((إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)).
          وجمع له ◙ في قوله: ((لا تغضب)) جوامع خير الدنيا والآخرة؛ لأن الغضب يؤول إلى التقاطع، ومنع ذي الرفق، وربما آل إلى أن يؤدي فينقص لذلك دينه.
          وفي ((الموطأ)): قال رجل: يا رسول الله، كلمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى قال: ((لا تغضب)).
          وذكر الهروي أن في الحديث: ((الحدة تعتري خيار أمتي)).
          وفي أخرى: ((خيار أمتي أحداؤها)) جمع: حديد. قال: وفيه حدة. قلت: ومدح الله تعالى الذين يغفرون عند الغضب وأثنى عليهم، وأخبر أن ما عنده خير وأبقى لهم من متاع الحياة الدنيا، وأثنى على الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس.
          وقد روى معاذ بن جبل عن رسول الله أنه قال: ((من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور يشاء)). أخرجه أحمد من رواية معاذ بن أنس بإسناد ضعيف.
          وأراد ◙ بقوله: ((ليس بالشديد الصرعة)) أن الذي يقوى على ملك نفسه عند الغضب، ويردها عنه هو القوي الشديد، والنهاية في الشدة؛ لغلبته هواه المردي الذي رتبه له الشيطان الغوي، فدل هذا على أن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو؛ لأن [النبي] ◙ جعل للذي يملك نفسه عند الغضب من القوة، والشدة ما ليس للذي يغلب الناس؛ من هذا الحديث.
          قال الحسن البصري / حين سئل أي الجهاد أفضل؟ قال: جهادك النفس وهواك.
          وفي حديث سليمان بن صرد أن الاستعاذة بالله من الشيطان تذهب الغضب؛ وذلك أن الشيطان هو الذي يزين للإنسان الغضب، وكل ما لا تحمد عاقبته؛ ليرديه ويغويه ويبعده من رضا الله تعالى، فالاستعاذة بالله منه من أقوى السلاح على دفع كيده.
          وفي (د) من حديث عطية عن رسول الله أنه قال: ((إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)) وقال أبو الدرداء: أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب.
          وفي الكتب قال الله تعالى: يا ابن آدم اذكرني إذا غضبت، أذكرك إذا غضبتُ.