مجمع البحرين وجواهر الحبرين

كتاب التيمم

          ░░7▒▒ كتاب التيمم
          هو في اللغة: القصد والتعمد، وهو ما ذكره (خ) في التفسير في سورة المائدة. أعني: التعمد، ورواه ابن أبي حاتم وابن المنذر عن سفيان.
          وهو في الشرع: إيصال التراب للوجه واليدين بشرائط مخصوصة، والأصل فيه من الكتاب ما استفتح به (خ) كتابه حيث قال: وقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} [المائدة:6].
          ومن السنة أحاديث الباب، وقام الإجماع على جواز التيمم للحدث الأصغر، وفي الجنابة أيضًا، وخالف فيه عمر بن الخطاب، وابن مسعود، والنخعي، والأسود كما نقله ابن حزم.
          وقد ذكروا رجوع عمر، وابن مسعود، وفي ((المصنف)): أفتى أبو عطية بأنه لا يصلى بالتيمم، وهو رخصة، وفضيلة خصت بها هذه الأمة دون غيرها من الأمم.
          والصعيد هو: التراب، والطيب: الطاهر، وقيل: الحلال، ثم ساق ا(خ) حديثين:
          أولهما: حديث عائشة: قالت: خرجنا مع رسول الله صلعم... الحديث.
          وهو حديث عظيم أخرجه (خ) في أربعة مواضع أخر: في التفسير، وفضائل أبي بكر، والنكاح، والمحاربين.
          وأخرجه (م) في الطهارة، وللنسائي: سقطت قلادة بالبيداء ونحن داخلون المدينة، في رواية له: ((عرس ◙ بأولات الجيش)). قال عمار: فانقطع عقد عائشة.
          وعند أبي داود: بعث أسيد بن حضير وأناسًا معه، فحضرت الصلاة، فصلوا بغير وضوء. قال أبو داود في كتاب ((التفرد)): الذي تفرد به من هذا الحديث: أنهم لم يتركوا الصلاة حين لم يجدوا الماء، فصلوا بغير وضوء؛ لأن بعض الناس يقول: إذا لم يجد الماء لا يصلي.
          وعند الترمذي من طريق هشام، عن أبيه، عن عائشة: أن قلادتها سقطت ليلة الأبواء، يعني في صفر سنة اثنتين من الهجرة، ولابن ماجه من حديث عمار قال: فانطلق أبو بكر إلى عائشة لما نزلت الرخصة، فقال: ما علمت أنك لمباركة.
          ولأبي محمد إسحاق بن إبراهيم البستي في ((تفسيره)) من حديث ابن أبي ملكية عنها أن القائل لها: ما كان أعظم بركة قلادتك رسول الله صلعم.
          وللطبراني من حديث الزبير، عن عائشة: قالت: لما كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا خرجت مع رسول الله صلعم في غزوة أخرى، فسقط أيضًا عقدي حتى حبس الناس على التماسه وطلع الفجر، فلقيت من أبي بكر ما شاء الله وقال: يا بنية، في كل سفر تكونين عناءً وبلاءً، ليس مع الناس ماء، فأنزل الله الرخصة في التيمم، فقال أبو بكر: ما علمت إنك لمباركة.
          وفي بعض ألفاظ ((الصحيح)): أنه ضاع عقدها في غزوة المريسيع التي كان فيها قصة الإفك.
          قال ابن سعد: خرج رسول الله صلعم إلى المريسيع يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس، ورجحه الحاكم في ((إكليله)). وقال (خ) عن ابن إسحاق: سنة ست. / وروى يونس عنه في ((مغازيه)) أن ذلك في شعبان. قال (خ): وقال موسى بن عقبة: سنة أربع.
          أجمع أهل السير أن قصة الإفك كانت في غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق. وفي ((الصحيح)): أنه ضاع عقدها في هذه الغزوة. واختلف في تاريخ خروجه ◙ إلى هذه الغزوة كما حكيناه آنفًا.
          ثم اختلفوا متى فرض التيمم؟ على قولين:
          أحدهما: في المريسيع سنة ست، قاله ابن التين.
          ثانيهما: سنة أربع. قال ابن الجوزي: زعم ابن حبيب أن عقدها سقط في الرابعة في غزوة ذات الرقاع، وفي غزوة بني المصطلق سنة ست قصة الإفك. قلت: يرد هذا رواية الطبراني السالفة: أن الإفك قبل التيمم.
          البيداء: الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق مكة كما قاله البكري، وزعم أن سقوطه كان بمكان يقال له: الضلضل، بمعجمتين. قال: وهو الصحيح، وأما الجوهري فذكره بمهملتين، وذات الجيش من المدينة على بريد، ذكره أبو عبيد عن القتبي.
          قولها: ((انقطع عقدي)) بكسر العين ثم قاف: كلما يعقد ويعلق في العنق، ويقال له: قلادة، وسلف أنها من جزع ظفار، وفي رواية: أنها استعارت قلادةً من أسماء فهلكت.
          فإن قلت: ظاهر الحديث أنهما قضيتان في حالين. قلت: بل كانت واحدة، وإنما الرواية تختصر وتخالف بين العبارات، فإن القلادة كانت لأسماء واستعارتها منها عائشة فأضافتها إليها بقولها: ضاع عقدي.
          قلت: رواية الطبراني السالفة تخالف هذا، ويقويه رواية (ت) السالفة أنه كان سنة اثنين، فيجوز أن يقال بالتعدد، وأن في واحدة: ((سقط عقدها))، وفي أخرى: ((سقط عقد أختها)).
          فائدة: ورد في خبر أن ثمنه اثنا عشر درهمًا، ذكره ابن بطال، وقيل: كان ثمنه يسيرًا، حكاه ابن التين.
          قولها: ((يطعنني)) بضم العين، وحكى صاحب ((المطالع)) فتحها. وفي ((المجمل)): الفتح بالقول، والضم بالرمح، وقيل: كلاهما بالضم، حكاه في ((الجامع)).
          والخاصرة معروفة، وهي: منقطع الأضلاع إلى الجحفة، كما قاله صاحب ((المحكم)).
          قولها: ((فأنزل الله آية التيمم)) أي: التي في المائدة التي تلاها (خ)، وأما الواحدي فذكرها في سورة النساء، فقال: قوله تعالى في سورة النساء: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43] ثم ساق حديث (خ).
          وقال أبو بكر بن العربي: هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء، آيتان فيهما ذكر التيمم.
          وقال ابن بطال: هي آية المائدة وآية النساء أن الوضوء كان لازمًا لهم قبل ذلك، والآيتان مدنيتان، ولم تكن صلاة قبل إلا بوضوء، فلما أنزلت آية التيمم لم يذكر الوضوء، لأنه متقدم متلو، الآن حكم التيمم هو الطارئ على الوضوء، وقيل: يحتمل أن يكون أولًا نزل أول الآية، وهو فرض الوضوء، ثم نزل عند هذه الواقعة آية التيمم، وهذا تمام الآية وهو تمام الآية، وهو: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة:6]، ويحتمل أن الوضوء كان بالسنة لا بالقرآن ثم أنزلا معًا، فعبرت عائشة بالتيمم إذ كان هو المقصود.
          وجزم القرطبي وغيره أنها عنت بذلك آية النساء؛ لأن آية المائدة ذكر / فيها الوضوء بالماء والتيمم، وغسل الجنابة، وفي النساء لم يذكر الوضوء، وإنما ذكر التيمم عند عدم الماء بغير ذكر الأسباب التي كانت معروفة عندهم، فكانت النساء أخص بها من المائدة.
          و((أسيد بن حضير)) هو: بضم الهمزة والحاء المهملة وبالضاد المعجمة المفتوحة وآخره راء، ابن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس، كذا ذكره ابن عبد البر، وصوابه حذف رافع بينهما، وكان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، وهو صاحب الظلة التي رآها وهو يقرأ سورة الكهف، وهو صاحب العصا التي أوقد مع عباد بن بشير، مات بالمدينة سنة عشرين.
          قولها: ((فبعثنا البعير التي كنت عليه، فأصبنا العقد تحته)) وفي الرواية التي تأتي في الباب بعده: فبعث رسول الله رجلًا فوجدها.
          وفي رواية أخرى: بعث أسيد بن حضير وأناسًا معه في طلبها. زعم الداودي أن هذا مما لا يشك في تضاده.
          قال: ولا أرى الوهم إلا في رواية ابن نمير. يعني الثانية. قال: وحمل إسماعيل بن إسحاق على رواية ابن نمير، وجعله مناقضًا لحديث مالك.
          ورد ذلك ابن أبي صفرة بأنه يحتمل أن يكون المبعوث أسيدًا فوجدها بعد رجوعه من طلبها، ويحتمل أن يكون الشارع وجدها عند إثارة البعير بعد انصراف المبعوثين إليها، فلا تعارض إذن.
          وهذا كله إنما يأتي إذا قلنا باتحاد الواقعة، فإن قلنا بتعددها فلا تعارض، ويحتمل أن يعني بالرجل الأمير على جماعة، وعينه بعضهم بأسيد وأصحابه، واقتصر عليه بعضهم.
          وفيه: ابتداء مشروعية التيمم، وذكر البرقي في ((معرفة الصحابة)) أن الأسلع قال لرسول الله صلعم يومًا: إني جنب وليس عندي ماء. فأنزل الله آية التيمم، وحكاه الجاحظ في ((برهانه)) قولًا، وهو غريب.
          وفي ((المصنف)) عن أبي هريرة: لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع، فأتيت النبي صلعم، فضرب بيديه ضربةً إلى الأرض فمسح وجهه وكفيه، وهو مشكل إذ التيمم كان قبل إسلامه.
          وفيه: حرمة الأموال الحلال، ولا تضيع وإن قلت.
          وفيه: جواز حفظ الأموال، وإن أدى إلى عدم الماء في الوقت، قاله ابن مسلمة المالكي في ((مبسوطه)) وعلى هذا يجوز للإنسان سلوك طريق يتيقن فيه عدم الماء طلبًا للمال.
          وفيه: شكوى المرأة إلى والدها، وإن كان لها زوج.
          وفيه: خروج النساء مع الرجال في الأسفار والغزوات، وذلك مباح إذا كان العسكر كثيرًا يؤمن عليه الغلبة.
          وفيه: الإقامة على موضع لا ماء فيه للمصلحة، إذ في الحديث: وليسوا على ماء.
          وفيه: جواز القلادة للنساء.
          وفيه: جواز السفر بها بإذن الغير.
          وفيه: جواز وضع الرجل رأسه على فخذ امرأته.
          وفيه: جواز دخول الوالد على ابنته وإن كان زوجها نائمًا بغير إذنه والإنصاف منها بغير إذنه.
          وفيه: تأديب الرجل ولده بالقول والفعل والضرب، وإن كان كبيرًا خارجًا عن بيته متزوجًا.
          وفيه: احتمال المشقة لأجل المصلحة؛ لقولها: ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلعم.
          وفيه: معاتبة من نسب إلى قريب أو جريمة كما عاتب الصديق ابنته على حبس الجيش بسببها.
          وفيه: نسبة الفعل إلى من هو سببه وإن لم يفعله؛ لقولهم: ألا ترى ما صنعت عائشة. فنسب الفعل إليها إذا كان سببها.
          الحديث 2-
          حديث يزيد الفقير عن جابر مرفوعًا: ((أعطيت خمسًا..)) الحديث. أخرجه (خ) أيضًا في الصلاة، وبعضه في فرض الخمس، وأخرجه (م) في الصلاة، و(ن) في الطهارة.
          ويزيد هذا ليس فقيرًا، وإنما / لقب بذلك؛ لأنه كان مكسور فقار ظهره. قال في ((المحكم)): رجل فقير: مكسور فقار ظهره.
          وعد كون الأرض مسجدًا وطهورًا خصلةً واحدة، وإلا كانت ستا.
          وفي (م): ((فضلت على الأنبياء بست، وأعطيت جوامع الكلم، وختم بي النبيون)) وعنده أيضًا: ((فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وتربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء)) والأعداد لا تدل على الحصر، ويجوز أن يكون أعلمه الله تعالى بالقليل ثم بالكثير.
          قوله: ((لم يعطهن أحد قبلي)) أي: لم تجمع لأحد قبله.
          والنصر بالرعب: ذاك غير الخوف والوجل. والشفاعة: الطلب أو الدعاء. والمسجد: بفتح الجيم وكسرها، والمراد به هنا: موضع السجود.
          قوله: ((فأيما رجل)) ما زائدة؛ لتوكيد الشرط، والفاء في ((فليصل)) جواب الشرط، والطهور هو المطهر. وفيه: إظهار كرامة الآدمي؛ لأنه خلق من ماء وتراب، فجعلها الله طهورين بهذا.
          واستدل به من جوز التيمم بجميع أجزاء الأرض، وقال أبو حنيفة ومالك، حتى جوازه بصخرة مغسولة، وفيه نظر؛ لأن من الدالة على التبعيض في الآية تقتضي أن يمسح بشيء يحصل على الوجه واليدين بعضه.
          وقد أنصف الزمخشري، فإنه أبرز ما ذكرناه في صورة سؤال يدل على المنع بالحجر ونحوه، وأجاب بقوله: قلت: هو كما نقول الحق أحق من المراء. وأبعد ابن كيسان، وابن علية فقالا بجوازه بالمسك والزعفران، نقله عنهما النقاش في ((تفسيره)).
          قوله: ((فأيما رجل من أمتي أدركه الصلاة فليصل)) هذا عام إلا ما خرج بدليل، كالمكان المغصوب ونحوه، وتكره الصلاة في مواطن كالحمام، وغيره. ولم يأت في أثر، كما قال ابن بطال، عن المهلب: أن الأرض منعت من غيره مسجد، وقد كان عيسى ◙ يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة فالمجموع ثبت له، وغيره لم يحصل له طهور.
          وقد يؤخذ من هذا أنه لا يجوز التيمم إلا بعد دخول الوقت كما هو مذهب الجمهور، وقد يؤخذ منه أيضًا تيمم الحضري إذا عدم الماء وخاف فوت الصلاة.
          والغنائم: جمع غنيمة، وكانت قبلنا ممن له الجهاد إذا حصلوها جاءت نار فأحرقتها، فأباحها الله تعالى له.
          والألف واللام في الشفاعة للعهد، وهي العظمى المختصة به، وله ◙ شفاعات ومن ذلك بعثه إلى الناس عامة. وفي هذا دلالة على أن الحجة تلزم بالخبر كما تلزم بالمشاهدة، وذلك أن الآية المعجزة باقية وهي القرآن قائمةً بما فيه؛ لبقاء دعوته، ووجوبها على من بلغته إلى آخر الزمان.
          قال والدي ⌂:
          التيمم وهو في اللغة القصد يممته؛ أي: قصدته وتيممته؛ أي: تعمدته، وفي الاصطلاح: القصد إلى التراب بمسح الوجه واليدين بنية استباحة الصلاة ونحوها، وهو إما مجاز لغوي أو حقيقة شرعية.
          قال ابن السكيت: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا} [النساء:43] أي: اقصدوا الصعيد ثم كثر استعمالهم حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب.
          قوله: ((قول الله)) مبتدأ و((فلم تجدوا)) خبره؛ أي: قول الله في شأن التيمم هذه الآية. اعلم أن التيمم ثابت بالكتاب والسنة والإجماع وهو خصيصة خص الله سبحانه بهذه الأمة، وأجمعوا على أن التيمم لا يكون إلا في الوجه واليدين سواء كان عن / حدث أصغر أو أكبر سواء عن الأعضاء كلها أو بعضها.
          ((والبيداء)) بفتح الموحدة وبالمد ((وذات الجيش)) بفتح الجيم وسكون التحتانية وبإعجام الشين موضعان بين المدينة وخير وكلمة ((أو)) للشك من عائشة.
          أقول: قال ياقوت: البيداء اسم لأرض ملساء بين مكة والمدينة وهي إلى مكة أقرب تعد من الشرق أمام ذي الحليفة.
          و((العقد)) بكسر العين، القلادة وهو كل ما يعقد ويعلق في العنق، قوله: ((يطعنني)) بضم العين وحكى فتحها، و((الخاصرة)) الشاكلة وخصر الإنسان بفتح المنقطة وسكون المهملة وسطه، و((فخذي)) بفتح الفاء وسكون الخاء وكسرها، وبكسر الفاء وكسر الخاء وسكونها.
          و((أصبح)) أي: دخل في الصباح وليس من الأفعال الناقصة التي تحتاج إلى خبر لأنه إذا كان بمعنى الدخول في الوقت تكون تامة وتسكت عن مرفوعها، ولفظ: على غير ماء متعلق بقام، وأصبح على طريقة تنازع العاملين.
          و((فتيمموا)) صيغة الماضي؛ أي: فتيمم الناس بعد نزول الآية، وهي قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} الآية [النساء:43]، أو صيغة الأمر على ما هو لفظ القرآن ذكره بياناً أو بدلاً عن آية التيمم؛ أي: أنزل الله تعالى: {فَتَيَمَّمُواْ} الآية.
          قوله: ((أسيد)) تصغير أسد ((بن حضير)) بإهمال المضمومة وفتح المعجمة وإسكان التحتانية وبالراء، وفي بعضها: بالنون، وفي بعضها: ((الحضير)) باللام التعريفية، وهو نحو الحادث من الأعلام التي تدخله لام التعريف جوازاً، وهو أبو يحيى الأنصاري الأشهلي الأوسي أحد النقباء ليلة العقبة الثانية مات بالمدينة سنة عشرين، وحمل عمر جنازته مع من حملها وصلى عليه ودفن بالبقيع.
          قوله: ((ما هي)) أي: ليس هذه البركة أول بركتكم، والبركة هي كثرة الخير والآل والأهل والعيال والآل أيضاً الأتباع وهو لا يطلق إلا على أهل بيت الأكابر لا يقال آل الحجام بل يقال آل السلطان، وفي بعضها: ((بآل أبي بكر)) بحذف الهمزة والألف من الآل تخفيفاً.
          قوله: ((كنت)) أي: كنت راكبة عند السير ((عليه فأصبنا)) أي: فوجدنا.
          قوله: ((خمساً)) أي: خمس خصال و((الرعب)) بضم الراء الخوف، و((الطهور)) بفتح الطاء على اللغة المشهورة.
          فإن قلت: التيمم مبيح للصلاة لا مطهر ولا رافع للحدث. قلت: مطهر ما دام عاجزاً عن استعمال الماء.
          قوله: ((فأيما رجل)) زيد لفظة ((ما)) على ((أي)) لزيادة التعميم، وفي بعضها: بعد لفظ رجل لفظ: ((من أمتي)). قوله: ((فليصل)) أي: حيث أدركته الصلاة إذ الأرض كلها مساجد، وقيل: معناه فليتيمم وليصل ليناسب الأمرين المسجد والطهور.
          و((الغنائم)) جمع: الغنيمة، وهو مال حصل من الكفار بإيجاف خيل وركاب، وفي بعضها: ((المغانم)) الجوهري: الغنيمة والمغنم بمعنى واحد.
          قوله: ((الشفاعة)) وهو سؤال فعل الخير وترك الضر عن الغير لأجل الغير على سبيل الضراعة. فإن قلت: الشفاعة ثابتة لسائر الأنبياء والأولياء. قلت: المراد بها الشفاعة العظمى، وهي المراد بالمقام المحمود، وهي شفاعة عامة تكون في المحشر حين يفزع الخلائق إليه صلعم.
          النووي: الشفاعة خمسة أقسام:
          أولها: مختصة بنبينا صلعم، وهي الإراحة من هول الموقف وطول الوقوف.
          والثانية في إدخال قوم الجنة بغير حساب.
          والثالثة: الشفاعة لقوم استوجبوا النار.
          والرابعة: فيمن دخل النار من المذنبين.
          والخامسة: الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها.
          قوله: ((عامة)) أي: لقومه ولغيره من العرب والعجم والأسود والأحمر، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ} [سبأ:28].
          قال ابن بطال: فيه دليل أن الحجة تلزم بالخير كما تلزم بالمشاهدة، وذلك أن المعجزة باقية مساعدة للخير مبينة له رافعة لما يخشى من آفات الأخبار، وهي القرآن الباقي، وخص الله نبيه صلعم ببقاء معجزته لبقاء دعوته ووجوب قبولها على من بلغته إلى آخر الزمان.
          وفيه: ما خصه الله / به من الشفاعة وهو أنه لا يشفع في أحد يوم القيامة إلا شفع فيه كما ورد قل يسمع اشفع تشفع، ولم يعط ذلك من قبله من الأنبياء، وأما الأرض فالذي خص به منها أنها جعلت طهوراً بالتيمم ولم يكن ذلك للأنبياء قبله، وأما كونها مسجداً فلم يأت في أثر أنها منعت من غيره، وقد كان عيسى ◙ يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة فكأنه قال: جعلت لي مسجداً وطهوراً وجعلت لغيري مسجداً، ولم تجعل له طهوراً.
          وفيه حيث قال: فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل يعني: يتيمم ويصلي دليل على تيمم الحضري إذا عدم الماء وخاف فوت الصلاة، وعلى أنه لا يشترط التراب إذ قد تدركه في موضع من الأرض لا تراب عليها بل رمل أو جص أو غيرهما.
          النووي: احتج به مالك وأبو حنيفة في جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض، واحتج الشافعي وأحمد بالرواية الأخرى وهي وجعلت تربتها لنا طهوراً في أنه لا يجوز إلا بالتراب خاصةً، وحملا ذلك على المطلق لا على هذا المقيد، وقال: معنى جعلت مسجداً أن من كان قبلنا إنما أبيح لهم الصلوات في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس.
          وقيل: الذين قبلنا كانوا لا يصلون إلا فيما تيقنوا طهارته من الأرض، وخصصنا نحن بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما تيقنا نجاسته، ومعنى أعطيت الشفاعة هي الشفاعة العامة لإزالة فزع جميع الخلائق، وقيل: المراد شفاعة لا ترد، وقيل: شفاعته لخروج من قلبه مثقال ذرة من إيمان من النار.
          أقول: فلقوله جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً توجيهات ثلاثة، وكذا للشفاعة المختصة.
          فإن قلت: المذكورات أكثر من خمس خصال. قلت: ليس أكثر إذ ما يتعلق بالأرض خصلة واحدة.
          الخطابي: نصرت بالرعب معناه: أن العدو يخافني وبيني وبينه مسيرة شهر، وذلك من نصرة الله إياه على العدو.
          ((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) إحدى هاتين اللفظتين يدخلها التخصيص بالاستثناء المذكور في الخبر الآخر وهو إلا الحمام والمقبرة وبالإجماع في النجس من بقاع الأرض واللقطة الأخرى محتملة، وبيانها في الحديث الآخر وهو جعل ترابها لنا طهوراً.
          ((وأحلت لنا الغنائم)) أي: لأن الأمم المتقدمة كانوا على ضربين منهم من لم يبح للأنبياء منهم جهاد الكفار فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من أبيح لهم، وكانوا إذا غنموا مالاً جاءته نار فأحرقته ولا يحل لهم أن يملكوه كما أبيح لهذه الأمة انتهى كلام والدي ⌂.
          أقول: قد استشكل الخمسة قوله: نصرت بالرعب فإن قلت: قد يرى بعض الظلمة له أنه يخافه ويرغب فيه من هو على مسافة شهر منه. قلت: الخوف يملئن والرعب يتصور، ولكن النصرة من مسيرة شهر هي الخصيصة أن يتضمن على عدوه مع رعب عدوه لا الرعب وحده.
          فإن قلت: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً قد كان غيره من الأنبياء وأممهم يسبحون ويسافرون في الأرض، وكانوا يصلون فكيف كانت صلاتهم في أسفارهم. قلت: ربما يقال والله أعلم أنه ما كان يجوز لهم أن يصلوا إلا في اللباس والبيع المبينة في البلاد، فإذا كانوا في الصحارى ما كان لهم أن يصلوا حيث ما شاءوا ولكن يتخذون قطعة من الأرض كنيسة أو سعة فيصلون فيها، وفي ديننا لا يحتاج إلى إيجاد مسجد ليصلي فيه فتصح الصلاة في المسجد مسجداً وفي غيره، وهذا جواب بأن غير ما سبق / فإن قلت: قد كان يتخذ السواري والعبيد في الأديان كنصر هاجر وإخدام سارة هاجر، ويسري بها إبراهيم صلعم، والسراري والعبيد من الغنائم فقد أجلب لغيرنا.
          قلت: الغنائم تشمل المناطق والصامت، وإنما النار كانت تأكل الصامت لا الناطق فإنه لم يرد أن النار كانت تنزل وبحرف العبيد والحوار الحاصلين من الغنائم، وإنما كانت تحرق غير ذلك كرأس البقرة التي أتى بها حين غلها بعض بني إسرائيل، فنزلت النار فأكلته والجواب عن الشفاعة سبق(1).
          فإن قلت: نوح كانت دعوته عامة بدليل دعائه العام بقوله: {رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح:26] فلو لم....(2) يجز له الدعاء عليهم. قلت: عنه جوابان:
          1- أنه دعاء على الكافرين بأذن من الله يشعر به قوله تعالى: {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} [هود:36] فحين تحقق عدم إيمانهم دعا عليهم.
          2- ما سيأتي في حديث الشفاعة: ائتوا نوحاً أول نبي يعبد الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحاً فيقول لست هناكم قال: ويذكر خطيئة التي أصاب سؤاله ربه بغير علم فيكون دعاؤه على غير قومه خطيئة منه لأنه دعا على غير قومه، وجواب ثالث أن قوله من الكافرين أي من قومي تعقيب دعوته خاصة كما هو الحق فظهر خصوصية الخمس بسند الأولين والآخرين صلعم.
          قال الزركشي: قوله ((في بعض أسفاره)) قيل: هي غزوة بني المصطلق بالمريسيع سنة ست، بالبيداء هو ذو الحليفة أو ذات الجيش وراء ذي الحليفة، وعند أبي داود: أولات الجيش، قوله: ألا ترى ما صنعت كذا لجميعهم بإثبات ألف الاستفهام، وعند الحموي: لا نرى بحذفها، ويطعن بضم العين، وحكي فتحها، قيل: والطعن بالبدأ أن ما يستعمل مضارعة بضم العين على خلاف القياس.
          وقال النووي: يقال: طعن في الحرب يطعن بالضم على المشهور، ويقال: بالفتح وطعن في النسب يطعن بالفتح، ويقال: بالضم قوله: فأنزل الله آية التيمم، ولم يقل آية الوضوء هو إن كانت آية النساء والمائدة مندوبان بالوضوء لأن الذي طرأ في ذلك الوقت حكم التيمم وكانوا مأمورين بالوضوء قبل ذلك بدليل قولها وليس معهم ماء.


[1] في هامش المخطوط: لما سيأتي في حديث الشفاعة في ذكر نوح بعث إلى أهل الأرض فكونوا أمته.
[2] بياض في المخطوط.