مجمع البحرين وجواهر الحبرين

كتاب الصوم

          ░░30▒▒ كتاب الصوم
          هو في اللغة: الإمساك، قال ابن سيده: الصوم: ترك الطعام والشراب والنكاح والكلام، صام صوماً وصياماً واصطام، ورجل صائم وصوم وقوم صوام وصيام وصيم ونساء صوم.
          وفي ((الصحاح)): ورجل صومان.
          وهو في الشرع: إمساك مخصوص في زمن مخصوص من شخص مخصوص مع النية، بشرائط مخصوصة.
          وروي عن علي أنه لما صلى الفجر قال: الآن حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وقال ابن عساكر: قام الإجماع على أن الخيط الأبيض الصباح، وأن السحور لا يكون إلا قبل الفجر، ولم يخالف فيه إلا الأعمش، ولم يعرج أحد على قوله لشذوذه.
          وروى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ثنا أصحاب محمد صلعم قال: أحيل الصوم على ثلاثة أحوال: صيام ثلاثة أيام لما قدم المدينة، ثم صوم رمضان، ومن لم يصم أطعم مسكيناً، ثم نزلت: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}الآية [البقرة:185]، فكانت الرخصة للمريض والمسافر.
          وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ _ولم يسمع منه_ قال: أحيل الصيام على ثلاثة أحوال، وذلك أن سيدنا رسول الله صلعم بعدما قدم المدينة جعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وصام عاشوراء، فصام سبعة عشر شهراً من ربيع الأول إلى شهر رمضان، ثم قال: ((إن الله تعالى أنزل عليكم: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}الآية [البقرة:183])).
          قلت: الذي عليه المؤرخون: أن فريضة رمضان إنما نزلت في شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً من الهجرة، وأغرب البغوي فقال: يقال: نزلت قبل بدر بشهر وأيام.
          أقول: قال ابن العربي في ((الأحوذي)): كان من قبلنا من الأمم صومهم الإمساك عن الكلام(1) مع الطعام والشراب، فكانوا في / حرج، ثم أرخص الله لهذه الأمة بحذف نصف زمانها وهو الليل، وحذف نصف صومها عن الفم، وهو الإمساك عن الكلام، ورخص لها فيه أن معها بالكرامة في أعلى الدرج، فوقعت في ارتكاب الزور واقتراف المحظور في حرج، فأنبأ الله سبحانه على لسان نبيه صلعم: أنه إن اقترف أحد زوراً أو أن من القول محظوراً أن الله سبحانه في غنى عن الإمساك عن طعامه وشرابه إذا لم يمسك من لسانه، وليس لله حاجة في شيء ولا يناله بالسكوت إذ الكلام نيل، ولكن يناله التقوى، والصيانة عن الزور والخنا ليجزل عليها الثواب، ويكرم بها في المآب، وهذا يقتضي تشديده في تهديده أنه لا ثواب له على صيامه، معناه: أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور، بل قال الزهاد: إن الصوم على أربعة أقسام:
          1- الصوم عن الطعام والشراب والوطئ، وهو صوم العوام.
          2- صوم المرء عن المحظور من القول والفعل، وهو صوم العوام أيضاً، وبهذين الشرطين يصح له ثواب الصوم، ويسقط به عنه اللوم.
          3- أن يصوم عن ذكر غير الله، وهو صوم أهل الخصوص، فلا يتكلم بشيء من الدنيا، وهو نحو من الاعتكاف في بيت المولى.
          4- هو صوم خصوص الخصوص: أن يصوم عن غير الله فلا يفطر إلا برؤيته ولقائه، وإذا كان الصيام هكذا فهو الذي قال تعالى فيه: ((كل حسنة بعشر أمثالها إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به))، وإنما يكون إذا كان خالصاً عن شوب النية ورمض المعصيات. انتهى كلام ابن العربي ☺.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: قوله تعالى عن مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [مريم: 26]))