مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب بدء الأذان

          ░1▒ باب بدء الأذان
          هو الإعلام.
          وفي الشرع: الإعلام بدخول وقت الصلاة المكتوبة.
          واستفتحه (خ) بقوله تعالى: {إِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ} الآية [المائدة:58] وقوله تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ} [الجمعة:9] إما للتبرك أو لذكر الأذان فيهما، أو لأن ذلك كان بدء الأذان، وأن ذلك كان بالمدينة، فإنهما مدنيتان، والحديثان اللذان أوردهما عقب ذلك كانا بالمدينة.
          لقوله: ((كان المسلمون حين قدموا المدينة)) وقد قال ابن عباس: الأذان نزل مع الصلاة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة:9] مع أنه قد روي أن الأذان كان ليلة الإسراء كما ذكره أحمد بن فارس وغيره.
          وأصل مشروعية الأذان رؤية عبد الله بن زيد في السنن (د، ت، ق) ومستدرك الحاكم وغيره فوافق ما رآه ◙ تلك الليلة، واقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الأذان على لسان غيره من المؤمنين؛ لما فيه من التنويه من الله بعبده، والرفع لذكره، قال تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4].
          والحديث الأول: حديث أنس: ذكروا النار.. الحديث.
          وقد أخرجه (م) وباقي الستة، وذكره (خ) أيضا في ذكر بني إسرائيل، وفي النسائي أن الآمر بذلك هو رسول الله صلعم، وهو يرجح أن هذه الصيغة وهي: أمر مقتضية للرفع، وهو الأصح.
          وصححها ابن حبان والحاكم. والمراد معظم الأذان شفع، وإلا فالتكبير في أوله أربعاً ولا إله إلا الله في آخره مرة، وكذلك المراد بالوتر معظم الإقامة وإلا فلفظ الإقامة والتكبير في أوله مثنى، ولهذا استثنى لفظ الإقامة من قوله: ((ويوتر الإقامة إلا الإقامة)).
          وإنما لم يستثن التكبير؛ لأنه على لفظه في الأذان، فكأنه وتر. وحاصل مذهبنا أن / الأذان تسع عشرة كلمة بإثبات الترجيع والإقامة إحدى عشرة، وأسقط مالك تربيع التكبير في أوله وجعله مثنى، وجعل الإقامة عشرة بإفراد كلمة الإقامة.
          وقال أبو حنيفة: هو خمس عشرة بإسقاط الترجيع، وزاد في الإقامة كلمة الإقامة.
          وحكي عن أحمد أنه لا يرجع، ثم المشهور عندنا سنة الأذان والإقامة، وبه قال مالك وأبو حنيفة. وعن مالك: تجب في الجماعة.
          وقال عطاء وداود ومجاهد: هو فرض وقال أحمد: إنه فرض كفاية. وقال ابن المنذر: هو فرض في حق الجماعة في السفر والحضر.
          الحديث 2-
          حديث ابن عمر: كان المسلمون حين قدموا المدينة.. الحديث.
          الكلام فيه من وجوه:
          أخرجه (م) أيضاً. ومعنى يتحينون: يقدرون ويطلبون أحيانها، ويأتون إليها فيها. والحين: الوقت والزمان. والناقوس توقف الجواليقي هل هو عربي أو معرب. والنقس: ضرب الناقوس.
          قال في ((الصحاح)): وفي الحديث: كادوا ينقسون. وصححه ابن التين بالنون، فقال: كانوا. ثم شرع يستشكله، ولا إشكال. وفي أبي داود: حتى نقسوا أي: كادوا أن ينقسوا.
          وقول عمر: ((أولا تبعثون رجلا)) الظاهر أنه إعلام ليس على صفة الأذان الشرعي، بل إخبار بحضور وقتها، جمعاً بينه وبين رؤيا عبد الله بن زيد فإنه بدأ بالأذان، فالواقع أولا الإعلام، ثم لما رآه عبد الله بن زيد شرعه ◙: إما بوحي كما ذكره ابن إسحاق في ((السيرة))، ويجوز أن يكون باجتهاد منه لا لمجرد المنام، ويحتمل أن يكون عمر لما رأى بقول الرؤيا وصحتها قال: ألا تنادون بالصلاة؟ فأقره الشارع وأمر به.
          قوله: ((قم فناد بالصلاة)) ليس فيه التعرض للقيام في حال الأذان، والمشهور أنه سنة.
          فوائد: في ابن ماجه من حديث الزهري عن سالم عن أبيه قصة رؤيا عبد الله بن زيد.
          وفي آخره: قال الزهري: وزاد بلال في نداء صلاة الغداة: الصلاة خير من النوم. فأقرها النبي صلعم. ولما خرجه ابن خزيمة في ((صحيحه)) أتبعه بأن قال: بسنده عن ابن عمر، قال: إن بلالاً كان يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، حي على الصلاة.
          فقال له عمر: قل في إثرها: أشهد أن محمداً رسول الله فقال ◙: ((قل كما أمرك عمر))، وعن أبي حنيفة أنه يقوله أي: التثويب بعد الأذان، لا فيه، وصححه قاضي خان.
          وفي ((المصنف)) عن محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي صادق أنه كان يجعل آخر أذانه: لا إله إلا الله والله أكبر، وقال: هكذا كان آخر أذان بلال.
          قال البيهقي بعد أن أخرجه من فعل مؤذن علي: وكذا فعله أبو يوسف صاحب أبي حنيفة.
          وروى البيهقي عن ابن عمر أنه قال: الأذان ثلاث ثلاث. وقسموه غير الشهادتين والحيعلتين أيضاً.
          وفي ((القواعد)) لابن رشد: أذان البصريين تربيع التكبيرة الأول، وتثليث الشهادتين وحي على الصلاة وحي على الفلاح، يبدأ بأشهد أن لا إله إلا الله، حتى يصل حي على الصلاة، ثم يعيد كذلك مرة ثانية، يعني: الأربع كلمات تسعاً، ثم يعيد ثالثة، وبه قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين
          قال والدي ⌂:
          ((الأذان)) الإعلام لغة، واصطلاحا الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ عينها الشارع مثناة.
          فإن قلت: ما الفرق بين ما في الآيتين من النداء إليها والنداء لها. قلت: صلات الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام فقصد في الأول معنى الانتهاء، / وفي الثاني معنى الاختصاص.
          قوله: ((عمر أمر)) بضم الهمزة أي: أمره الرسول، وقال بعضهم مثل هذا اللفظ موقوف لاحتمال أن يكون الآمر غير رسول الله، والصواب الذي الأكثر أنه مرفوع لأن إطلاق مثله ينصرف عرفاً إلى صاحب الأمر والنهي وهو رسول الله صلعم.
          وأيضاً مقصود الراوي بيان شرعيته وهو لا يكون إلا إذا كان الأمر صادراً عن الشارع.
          قوله: ((يشفع)) بفتح الياء والفاء؛ أي: يأتي بألفاظ مثناة ((ويوتر الإقامة)) أي: يأتي بها فرادى والإقامة هي الإعلام بالشروع في الصلاة بالألفاظ التي عينها الشارع وامتازت عن الأذان بلفظ الشروع والتمييز بهذا اللفظ خير من التمييز بلفظ فرادى فشمل الامتياز في جميع المذاهب لأن الحنفي لا يقول بإفراد ألفاظها بل بتثنيتها.
          فإن قلت: ظاهر الأمر للوجوب لكن الأذان سنة. قلت: ظاهر صيغة الأمر له لا ظاهر لفظه يعني: أمر وههنا لم يذكر الصيغة.
          سلمنا أنه للإيجاب لكنه لا يجاب الشفع لا لأصل الأذان، ولا شك أن الشفع واجب ليقع الأذان مشروعاً كما أن الطهارة واجبة لصحة صلاة النفل.
          ولئن سلمنا أنه لنفس الأذان يقال إنه فرض كفاية لأن أهل بلدة لو اتفقوا على تركه قاتلناهم، وأن الإجماع مانع من الحمل على ظاهره.
          وذكر العلماء في حكمة الأذان أربعة أشياء: إظهار شعار الإسلام وكلمة التوحيد والإعلام بدخول وقت الصلاة وبمكانها والدعاء إلى الجماعة.
          وأقول: وفي اختيار القول دون شيء آخر حكمة عظيمة، وهي أن القول كيفية تعرض للنفس الضروري فالإعلام به أشمل لذلك ولعدم الاحتياج إلى الإدواة وأنه ميسر لكل أحد غنياً وفقيراً في كل زمان وكل مكان برا وبحراً.
          ((يريد الله بكم اليسر)) ثم الحكمة في إفراد الإقامة وتثنية الأذان أن الأذان لإعلام الغائبين فيكرر ليكون أبلغ في إعلامهم والإقامة للحاضرين فلا حاجة إلى تكرارها، وإنما كرر لفظ الإقامة؛ لأنها هي المقصود فيها.
          فإن قلت: لفظ الله أكبر أيضاً مكرر. قلت: صورته مكررة لكنها بالنسبة إلى الأذان إفراد، ولهذا قال أصحابنا استحب للمؤذن أن يقول كل تكبيرتين بنفس واحد.
          القاضي عياض: الأذان كلمة جامعة لعقيدة الإيمان مشتملة على نوعية من العقليات والنقليات وإثبات الذات وما يستحقه من الكمال؛ أي: الصفات الوجودية ومن العدمية أي: الصفات العدمية.
          ولفظ الله أكبر مع اختصارها دالة على ما ذكرناه ثم صرح بإثبات الوحدانية ونفي الشركة وهو عمدة الإيمان المقدمة على كل وظائف الدين، ثم صرح بالشهادة للرسالة لنبينا صلعم التي هي قاعدة جميع العبادات وموضعها بعد التوحيد؛ لأنها من باب الأفعال الجائزة الوقوع وتلك المقدمات من باب الواجبات وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقلية فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقه تعالى ثم دعاهم إلى الصلاة بعد إثبات النبوة؛ لأن معرفة وجوبها من جهة النبي صلعم لا من جهة العقل ثم دعا إلى الفلاح / وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم.
          وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء وهو آخر تراجم معاقد الإسلام قال ثم كرر ذلك بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها، وهو متضمن لتأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان وليدخل المصلي فيها على بينة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظمة حق من يعبده وجزيل ثوابه.
          وقال أبو حنيفة: تثنى الإقامة كلها والحديث حجة عليه. الخطابي: الذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد الإسلام أن الإقامة فرادى.
          ومذهب عامة العلماء أنه يكرر لفظ قد قامت الصلاة إلا مالكاً فإن المشهور عنه أنه لا يكرره وقال فرق بين الأذان والإقامة في التثنية والإفراد ليعلم أن الأذان إعلام بورود الوقت والإقامة إمارة لقيام الصلاة ولو سوى بينهما لاشتبه الأمر في ذلك وصار سبباً لأن تفوت كثيرا من الناس صلاة الجماعة إذا سمعوا الإقامة فظنوا أنها الأذان.
          قوله: ((يتحينون)) أي: يقدرون حينها ليأتوا إليها و((ليس ينادي)) قال ابن مالك: هذا شاهد على جواز استعمال ليس حرفا لا اسم لها ولا خبراً أشار إليه سيبويه ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن، والجملة بعدها خبر.
          ((والبوق)) بضم الموحدة الذي ينفخ فيه و((القرن)) بفتح القاف ولا منافاة بينه وبين ما تقدم من أن النار لليهود لجواز أن يكون الأمرين لهم.
          قوله: ((أولا تبعثون)) الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر أي: أتقولون لموافقتهم ولا تبعثون.
          وفيه منقبة لعمر في إصابته الصواب، وفيه التشاور في الأمور المهمة وأنه ينبغي للمتشاورين أن يقول كل منهم ما عنده. قال القاضي: ظاهره أنه إعلام ليس على صفة الأذان الشرعي بل إخبار بحضور وقتها وقال في لفظ قم حجة لشرع الأذان قائماً، وأنه لا يجوز قاعداً.
          النووي: الاستدلال به ضعيف لأن المراد بهذا النداء الإعلام لا الأذان المعروف، ولأن المراد قم فاذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس من بعيد، وليس فيه تعرض للقيام في حال الأذان.
          قال وأما السبب تخصيص بلال به فقد جاء في سنن الترمذي وغيره أن رسول الله صلعم قال لعبد الله بن زيد ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك أي: أرفع صوتاً أو أطيب فيؤخذ منه استحباب كون المؤذن رفيع الصوت وحسنه.