إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}

          ░12▒ هذا(1) (بابٌ) بالتَّنوين في قوله تعالى: ({فَلاَ وَرَبِّكَ}) أي: فوربِّك، و«لا»: مزيدةٌ لتأكيد القسم، لا لتُظَاهر {لَا} في قوله: ({لاَ يُؤْمِنُونَ}) لأنَّها تُزَاد أيضًا في الإثبات، كقوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ}[البلد:1] قاله في «الأنوار» كـ «الكشَّاف»، وعبارته بعد ذكره نحو ما سبق: فإن قلت: هلَّا زعمت أنَّها زيدت لتُظَاهر «لا» في قوله(2): {لاَ يُؤْمِنُونَ}؟ قلت: يأبى ذلك استواء النَّفي فيه والإثبات(3)، وذلك(4) قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ. وَمَا لَا تُبْصِرُونَ. إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}[الحاقة:38-40]. انتهى. قال في «الانتصاف»: أراد الزَّمخشريُّ أنَّها لمَّا زيدت حيث لا يكون القسم نفيًا؛ دلَّت على أنَّها إنَّما تُزاد لتأكيد القسم، فجُعِلَت كذلك في النَّفي، والظَّاهر عندي: أنَّها هنا لتوطئة القسم، وهو لم يذكر مانعًا منه، إنَّما ذكر مَحْمَلًا لغير هذا، وذلك لا يأبى مجيئها في النَّفي على الوجه الآخر / من التَّوطئة، على(5) أنَّ دخولها على المثبَتِ فيه نظرٌ، فلم تأتِ في الكتاب العزيز إلا مع القسم بالفعل {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ}[البلد:1] {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}[القيامة:1] {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}(6)[الواقعة:75] {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ}[الحاقة:38] ولم يأتِ إلَّا في القسم بغير الله، وله سرٌّ يأبى أن يكون ههنا لتأكيد القسم، وذلك أنَّ المراد بها تعظيم المقسَم به في الآيات المذكورة، فكأنَّه بدخولها يقول: إعظامي لهذه الأشياء المقسَم بها كلا إعظام؛ إذ هي تستوجب فوق ذلك، وإنَّما يُذكَر هذا لتوهُّم وقوع عدم تعظيمها، فيؤكِّد بذلك وبفعل القسم ظاهرًا، وفي القسم بالله الوهمُ زائلٌ، فلا يحتاج إلى تأكيد، فتعيَّن حملها على التَّوطئة، ولا تكاد تجدها في غير الكتاب العزيز داخلة على قَسَمٍ مُثبتٍ، أمَّا في النَّفي فكثيرٌ. انتهى. وقيل: إنَّ «لا» الثَّانية زائدةٌ، والقَسَم(7) معترضٌ بين حرف النَّفي والمنفيِّ، وكأنَّ(8) التَّقدير: فلا لا يؤمنون وربِّك ({حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[النساء:65]) أي: فيما اختُلِف بينهم واختُلِط، و {حَتَّىَ}: غايةٌ متعلِّقةٌ بقوله: {لاَ يُؤْمِنُونَ} أي: ينتفي عنهم الإيمان إلى هذه الغاية، وهي تحكيمك وعدم وجدانهم‼ الحرج وتسليمهم لأمرك.


[1] «هذا»: ليس في (د).
[2] «قوله»: مثبتٌ من (ص).
[3] في (س): «النَّفيُ الإثبات فيه»، زيد في (ص): «انتهى». وسيأتي بعد سطر.
[4] «ذلك»: سقط من (د).
[5] في (د) و(م): «بل».
[6] في (ج) و(ل): «لا أقسم».
[7] في (د): «والمقسم»، ولعلَّه تحريفٌ.
[8] «وكأنَّ»: ليس في (ص).