إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

{وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا}

          ░24▒ ({وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا}) أي: زوجها ({نُشُوزًا}) بأن يتجافى عنها ويمنعها نفقته ونفسه، أو يؤذيها بشتمٍ أو ضربٍ ({أَوْ إِعْرَاضًا}[النساء:128]) بتقليل المحادثة والمؤانسة بسبب طعنٍ في سنٍّ أو دمامةٍ أو غيرهما، و{امْرَأَةٌ}: فاعلٌ بفعلٍ مضمرٍ واجب الإضمار، وهو من باب الاشتغال، والتَّقدير: وإن خافت امرأة خافت، ولا يجوز رفعه بالابتداء؛ لأنَّ أداة الشَّرط لا يليها إلَّا الفعل عند جمهور البصريِّين.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) فيما وصله ابن أبي حاتمٍ: ({شِقَاقَ}) يريد قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}[النساء:35] أي: (تَفَاسُدٌ) وأصل الشِّقاق: المخالفة وكون كلِّ واحدٍ من المتخالفين في شقٍّ غير صاحبه، ومحلُّ ذكر هذه الآية قبلُ على ما لا يخفى.
          ({وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ}[النساء:128]) قال الإمام: المعنى: أنَّ الشُّحَّ جُعِل كالأمر المجاور للنُّفوس اللَّازم لها؛ يعني: أنَّ النُّفوس مطبوعةٌ على الشُّحِّ، وهذا معنى قول «الكشَّاف»: إنَّ الشُّحَّ قد جُعِل حاضرًا لها لا يغيب عنها أبدًا ولا تنفكُّ عنه؛ يعني: أنَّها مطبوعةٌ عليه، فالمرأة(1) لا تكاد تسمح بقسمتها وبغير قسمتها، والرَّجل لا تكاد نفسه تسمح(2) بأن يقسم لها وأن يُمسِكها إذا رغب عنها وأحبَّ غيرها، وجملة {وَأُحْضِرَتِ} كقوله: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}: اعتراضٌ، قال أبو حيَّان: كأنَّه يريد أنَّ قوله: {وَإِن يَتَفَرَّقَا} معطوفٌ على قوله: {فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا}(3) فجاءت الجملتان بينهما اعتراضًا، وتعقَّبه بعضهم فقال: فيه نظرٌ؛ فإنَّ بعدهما(4) جملًا أُخَر، فكان ينبغي أن يقول الزَّمخشريُّ في الجميع: إنَّها اعتراضٌ، ولا يخصَّ {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} {وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ}(5) بذلك، وإنَّما أراد الزَّمخشريُّ بذلك(6) الاعتراض بين قوله: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ (7)} وقوله: {وَإِن تُحْسِنُواْ} فإنَّهما شرطان متعاطفان(8)، ويدلُّ عليه تفسيره بما يفيد هذا المعنى؛ فليُنظَر من موضعه، وقد فسَّر المؤلِّف {الشُّحَّ} بما فسَّره به ابن عبَّاسٍ ممَّا وصله ابن أبي حاتمٍ حيث قال: (هَوَاهُ فِي الشَّيْءِ يَحْرِصُ عَلَيْهِ) وقيل: {الشُّحَّ}: البخل مع الحِرْص، وقيل: الإفراط في الحِرْص.
          ({ كَالْمُعَلَّقَةِ}) يريد: {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}[النساء:129] قال ابن عبَّاسٍ فيما وصله ابن أبي حاتمٍ: (لَا هِيَ أَيِّمٌ) بهمزةٍ مفتوحةٍ وتحتيَّةٍ مشدَّدةٍ مكسورةٍ، أي: لا زوج لها (وَلَا ذَاتُ زَوْجٍ).
          وقال ابن عبَّاسٍ أيضًا(9) ممَّا وصله ابن أبي حاتمٍ أيضًا من طريق عليِّ بن أبي طلحة عنه في قوله: ({نُشُوزًا}) أي: (بُغْضًا).


[1] في (ب) و(م): «كالمرأة».
[2] في (د): «لا يكاد يسمح».
[3] في (ج) و(ل): «عليه».
[4] في (م): «بعدها».
[5] {الشُّحَّ}: مثبتٌ من (د).
[6] «بذلك»: ليس في (د).
[7] {خَافَتْ}: ليس في (ص) و(م).
[8] في (د): «معطوفان».
[9] «أيضًا»: ليس في (د).