مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما يكره من التمادح

          ░54▒ باب ما يكره من التمادح
          فيه حديث أبي موسى قال: سمع النبي صلعم رجلاً يثني على رجل الحديث.
          وحديث أبي بكرة، أن رجلاً ذكر عند رسول الله فأثنى عليه رجل خيراً، الحديث.
          حديث أبي موسى سلف في الشهادات، وكذا حديث أبي بكرة، وأخرجه (م) آخر ((صحيحه))، وأخرج الأول عن شيخ (خ)، والإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه، وهو رباعي غير مهموز، وقيل: المدح بما ليس فيه.
          ومعنى الحديث والله أعلم النهي أن يفرط في مدح الرجل بما ليس فيه، فيدخله من ذلك الإعجاب، ويظن أنه في الحقيقة بتلك المنزلة / ، ولذلك قال ◙: ((قطعتم ظهر الرجل))، حين وصفتموه بما ليس فيه، فربما حمله ذلك على العجب والكبر، وعلى تضييع العمل وترك الازدياد، واقتصر على حاله من حصل موصوفاً، بما وصف به. وكذلك تأول العلماء في قوله ◙: ((احثوا التراب في وجوه المداحين)) أن المراد به: المداحون الناس في وجوههم بالباطل وما ليس فيهم.
          ولذلك قال عمر: المدح هو الذبح. ولم يرد به من مدح رجلاً بما فيه، فقد مدح رسول الله صلعم في الشعر والخطب والمخاطبة، ولم يحث في وجوه المداحين التراب، ولا أمر بذلك، كمدح أبي طالب فيه:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه                     ثمال اليتامى عصمة للأرامل
          وكمدح العباس وحسان له في كثير من شعره وكعب بن زهير، وقد مدح رسول الله الأنصار فقال: ((إنكم لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع)) ومثله قوله ◙: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى، قولوا: عبد الله)) أي: لا تصفوني بما ليس بي من الصفات، تلتمسون بذلك مدحي، كما وصفت النصارى عيسى بما لم يكن فيه فنسبوه إلى البنوة، فكفروا وضلوا. فأما وصفه بما فضله الله به وشرفه فحق واجب على كل من بعثه الله إليه من خلقه، وذلك كوصفه ◙ نفسه بما وصفها فقال: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض)).
          وفي هذا: أن من رفع امرءاً فوق حقه، وتجاوز به مقداره بما ليس فيه فمتعد آثم؛ لأن ذلك لو جاز في أحد لكان أولى الخلق به نبينا ◙، ولكن الواجب أن يقتصر كل أحد على ما أعطاه الله من منزلة، ولا يعدى به إلى غيرها من غير قطع عليها.