إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث عائشة: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها

          4574- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ) الأويسيُّ قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) بسكون العين، ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ) بفتح الكاف (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريِّ أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ) ╦ (عَنْ) معنى (قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى}[النساء:3] فَقَالَتْ) عائشة له: (يَا ابْنَ أُخْتِي) أسماء، ولأبي الوقت: ”يا بن أخي“ (هَذِهِ اليَتِيمَةُ) التي مات أبوها (تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا) القائم بأمورها (تَشْرَكُهُ) بفتح التَّاء والرَّاء، وفي نسخةٍ: ”تُشرِكه“ بضمٍّ ثمَّ كسرٍ (فِي مَالِهِ، وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ) أن يعدل (فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ) هو معطوفٌ على معمول «بغير» يعني(1): يريد أن يتزوَّجها بغير أن يعطيها مثل ما يعطيها غيره؛ أي(2): ممَّن يرغب في نكاحها، ويدلُّ على ذلك قوله: (فَنُهُوا) بضمِّ النُّون والهاء (عَنْ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ) ولأبي ذرٍّ: ”عن ذلك“ أي: عن ترك الإقساط (إِلَّا أَنْ(3) يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا لَهُنَّ) باللَّام، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”بهنَّ“ (أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ) أي: طريقتهن (فِي الصَّدَاقِ) وعادتهنَّ في ذلك (فَأُمِرُوا) بالفاء (أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ) ما حلَّ (لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ) أي: سوى اليتامى من النِّساء، وقد تقررَّ أنَّ «ما» لا تُستعَمل في ذوي العقول، واستعملها هنا لهنَّ(4)؛ ذهابًا إلى الصِّفة، كأنَّه قيل: النَّوع الطَّيِّب من النِّساء، أي: الحلال أو المشتَهَى، والثَّاني أرجح لاقتضاء المقام، ولأنَّ الأمر بالنِّكاح لا يكون إلَّا في الحلال، فوجب الحمل على شيءٍ آخر، أو إجراءً(5) لهنَّ مجرى غير العقلاء لنقصان عقلهنَّ، كقوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}[النور:31] (قَالَ عُرْوَةُ) بن الزُّبير بالسَّند السَّابق: (قَالَتْ عَائِشَةُ: وَإِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللهِ صلعم ) طلبوا منه الفتيا في أمر النِّساء (بَعْدَ) نزول (هَذِهِ الآيَةِ) / وهي: {وَإِنْ خِفْتُمْ...} إلى {وَرُبَاعَ}[النساء:3] (فَأَنْزَلَ اللهُ) تعالى: ({وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء}) الآية[النساء:127] (قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ}[النساء:127]) كذا في رواية صالح، وليس ذلك في آيةٍ(6) أخرى بل هو في نفس الآية، وعند مسلمٍ والنَّسائيِّ _واللَّفظ له_ من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعدٍ(7) عن أبيه بهذا الإسناد في هذا الموضع: فأنزل الله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} فذكر الله أنَّه(8) يُتلَى عليكم‼ في الكتاب الآية الأولى؛ وهي قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء}[النساء:3] قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى: {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} قال في «الفتح»: فظهر أنَّه سقط من رواية البخاريِّ شيءٌ (رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ) بأن لم(9) يردها (حِينَ تَكُونُ) أي: اليتيمة (قَلِيلَةَ المَالِ وَالجَمَالِ، قَالَتْ) عائشة: (فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا عَمَّنْ رَغِبُوا فِي مَالِهِ وَجَمَالِهِ) بفتح التَّحتيَّة، وللأصيليِّ بضمِّها وإسقاط ”عن“ (فِي يَتَامَى النِّسَاءِ إِلَّا بِالقِسْطِ) بالعدل (مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ إِذَا كُنَّ قَلِيلَاتِ المَالِ وَالجَمَالِ) فينبغي أن يكون نكاح الغنية الجميلة ونكاح الفقيرة الذميمة على السواء في العدل.
          وسبق في هذا الحديث في «الشَّركة» في «باب شركة اليتيم» [خ¦2494].


[1] «يعني»: مثبتٌ من (د) و(س).
[2] زيد في (د): «غيره».
[3] زيد في (ص): «لا»، ولا يصحُّ.
[4] زيد في (د): «ليس»، ولا يصحُّ.
[5] في (د): «أجرى».
[6] في (د): «روايةٍ».
[7] في غير (د) و(س): «سعيد» وهو تحريفٌ.
[8] في (ب): «أن ما».
[9] في (د): «ولم»، وليس فيها: «بأن».