إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

{إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان}

          ░20▒ ({إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ}) وفي بعض النُّسخ: ”بابٌ“ _بالتَّنوين_ أي: في قوله تعالى: ”{إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ}“ استثناءٌ من قوله: {فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا}[النساء:97] فيكون الاستثناء متَّصلًا، كأنَّه قيل: فأولئك في جهنَّم إلَّا المستضعفين، والصَّحيح أنَّه منقطعٌ؛ لأنَّ الضَّمير في {مَأْوَاهُمْ} عائدٌ على {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ} وهؤلاء المتوفُّون إمَّا كفَّارًا أو عصاةً بالتَّخلُّف، وهم قادرون على الهجرة، فلم يندرج فيهم المستضعفون، فكان منقطعًا ({مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ}) الذين ({لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً}) في الخروج من مكَّة؛ لعجزهم وفقرهم ({وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}[النساء:98]) ولا معرفة لهم بالمسالك من مكَّة إلى المدينة، واستشكل إدخال {الْوِلْدَانِ} في جملة المستثنين من أهل الوعيد؛ لأنَّه يُوهِم دخول الولدان فيه إذا استطاعوا واهتدوا، وأُجيب بأنَّ العجز متمكِّن من الولدان لا ينفكُّ عنهم، فكانوا(1) خارجين من جملتهم في(2) الوعيد ضرورةً، فإذا لم يدخلوا فيه؛ لم يخرجوا بالاستثناء، فإن قلت: فإذا لم يخرجوا بالاستثناء(3) كيف قرنهم في جملة المستثنين؟ أُجيب ليبيِّن أنَّ الرِّجال والنِّساء الذين لا يستطيعون صاروا في انتفاء الذَّنب كالولدان مبالغةً؛ لأنَّ المعطوف عليه يكتسب من معنى المعطوف؛ لمشاركتهما في الحكم، أو المراد بالولدان: العبيد أو البالغون، وهو أولى من إرادة المراهقين لعدم توبيخ نحوهم، وكذا هو أولى من حمل البيضاوي ذلك على المبالغة في الأمر، باعتبار أنَّهم على صدد وجوب الهجرة، فإنَّهم إذا بلغوا وقدروا على الهجرة فلا محيص لهم عنها، فإنَّ قُوَّامهم(4) يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت الهجرة(5)، قال الطِّيبيُّ: وعلى هذا: المبالغةُ راجعة إلى وجوب الهجرة(6)، وأنَّها خارجةٌ عن حكم سائر التَّكاليف؛ حيث أُوجِبَت على من لم يجب عليه شيءٌ.


[1] في (د): «لكانوا».
[2] في (د): «من».
[3] «بالاستثناء»: ليس في (د).
[4] في (م): «قواتهم» ولعلَّه تحريفٌ.
[5] «الهجرة»: مثبتٌ من (ص).
[6] قوله: «فإنَّهم إذا بلغوا وقدروا على الهجرة ... المبالغةُ راجعة إلى وجوب الهجرة»، سقط من (د).