إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب:{فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا}

          ░9▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين في قوله تعالى: ({فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ}؟) استفهام توبيخٍ، أي: فكيف حال هؤلاء الكفَّار أو صنيعهم إذا جئنا من كلٍّ أمَّةٍ بنبيِّهم يشهد على كفرهم، كقوله(1) تعالى: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ}[المائدة:117] فـ { كَيْفَ} في موضع رفعٍ‼ خبرُ مبتدأ محذوفٍ، والعامل في {إِذَا} هو هذا المقدَّر، أو في محلِّ نصبٍ بفعلٍ محذوفٍ، أي: فكيف يكونون أو يصنعون؟! ويجري فيها الوجهان؛ النَّصب على التَّشبيه بالحال، كما هو مذهب سيبويه، أو على التَّشبيه بالظَّرفيَّة، كما هو مذهب الأخفش؛ وهو العامل في {إِذَا} أيضًا، و {مِن كُلِّ أمَّةٍ} متعلِّق بـ {جِئْنَا} والمعنى: أنَّه يُؤتَى بنبيِّ كلِّ أمَّةٍ يشهد عليها ولها ({وَجِئْنَا بِكَ}) / يا محمَّد ({عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا}؟[النساء:41]) أي: تشهد على صدق هؤلاء الشُّهداء لحصولِ علمك بعقائدهم؛ لدلالة كتابك وشرعك على قواعدهم، وقال أبو حيَّان: الأظهر أنَّ هذه الجملة في موضع جرٍّ عطفًا على {جِئْنَا} الأوَّل، أي: فكيف يصنعون في وقت المجيئَين؟!
          (المُخْتَالُ وَالخَتَّالُ) بفتح الخاء المعجمة والمثنَّاة الفوقيَّة المشدَّدة؛ معناهما (وَاحِدٌ) كذا في رواية الأكثر، ولا ينتظم هذا مع المختال؛ لأنَّ المختال: هو صاحب الخيلاء والكبر، فهو «مفتعلٌ(2)» من الخيلاء، وأمَّا «ختَّال» فهو «فعَّال»، من الختل وهو الخديعة، فلا يمكن أن يكون بمعنى: المختال المراد به: المتكبِّر، وللأصيليِّ: ”والخال“ بدون الفوقيَّة بدل «الختَّال» وصوَّبه غير واحدٍ؛ لأنَّه يُطلَق على معانٍ، فيكون بمعنى: الخائل وهو المتكبِّر، وقال اليونينيُّ(3): وعند أبي ذرٍّ: ”والختَّال“ بالخاء والتَّاء ثالث(4) الحروف في الأصل الذي قابلت به، وأنكر ذلك شيخنا الإمام أبو عبد الله بن مالكٍ، قال: والصَّواب: «والخال» بغير تاءٍ. انتهى. ومراده قوله تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا}[النساء:36].
          ({نَّطْمِسَ وُجُوهًا}[النساء:47]) أي: (نُسَوِّيَهَا حَتَّى تَعُودَ كَأَقْفَائِهِمْ) حقيقةً، أو هو تمثيلٌ وليس المراد حقيقته حسًّا، وأسند الطَّبريُّ عن قتادة المراد: أن(5) تعود الأوجه في الأقفية، يقال: (طَمَسَ الكِتَابَ): إذا (مَحَاهُ) ومُراده: قوله تعالى: {مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا} فنطمس هنا: نُصِبَ على الحكاية كما لا يخفى.
          وقوله تعالى: {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ} ({سَعِيرًا}[النساء:55]) أي: (وُقُودًا) ولأبي ذرٍّ: ”جهنَّم سعيرًا وقودًا“(6) ولا محلَّ لسياق هذه الآيات هنا، فيُحتَمل أن يكون من النُّساخ.


[1] في (م): «لقوله».
[2] في (د): «معتل»، ولعلَّه تحريفٌ.
[3] في (ب) و(د) و(م): «في اليونينيَّة».
[4] في (ب): «ثاني».
[5] في (د): «بأن».
[6] «ولأبي ذرٍّ: جهنَّم سعيرًا وقودًا»: جاء في (ص) بعد قوله: «من النساخ».