إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: فإني أحب أن أسمعه من غيري

          4582- وبه قال: (حَدَّثَنَا صَدَقَةُ) بن الفضل المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”أخبرني“ بالإفراد (يَحْيَى) بن سعيدٍ القطَّان (عَنْ سُفْيَانَ) الثَّوريِّ (عَنْ سُلَيْمَانَ) بن مهران الأعمش (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النَّخعيِّ (عَنْ عَبِيدَةَ) بفتح العين وكسر الموحَّدة، ابن عمرٍو السَّلمانيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ) هو ابن مسعودٍ (قَالَ يَحْيَى) بن سعيدٍ القطَّان بالإسناد السَّابق: (بَعْضُ الحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) بفتح العين، و«مرَّة» بضمِّ الميم وتشديد الرَّاء، الجَمَليِّ _بفتح الجيم والميم_ أبي عبد الله الكوفيِّ الأعمى(1)، أي: من رواية الأعمش عن عمرو بن مرَّة عن إبراهيم؛ كما صرَّح بذلك في «باب البكاء عند قراءة القرآن» [خ¦5055] حيث أخرجه عن مسدَّدٍ عن يحيى القطَّان بالإسناد المذكور، وقال بعده: قال الأعمش: وبعض الحديث حدَّثني عمرو بن مرَّة عن إبراهيم، والحاصل: أنَّ الأعمش سمع الحديث من إبراهيم النَّخعيِّ، وسمع بعضه‼ من عمرو بن مرَّة عن إبراهيم؛ يعني: عن عَبيدة عن ابن مسعودٍ أنَّه (قَالَ قَالَ لِي النَّبِيُّ صلعم : اقْرَأْ عَلَيَّ) زاد في «باب من أحبَّ أن يسمع القرآن من غيره» [خ¦5049] من طريق عمر بن حفصٍ، عن أبيه، عن الأعمش: «القرآن» وهو يَصْدُقُ بالبعض (قُلْتُ: آقْرَأُ) بمدِّ الهمزة(2) (عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! قَالَ: فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي) قال ابن بطَّالٍ: يُحتَمل أن يكون أحبَّ أن يسمعه من غيره؛ ليكون عَرْضُ القرآن سنَّةً أو ليتدبَّره ويتفهَّمه؛ وذلك أنَّ المستمع أقوى على التَّدبُّر، ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ؛ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها، وهذا بخلاف قراءته صلعم على أُبَيِّ بن كعبٍ، فإنَّه أراد أن يعلِّمه كيف أداء القراءة ومخارج الحروف(3) (فقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى(4) بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا} قَالَ) ╕ : (أَمْسِكْ) وفي(5) «باب البكاء عند قراءة القرآن» [خ¦5055]: قال لي: «كفَّ أو أمسك» على الشَّكِّ (فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ) بالذَّال المعجمة وكسر الرَّاء، خبر المبتدأ؛ وهو «عيناه»، و«إذا» للمفاجأة، أي: تُطلِقَان دمعهما، وبكاؤه ╕ على المُفرِطِين، أو لِعِظَم ما تضمَّنته الآية من هول المَطْلَع وشدَّة الأمر، أو هو(6) بكاء فرحٍ لا بكاء جزعٍ؛ لأنَّه تعالى جعل أمَّته شهداء على سائر الأمم، كما قال الشَّاعر:
طَفَحَ السُّـرورُ عليَّ حتَّى إنَّه                     من عِظْمِ ما قد سرَّني أبكاني
          وهذا الأخير نقله صاحب «فتوح الغيب» عن الزَّمخشريِّ.
          وفي هذا الحديث ثلاثةٌ من التَّابعين على نسقٍ واحدٍ، وأخرجه أيضًا في «فضائل القرآن» [خ¦5049] وكذلك النَّسائيُّ.


[1] في (د) و(م): «الأعمش» ولعلَّه تحريفٌ.
[2] «بمدِّ الهمزة»: سقط من (د).
[3] في (د): «أداء القرآن ومخارج القراءة».
[4] زيد في (د): «إذا».
[5] في (د): «وزاد في».
[6] «هو»: ليس في (د).