مجمع البحرين وجواهر الحبرين

كتاب جزاء الصيد

          ░░28▒▒ باب جزاء الصيد وغيره
          ░1▒ قال الله تعالى: {لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ}الآية [المائدة:95-96]
          ░2▒ وإذا صاد الحلال فأهدى إلى للمحرم الصيد أكله..إلى آخره.
          فيه:
          1821- حديث أبي قتادة: أنه صاد حمار وحش وكان غير محرم.
          وهذه الآية نزلت في كعب بن عمرو أنه كان محرماً عام الحديبية بعمرة، فقتل حمار وحش، ووقع في ((تفسير مقاتل))، أنها نزلت في أبي اليسر عمرو بن مالك، والأول ما ذكره المؤرخون.
          يقال: رجل حرام وامرأة حرام، والآية في العمد والخطأ ملحق به للتغليظ.
          قاله الزهري: نزل الكتاب بالعمد، والسنة جاءت بالخطأ.
          (({وَأَنتُمْ حُرُمٌ})): محرمون بحج أو عمرة، أو المحرم الداخل في الحرم كأتهم وأنجد، ويقال: أحرم إذا دخل في الأشهر الحرم متعمداً لقتله ناسياً لإحرامه أو ذاكراً.
          قال مجاهد والحسن: هو العامد للصيد مع نسيان الإحرام حال قتله، فإن قتله عامداً ذاكراً فأمره إلى الله، ولا حكم عليه؛ لأنه أعظم من أن يكون له كفارة.
          {مِّثْلُ مَا قَتَلَ}: في صورته وشبهه أو قيمة الصيد يصرف مثله من النعم وهي الإبل والبقر والغنم، فإن انفردت الإبل وحدها قيل لها: نعم بخلاف غيرها.
          قال الفراء: هو ذكر لا يؤنث.
          {يَحْكُمُ بِهِ}: أي: بالمثل {هدياً بالغ الكعبة}: الحرم كله؛ لأن الكعبة فيه، ويجوز فيه من الصغار ما لا يجوز في الأضحية خلافاً لأبي حنيفة.
          {أَوْ كَفَّارَةٌ}: يشتري بقيمة المثل طعام، أو بقيمة الصيد أو عدل الطعام صياماً عن كل مد يوماً أو ثلاثة أيام، أو عن كل صاع يومين، وهي مخيرة أو مرتبة المثل، ثم الطعام ثم الصيام، قاله ابن عباس، وقد سلف كلام (خ) في العدل، وقرئ بالكسر، وأنكرت؛ لأنه للحمل، وقيل: هما لغة عن ابن ناصر.
          {وَبَالَ أَمْرِهِ}: بالتزام الكفارة، ووجوب التوبة.
          {عَمَّا سَلَف}: أي: قبل التحريم {وَمَنْ عَادَ} بعد التحريم {فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ}: بالجزاء أو عقوبة الآخرة، إذ من قتله بعد التحريم مرة بعد أخرى انتقم الله منه بالعقوبة دون الجزاء عند ابن عباس، أو بهما عند الجمهور، ويقال: اذهب ينتقم الله منك؛ أي: ذنبك أعظم كاليمين الغموس.
          قال الزهري: ويملأ بطنه وظهره ضرباً وجيعاً، وبذلك حكم الشارع في صيد وج: واد بالطائف.
          {صَيْدُ الْبَحْرِ} أي: مصيده {وَطَعَامُهُ}: أي: طافيه وما لفظه أو مملوحه {مَتَاعًا لَّكُمْ}: أي: مدخر.
          وأما أثر أنس فأخرجه ابن أبي شيبة، عن مروان بن معاوية، وأما أثر ابن عباس فذكره إسماعيل ابن أبي زياد الشامي في ((تفسيره))، وكأن (خ) ذكر هذا التعليق ليستدل به على ما روي عن الحسن وعطاء أنهما قالا: ذبيحة المحرم ميتة، وهو الصحيح من مذهب الشافعي.
          وقال ابن التين: على قول ابن عباس عامة العلماء.
          وقال ابن بطال: ما ذكراه قول / جماعة العلماء لا خلاف بينهم أن الداجن كله من الإبل والبقر والغنم والدجاج وشبهه يجوز للمحرم ذبحها؛ لأن الداجن كله غير داخل في الصيد.
          وأما حمام مكة فليس من الداجن، وهو داخل في الصيد المحرم.
          واتفق أئمة الفتوى بالحجاز والعراق أن المحرم إذا قتل الصيد عمداً أو خطأً فعليه الجزاء، منهم: الليث والأوزاعي والثوري والأربعة، وخالف أهل الظاهر فقالوا: لا يجب الجزاء إلا على المتعمد للآية؛ لأن دليل الخطاب يقتضي أن الخاطئ بخلافه وإلا لم يكن لتخصيص المتعمد معنى.
          وأغرب محمد بن عبد الله المالكي فقال: لا جزاء في غير العمد ولا في العمد إذا تكرر، وليس عليه إن عاد إلا ما أوعده الله به أو يعفو عنه.
          واختلف في تأويل قوله تعالى: {فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}، فقال مالك والشافعي ومحمد ابن الحسن: المراد بالآية: إخراج مثل الصيد من النعم إن كان له مثل، ففي النعامة بدنة، وفي بقر الوحش وحماره بقرة، والغزال عنز، والأرنب عناق، واليربوع جفرة.
          وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: الواجب: القيمة وإن كان له مثل قوله: {لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ} وهو عام في جميع الصيد سواء كان له مثل أو لم يكن، ومعلوم أن ما لا مثل له من جنسه ونظيره فإن الواجب في مثله القيمة، فصار المراد بالمثل القيمة، في أحد الأمرين.
          وجوابه أن قوله: {فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95] المراد به: مثل المقتول، ولو اقتصر عليه ولم يقيده بالنعم لكان الواجب في النعامة نعامة، وفي بقر الوحش بقرة، فلما قال: {مِنَ النَّعَمِ}، أوجب أن يكون الجزاء مثل المقتول من النعم لا من غيره، ومثله من النعم ليس هو القيمة، والمماثلة من طريق الخلقة مشاهدة محققة، والتخصيص بالنعم من سائر الحيوان دال على ذلك، مخرج الدراهم وغيرها.
          فإن قلت: أين مماثلة الشاة للحمامة؟ قلت: لأن الطير ليس من النعم، والجزاء لا يكون إلا هدياً، وهو أقل ما يسمى هدياً.
          وإن قتل جماعة واحداً لزمهم جزاء واحد عند الشافعي، خلافاً لمالك.
          واختلف في قوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ}، قال مالك: لا يجوز أن يكون القاتل أحد العدلين، وجوزه الثوري والشافعي، واختلف أصحاب أبي حنيفة على القولين.
          واتفق الأئمة الأربعة وأبو ثور أن هذه الكفارة مخيرة للإتيان فيها بـ {أَو} فإن أهدي وإن شاء صام، وإن شاء تصدق، وقال الحسن والنخعي: إن لم يكن عنده جزاؤه تغرم ثلاثة دراهم، وقيل: إن الحاكم مخير، وفيه بعد؛ لأن القاتل هو المخاطب.
          واختلف في الصوم المعدل بالقيمة: فكان بعضهم يقول: يصوم عن كل مدين يوماً، هذا قول ابن عباس، وبه قال الثوري والكوفيون وأحمد وإسحاق وأبو ثور، لحديث كعب بن عجرة السالف، وقال بعضهم: يصوم عن كل مد يوماً، وهو قول عطاء ومالك والشافعي.
          قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن صيد البحر مباح للمحرم اصطياده وبيعه وشراؤه؛ أي: لمفهوم الآية فحرمة الصيد ثابتة للمحرم في الحل والحرم، وفي الحرم للمحرم وغيره.
          أقول: فإن قلت: ما الحكمة في تحليل صيد البحر للمحرم دون صيد البر، فإن كان السبب الإحرام فينبغي أن صيدهما بالسواء في الحل والحرمة، وإن كان غيره مما هو.......... أن يصيد المحرم ميتة وهو حرام عليه وعلى غيره أكله، وميتة البحر حلال كما سبق، وللحديث كقوله ◙: ((أحلت لنا ميتتان: السمك والجراد))، فإذا كان ميتة البحر حلالاً كان حكم البحر غير حكم البر؛ فإن ميتة البر لا تحل بالاتفاق، وميتة البحر تحل عند الشافعي وجماعة، وجواز أكل ميتته دون البر وهو مصيد المحرم فيقصر تأتي حيوان البحر على الطافي بمائه ما في البر.......... مصيد المحرم هو ميتة ففي البري لا يؤكل وفي البحري يؤكل.
          أو نقول: إن صيد البر يحتاج إلى عمل طويل غالباً / في صيد حيوانه، وفي البحر يحصل بدون ذلك حتى إن غالب سواحل البحار إذا بقيت تتابع بها سمك يمسك بالأيدي بدون شبكة وكلفة فكأنه حيث يحتاج هناك إلى عمل طويل، فكأنه يصير شاغلاً له عن ما هو بصدده من مصالح الحج دون صيد البحر؛ فإنه لا يشغله الصيد عما هو بصدده لما قلناه.
          فإن قلت: ليس للحج مصالح قبل أن يصل إلى مكة، فلو أشغله الصيد لا يضر؟
          قلنا: من جملة أشغاله النظر في مناسك الحج، ويعلمها إن لم يكن يعلمها، ويذكرها إن علمها، وبالاشتغال بالصيد يفوت ذلك.
          أو نقول: إن صيد البر له سبب آخر في الحرمة، وذلك إذا دخل الصيد البري الحرم صار حراماً صيده، فقد يطرق الحرمة إليه بوجه آخر بسبب آخر، بخلاف صيد البحر؛ فإنه باق على حلة الأصل، ولو وجد في بئر أو بركة بالحرم حل صيده قال تعالى: {لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل:14] لم يحرم في وقت من الأوقات سبب من الأسباب، ولا مكان من الأمكنة.
          وأيضاً إن الله تعالى كان قد حرم على بني إسرائيل صيد السمك يوم السبت فأراد تشريف هذه الأمة فأحله لها حتى في حالة الإحرام، فلو حرم صيد البحر في حالة الإحرام لسببه لزعمت اليهود أن ذلك طبق دينهم، فبالغ جل ذكره في حل ذلك.
          وأيضاً: إن الغالب في صيد البر أن يكون للتنزه والترف فاقتضت الحكمة الإلهية أن يحرم حالة الإحرام الصيد؛ لئلا يشتغل بأمر من أمور الدنيا ولذة من لذاتها، ويؤيده تحريم الطيب والنساء ولبس المخيط إلى غير ذلك من الأمور الدنيوية، وفي مذهب مالك: أن الصيد للترف والتنزه حرام مطلقاً في كل حال إلا للحاجة؛ فإنه حلال ففي حالة الإحرام من باب أولى.
          وفي الآية الشريفة يستنبط من الفقه: أن لو زاد البحر ودخل الحرم أو صار في طريق ميقات من المواقيت هل يجوز له صيد البحر أم لا؟ الأصح: نعم، والذي في عبور الحرم والآبار كذلك حكمه؛ لأن قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة:96] لا يشمل الحيوان المائي.
          ويمكن أن يقال: إنما حرم صيد البر دون البحر؛ لأن منازل البر معينة للمحرم، وفي بعضها قليلة كذات عرق فإن بينها وبين مكة مسيرة يومين فلا يعسر عليه أن لا يصطاد تلك الأيام التي يقطع فيها تلك المنازل المعدودة بخلاف راكب البحر إذا كان محرماً من دويرة أهله؛ فإنه ربما تأتي ريح تمنع راكب البحر أياماً كثيرة عن الوصول إلى مكة المشرفة، فلو حرم صيد البحر عليه لزم الحرج، وربما أن راكب البحر لا يجد قوتاً إلا صيده بخلاف البر.
          وأيضاً: المواقيت المؤقتة للإحرام في البر، وليس في البحر ميقات، فناسب أن يكون الصيد حراماً لمن أتى الميقات وأحرم منه بحج أو عمرة، والبحر لا تعلق له بذلك، فلو سكت عن ذلك توهم واهم أن من أحرم من غير الميقات كمن يحرم من دويرة أهله لا يجوز له صيد البحر إذا وقع في طريقه بحر، كما لا يجوز للسائر في البر أن يصطاد بعد الإحرام، سواء كان قبل الميقات أو من الميقات، والله أعلم.
          هذا ما لخصته من الكتب وجمعته في هذه المسألة.
          قال ابن الملقن ⌂: وحديث أبي قتادة مخرج في (م) أيضاً والأربعة، ويأتي في الهبة والأطعمة والجهاد والمغازي والذبائح، وقد ترجم عليه (خ) هنا تراجم:
          أحدها: إذا رأى المحرمون صيداً فعجلوا ففطن الحلال، ثم ساقه، وباب لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد، وباب لا يشير المحرم إلى الصيد، ثم ساق أثر أنس وابن عباس، وحديث أبي قتادة.
          فيه من الفقه: أن لحم الصيد حلال أكله للمحرم إذا لم يصد أو لم يصد من أجله وصاده / حلال، وفي ذلك دليل أن قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة:96] أن معناه: الاصطياد، وقتل الصيد وأكله لمن صاده، وإن لم يصده فليس ممن عني الآية.
          واختلف في هذه المسألة، فذهبت طائفة إلى أنه يجوز للمحرم أكل ما صاده الحلال، وروي عن عمر وعثمان والزبير وعائشة وأبي هريرة، وإليه ذهب الكوفيون، وذهبت طائفة إلى أن ما صاده الحلال للمحرم أو من أجله فلا يجوز له أكله، وما لم يصد له فلا بأس بأكله، وهو الصحيح عن عثمان، وروي عن عطاء، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود.
          قال أبو عمر: وهو أعدل المذاهب، وعليه يصح استعمال الأحاديث وتحريمها، وفيه مع ذلك نص حسن يعني: حديث جابر الآتي.
          وذكر ابن القصار أن المحرم إذا أكل ما صيد من أجله فعليه الجزاء استحسان لا قياس، وعند أبي حنيفة والشافعي: لا جزاء عليه.
          وروى جابر مرفوعاً: ((صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه، أو يصاد لكم))، صححه الحاكم على شرط الشيخين.
          وقالت طائفة: لحم الصيد محرم على المحرم على كل حال.
          واختلف فقالت طائفة: إن دل محرم حلالاً على صيد أو أشار إليه أو ناوله سيفاً أو شبهه حتى قتله فعلى المحرم الدال الجزاء، روي ذلك عن علي وابن عباس، وقال به عطاء والكوفيون وأحمد وإسحاق، واحتجوا بقوله: ((هل أشرتم أو أعنتم؟)) قالوا: لا، فدل ذلك أنه إنما يحرم عليهم إذا فعلوا شيئا من هذا، ولا يحرم عليهم بما سوى ذلك، فجعل الإشارة والمعاونة كالقتل؛ وقال مالك وابن الماجشون والشافعي وأبو ثور: لا جزاء على الدال، وهو قول أصبغ.
          وفيه: أنه لا يعان المحرم على الصيد بقول ولا فعل ومجاوزة أبي قتادة المواقيت يحتمل أن يكون لم يقصد نسكاً وإنما جاء لكثرة الجمع(1)، ويجوز أن تكون المواقيت إذ ذاك.
          قال الأثرم: كنت أسمع أصحاب الحديث يتعجبون من هذا الحديث، ويقولون: كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات غير محرم، ولا يدرون ما وجهه حتى رأيته مفسراً في رواية عياض بن عبد الله عن أبي سعيد؛ أي: في ((الصحيح)): قال: خرجنا مع رسول الله صلعم فأحرمنا، فلما كنا مكان كذا وكذا إذا نحن بأبي قتادة، كان النبي صلعم بعثه في شيء قد سماه، فذكر حديث الحمار الوحشي.
          وعند الطحاوي: بعث النبي صلعم أبا قتادة على الصدقة، قال أبو سعيد: وخرج هو صلعم وأصحابه محرمون حتى نزلوا عسفان.
          وفي ((الإكليل)): للحاكم من حديث الواقدي عن ابن أبي شيبة، عن موسى بن قيس، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: سلكنا في عمرة القضية على الفرع، وقد أحرم أصحابي غيري فرأيت حماراً، الحديث.
          وزعم المنذري أن أهل المدينة أرسلوه إلى رسول الله صلعم يعلمونه أن بعض العرب ينوي غزو المدينة، والثابت في ((الصحيح)): خرجنا مع رسول الله صلعم فمنا المحرم، ومنا غير المحرم، وفي لفظ: أحرم الصحابة ولم يحرم هو.
          قوله: ((يضحك بعضهم إلى بعض)): ووقع في رواية: ((يضحك بعضهم إلي)): بتشديد الياء وهو خطأ _كما قال القاضي_ والصواب: ((يضحك بعضهم إلى بعض))، فأسقط لفظة ((بعض)) والصواب إثباتها؛ لأنهم لو ضحكوا إليه كانت إشارة منهم، وقد صرح في الحديث أنهم لم يشيروا إليه.
          قال النووي: لا يمكن رد هذه الرواية فقد صحت هذه والرواية الأخرى وليس في واحد منهما دلالة ولا إشارة إلى الصيد، وأن مجرد الضحك ليس / فيه إشارة منهم، وإنما تعجبوا من عروض الصيد ولا قدرة لهم عليه، ومنعهم منه.
          وكذا قال ابن التين: يريد أنهم لم يخبروه بمكان الصيد حتى رآه بنفسه ولا أشاروا إليه.
          وفي الحديث: ما يقتضي أن ضحكهم ليس بدلالة ولا إشارة، وإنما لم يضحك ◙ ضحك المحرمين بعضهم إلى بعض دلالة على الصيد فأباح لهم أكله؛ لأن ضحك المحرم إلى المحرم مثله ممن لا يحل له الصيد لا حرج فيه، وإن كان قد آل إلى أن تنبه عليه أبو قتادة فلم يكن أبو قتادة عندهم ممن يقتنص صيداً، ولذلك لم يجب عليهم جزاء.
          قوله: ((أرفع فرسي شأواً)) أي: أرفعه في سيره وأجريه، والشأو: الطلق والغاية، ومعناه: أركضه ركضاً شديداً وقتاً، وأسهل سيره وقتاً.
          وقال ابن التين: الرفع دون الحصر والشأو: الرفعة، وهو أشبه بالحديث، وقيل: الشأو: الغاية.
          وقال ابن فارس: السبق، قال: ومرفوع الناقة في السير خلاف موضوعها.
          قوله: ((وهو قائل السقيا)): قال ابن التين: هي سقيا بني غفار.
          قلت: وهو بضم السين المهملة وسكون القاف ثم مثناة تحت ثم ألف مقصورة.
          قال عياض: وهي قرية جامعة بين مكة والمدينة من عمل الفرع.
          قال أبو عبيد: قال كثير: إنما سميت بذلك لما سقته من الماء العذب، وهي كثيرة الآبار والعيون والبرك، وكثير فيها صدقات للحسين بن زيد.
          وقال ياقوت: هي من البحر على ستة فراسخ.
          وفي ((الأماكن)): للزمخشري السقيا: السيل الذي تفرع في عرفة بمسجد إبراهيم.
          أقول: قال ابن عبد الحق في ((المراصد)): سقيا _بالضم، ثم السكون_ قرية جامعة من عمل الفرع، بينهما مما يلي الجحفة تسعة عشر ميلاً، وقيل: تسعة وعشرون.
          وقيل السقيا: من أسافل أودية تهامة.
          وقيل السقيا: بركة وأحساء غليظة دون سميراء للمصعد إلى مكة منها إليها أربعة أميال.
          والسقيا: قرية على باب منبج، وقيل: بئر بالمدينة. وسقيا الجزل: من بلاد عذرة.
          قوله: ((قائل السقيا)): فيه وجهان: أصحهما _كما قال النووي_ من القيلولة يعني: تركته بتعهن، وفي عزمه أن يقيل بالسقيا.
          والثاني بالموحدة، وهو ضعيف غريب، وكأنه تصحيف وإن صح فمعناه: أن تعهن موضع مقابل السقيا.
          وتعهن: بالمثناة فوق.
          قال أبو عبيد: صح أنها موضع بين القاحة والسقيا.
          وقال صاحب ((المطالع)): تعهن: عين ماء، وهي على ثلاثة أميال من السقيا، وهي بكسر الأول والثالث، كذا ضبطناه عن شيوخنا، وضبطناه عن بعضهم بفتح أوله وكسر ثالثه، وإسكان العين في كلا الضبطين.
          وعن أبي ذر: تعهن، قال: سمعت العرب تقوله بضم التاء وفتح العين وكسر الهاء، قال: وهذا ضعيف.
          قوله: ((إنهم خشوا أن يقتطعوا دونك)): وقع في رواية أبي الحصين ولا وجه. كما قال ابن التين.
          قوله: ((وعندي منه فاضلة)): أي: قطعة فضلت وهيئت.
          قوله للقوم: ((كلوا)): وهم محرمون، فيه: جواز أكل المحرم من الصيد إذا لم يصد من أجله، ولم يعن عليه ولا أشار كما سلف.
          وغيقة في ((الفائق)) بفتح الغين المعجمة ثم مثناة تحت ثم قاف ثم هاء.
          قال أبو عبيد: هو موضع رسم رضوى لبني غفار بن سليك، وهو بين مكة والمدينة.
          وقال يعقوب: غيقة: قليب / لبني ثعلبة حذاء النواشر، والنواشر: قارات بأعالي وادي المياه لهم ولأشجع.
          قال أبو عبيد: وغيقة لبني غفار صحيح.
          وفي ((شرح شعر كثير)) ليعقوب: غيقة حساء على شاطئ البحر فوق العذيبة، قال: وغيقة أيضاً: سرة واد لبني ثعلبة، وقال مرة: غيقة: موضع عند حرة النار لبني ثعلبة بن سعد بن ذبيان.
          أقول: قال ابن عبد الحق في ((المراصد)): غيقة بالفتح، ثم السكون، ثم القاف، ثم الهاء موضع بظهر الحرة، حرة النار لبني ثعلبة، وقيل: بين مكة والمدينة، في بلاد غفار.
          وقيل: خبت في ساحل بحر الحار، فيه أودية، وقيل: حساء على شاطئ البحر فوق العذيبة، وقيل: مويهة عليها نخل بطرف جبل جهينة.
          قوله: القاحة بقاف ثم ألف ثم حاء مهملة خفيفة على ثلاث مراحل من المدينة قبل السقيا بنحو ميل.
          قال عياض: كذا قيدوه، ورواه بعضهم عن (خ) بالفاء، وهو وهم والصواب: بالقاف.
          وزعم ابن إسحاق في ((مغازيه)): أنها بفاء وجيم، ورد على ذلك ابن هشام.
          وقال الحازمي: هي موضع بين الجحفة وقديد.
          قوله: ((فأثبته)): أي: تركته في مكان لا يفارقه، وكانت فرسه يقال لها: الجرادة.
          قوله: ((خشينا أن نقتطع)): ضبط بالتاء والنون وبالمثناة تحت.
          قال ابن قرقول: أي يحوزنا العدو عنك، ومن حملتك وكذلك: تقتطع دوننا؛ أي: يسلب ويحال بيننا وبينك.
          وقال القرطبي: أي: خفنا أن يحال بيننا وبينهم ويقتطع بنا عنهم.
          وقوله: ((إنا أصدنا حمار وحش)): كذا هو مضبوط بتشديد الصاد، وفي نسخة: ((صدنا)).
          قال ابن التين في الأول: كذا وقع واللغة على ((صدنا)): من صاد يصيد، وكذا وقع عند الأصيلي: <صدنا>، وقال بعضهم: من أدغم فعلى لغة من يقول: مصبر في مصطبر، وقرأ بعضهم: {أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} [النساء:128].
          قوله: ((بالقاحة)): من المدينة على ثلاث.
          والأكمة: الرابية، وجمعه: آكام، ويجمع الآكام على أكم، والأكم على آكام.
          و((الأتان)): الأنثى من الحمر وجمعها: أتن.
          قوله: ((انطلقنا مع النبي صلعم عام الحديبية)): وفي الباب الأخير: ((أن رسول الله صلعم خرج حاجاً)): والحديبية لا حج فيها، وإنما كانت عمرة ولم يحج إلا حجة الوداع، فالمراد: ((حاجاً)): أي: معتمراً؛ لأنه القصد.
          قوله: ((فأحرموا كلهم إلا أبو قتادة)): هذا على قول الكوفيين؛ لأنه استثناء من الموجب، ولم يجزه البصريون.
          قوله: ((فبصر أصحابي بحمار وحش)): كذا وقع لأبي ذر: <فبصر>، وجاء في رواية: ((أعنتم أو اصدتم؟)): بتشديد الصاد وتخفيفها، يعني: أمرتم به أو جعلتم من يصيره(2)، وقيل معناه: أثرتم الصيد من موضعه، يقال: أصدت الصيد مخففة أي: أثرته. وهو أولى من رواية: ((اصدتم)): بالتشديد؛ لأنه على الأمر علم أنهم لم يصيدوا، وإنما سألوه عما صاده غيرهم.
          نعم قال أبو درستويه(3): اصدتم من كلام العامة. وقال الخليل وغيره: لم [نرى] من قاله بالألف.
          وفي ((المحكم)): عن ابن الأعرابي: صدنا كما قال: وهو من جيد كلام العرب ولم يفسره، قال ابن سيده: وعندي أنه يريد: استثرنا كما يقال: يستثار.
          قلت: ولعل هذا هو الموقع لمن قال: أصدت؛ أي: أثرت.
          والذي في ألفاظ ((الصحيح)): أن النبي ◙ أكل منه، ووقع في الدارقطني عن أبي قتادة: أي إنما اصطدته. وقوله: ولم يأكله: لا أعلم أحداً ذكره في هذا الحديث غير معمر، وهو موافق لما روي عن عثمان وابن عباس.
          وقال غيره: هذه لفظ غريبة لم نكتبها إلا من هذا الوجه.
          وفي أكل المحرم الصيد مذاهب:
          1- أنه ممنوع مطلقاً صيد لأجله أم لا، وهذا مذكور عن بعض السلف، وروي عن علي، وابن عمر وابن عباس.
          2- أنه ممنوع إن صاده أو صيد لأجله سواء كان بإذنه أو بغير إذنه، وهو مذهب مالك والشافعي.
          3- إن كان باصطياده أو بإذنه أو بدلالته حرم وإلا فلا، وإليه ذهب أبو حنيفة. وقال ابن العربي: / يأكل ما صيد وهو حلال، ولا يأكل ما صيد بعد، وحديث أبي قتادة هذا يدل على جواز أكله في الجملة، وهو على خلاف المذهب الأول.
          فائدة: صيد البر أكثر ما يكون توالده ومثواه في البر، وصيد البحر ما يكون توالده ومثواه في الماء.


[1] هنا بياض في الأصل.
[2] لعل الصواب: ((يصيده)).
[3] لعل الصواب: ((ابن درستويه)).