مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الصبر على الأذى

          ░71▒ باب الصبر على الأذى
          وقول الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم} [الزمر:10] (1).
          فيه حديث أبي موسى عن النبي صلعم قال: ((ليس أحد أو: ليس شيء أصبر)) الحديث.
          وحديث شقيق عن عبد الله: قسم النبي صلعم قسمة لبعض ما كان يقسم... الحديث.
          قوله: (ليس أحد أصبر) أوله ابن فورك على الحلم.
          قوله: (أما لأقولن) صوابه كما قال ابن التين أن تكون مخففة، ووقع في بعض الروايات بتشديد الميم، وليس ببين، والرب جل جلاله ذكر جزاء الأعمال وجعل له نهاية وحدًّا فقال تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160] وجعل جزاء الصدقة في سبيله غير هذا فقال: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ}الآية [البقرة:261]. وجعل أجر الصابرين بغير حساب، ومدح أهله فقال: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ} [الشورى:43] الآية.
          وفي (م): ((والصبر ضياء)) والصبر على الأذى من باب جهاد النفس وقمعها عن شهواتها ومنعها عن تطاولها، وهو من أخلاق الأنبياء والصالحين، وإن كان قد جعل الله النفوس على تألمها من الأذى ومشقته، ألا ترى أنه ◙ شق عليه تجوير الأنصاري له في القسمة حتى تغير وجهه وغضب، ثم سكن ذلك منه علمه بما وعد الله تعالى على ذلك من جزيل الأجر، واقتدى ◙ بصبر موسى ◙ على أكثر من أذى الأنصاري له؛ رجاء ما عند الله.
          وللصبر أبواب غير الصبر على الأذى.
          روي عن علي مرفوعاً: ((الصبر ثلاثة: فصبر على المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن(2) المعصية، فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله ثلاثمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة ما بين السماء والأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة ما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش، ومن صبر على المعصية كتب الله له تسعمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة ما بين تخوم الأرض السابعة إلى منتهى العرش مرتين)).
          وروى يزيد الرقاشي عن أنس أنه ◙ قال: ((الإيمان نصفان: نصف في الصبر، ونصف في الشكر)).
          وروى ابن المنكدر عن جابر / بن عبد الله أنه ◙ سئل عن الإيمان فقال: ((السماحة والصبر)).
          وقال الشعبي: قال علي: الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.
          وعامة المواضع التي ذكر الله فيها الصبر وحث عليه عباده إنما هي مواضع الشدائد ومواطن المكاره التي يعظم على النفوس فعلها، ويشتد عندها جزعها، كل ذلك محن وبلاء؛ ألا ترى قوله ◙ للأنصار: ((لن تعطوا عطاء خيراً وأوسع من الصبر)).
          والصبر في لسان العرب: حبس النفس عن المطلوب حتى تدركه، ومنه نهيه ◙ عن صبر البهائم، يعني: عن حبسها للتمثيل بها، ورميها كما ترمى الأغراض. ومنه قولهم: حبس الحاكم بيمين فلان. يعني: حبسه عن حلفه.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وأسلفت أن الله ذكر الصبر في القرآن في تسعة وتسعين موضعاً وذكرت آياتها)).
[2] في هامش المخطوط: في (خ): ((على)).