إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله:{وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط}

          ░10▒ (بابُ قولِه) تعالى _وسقط الباب / وتاليه_ لغير أبي(1) ذر ({وَإِن كُنتُم مَّرْضَى}) مرضًا يُخَاف معه من استعمال الماء، أو مرضًا يمنع من الوصول إليه، والمرض: انحراف مزاجٍ تصدر معه الأفعال غير مستقيمةٍ، والمراد هنا: كلُّ ما يُخَاف منه محذورٌ، ولو شَيْنًا فاحشًا في عضوٍ ظاهرٍ، وعن مجاهدٍ فيما رواه ابن أبي حاتمٍ: أنَّ قوله: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى} نزلت في رجلٍ من الأنصار كان مريضًا، فلم يستطع أن يقوم فيتوضَّأ، ولم يكن له خادمٌ يناوله(2)، فأتى رسول الله صلعم ، فذكر ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهذا مرسلٌ ({أَوْ عَلَى سَفَرٍ}) طويلٍ أو قصيرٍ لا تجدون فيه الماء(3)، والسَّفر: هو الخروج عن الوطن، وينبغي أن يكون مباحًا ({أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ}[النساء:43]) فأحدث(4) بخروج الخارج من أحد السَّبيلين، وأصل الغائط: المطمئنُّ من الأرض، وكانت عادة العرب إتيانه للحدث ليسترهم عن أعين النَّاس، فكَنُّوا به عن الخارج تسميةً للشَّيء باسم مكانه.
          {صَعِيدًا}) يريد تفسير قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا (5)}[النساء:43] قال: (وَجْهَ الأَرْضِ) بالنَّصب، ولأبي ذرٍّ: ”وجهُ الأرض“‼ بالرَّفع، بتقدير: هو، والمراد بوجه الأرض: ظاهرها سواءٌ كان عليها ترابٌ أم لا ولذا قالت الحنفيَّة: لو ضرب المتيمِّم يده على حجرٍ صلدٍ ومسح أجزأه، وقالت(6) الشَّافعيَّة: لا بدَّ أن يعلَقَ باليد شيءٌ من التُّراب لقوله تعالى في سورة المائدة: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ}[المائدة: 6] أي: من بعضه، وجَعْلُ «من» لابتداء الغاية تعسُّفٌ؛ إذ لا يُفهَم من نحو ذلك إلا التَّبعيض، والمسح ببعض الخشب والحجر غير مقصودٍ، هذا وإنَّه وُصِفَ بالطَّيِّب، والأرض الطَّيِّبة هي المُنبِتة، وغير الطَّيِّبة لا تُنبِت، وغير التُّراب لا يُنبِت، والذي لا ينبت لا يكون طَيِّبًا، فهو أمرٌ بالتُّراب فقط، وقال الشَّافعيُّ _وهو القدوة في اللُّغة وقوله فيها الحجَّة_: لا يقع اسم الصَّعيد إلَّا على ترابٍ ذي غبارٍ، فأمَّا البطحاء الغليظة والرَّقيقة؛ فلا يقع عليها اسم الصَّعيد، فإن خالطه ترابٌ أو مدرٌ يكون له غبار؛ كان الذي خالطه هو الصَّعيد، وقد وافق الشَّافعيَّ الفرَّاء وأبو عبيد، وفي حديث حذيفة عند الدَّارقطنيِّ في «سننه» وأبي عَوانة في «صحيحه» مرفوعًا: «جُعِلَت لي الأرض مسجدًا، وترابها لنا(7) طهورًا» وعند مسلمٍ: «تربتها» وهذا مفسِّرٌ للآية(8)، والمفسَّر يقضي على المُجْمَل.
          (وَقَالَ جَابِرٌ) هو ابن عبد الله الأنصاريُّ _فيما وصله ابن أبي حاتمٍ_ في قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ}[النساء:60]: (كَانَتِ الطَّوَاغِيتُ) بالمثنَّاة، جمع طاغوتٍ (الَّتِي يَتَحَاكَمُونَ(9) إِلَيْهَا) في الجاهلية (فِي) قبيلة (جُهَيْنَةَ) طاغوتٌ (وَاحِدٌ، وَفِي) قبيلة (أَسْلَمَ) طاغوتٌ (وَاحِدٌ، وَفِي كُلِّ حَيٍّ) من أحياء العرب (وَاحِدٌ) وهي (كُهَّانٌ) بضمِّ الكاف وتشديد الهاء، جمع كاهنٍ (يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ) بالأخبار عن الكائنات في المستقبل (وَقَالَ عُمَرُ) بن الخطَّاب فيما وصله(10) عبد بن حميدٍ في قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}[النساء:51]: (الجِبْتُ): هو (السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ): هو (الشَّيْطَانُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ) مولى ابن عبَّاسٍ فيما وصله عبد بن حميدٍ أيضًا: (الجِبْتُ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ): هو (شَيْطَانٌ، وَالطَّاغُوتُ): هو (الكَاهِنُ) وفيه: جواز وقوع المعرَّب في القرآن، وحمله الشَّافعيُّ على توارد اللُّغتين.


[1] في (د): «وتاليه لأبي» وليس بصحيحٍ.
[2] في (ص): «يناله».
[3] في غير (د) و(س): «الماء فيه».
[4] في (د): «وأحدث».
[5] {طَيِّبًا}: ليس في (ص) و(م).
[6] في (ص): «قال».
[7] «لنا»: ليس في (د) و(ص).
[8] في (د): «وهذا يفسِّر الآية».
[9] في (م): «يتحاكموا».
[10] في (ب) و(س): «ممَّا هو موصولٌ عند»، وفي (ص) و(م): «ممَّا عند».