إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة

          4581- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا“ (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) الرَّمليُّ يعرف بابن الواسطيِّ قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”أخبرنا“ (أَبُو عُمَرَ) بضمِّ العين (حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ) ضدُّ المَيْمَنة، العقيليُّ _بالضمِّ_ الصَّنعانيُّ نزيل عسقلان (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) العدويِّ المدنيِّ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بالسِّين المهملة المخفَّفة، الهلاليِّ المدنيِّ، مولى ميمونة (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سعد بن مالك (الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ) تعالى (عَنْهُ: أَنَّ أُنَاسًا) بضمِّ الهمزة، ولأبي ذرٍّ والأصيليِّ وابن عساكر: ”ناسًا“ بحذفها (فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلعم : نَعَمْ) ترونه، وهذه رؤية الامتحان المميِّزة بين من عَبَدَ الله وبين من عبد غيره، لا رؤية الكرامة التي هي ثواب أوليائه في الجنة (هَلْ تُضَارُّونَ) بضمِّ أوَّله ورائه مشَّددةٍ بصيغة المفاعلة، أي: لا تضرُّون أحدًا ولا يضرُّكم لمنازعةٍ ولا مجادلةٍ ولا مضايقةٍ (فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ) ثم أكَّده بقوله: (بِالظَّهِيرَةِ) وهي اشتداد حرِّ الشَّمس بالنَّهار في الصَّيف (ضَوْءٌ) بالرَّفع، وأعربه في «الكواكب» بالجرِّ بدلًا ممَّا قبله، ولمسلمٍ: «صحوًا»، ثمَّ زاده تأكيدًا بقوله: (لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ) هي كالظَّهيرة في الشَّمس (ضَوْءٌ) بالرَّفع(1) أو(2) بالجرِّ كما مرَّ (لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: وَهَلْ تُضَارُّونَ / فِي رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ ضَوءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا) كَذَا فِي حَاشية الفرع بالتَّكرار مصحَّحًا عليه، وليس في «اليونينيَّة» وهو تكرارٌ لا فائدة فيه، ولعلَّه سهوٌ فيما يظهر (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللهِ ╡ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا) التَّشبيه الواقع هنا إنَّما هو في الوضوح وزوال الشَّكِّ، لا في المقابلة والجهة وسائر الأمور العادية عند رؤية المُحْدَثات، فالرؤية له تعالى حقيقةٌ، لكنَّا لا نكيِّفها بل نَكِل كُنْهَ معرفتها إلى علمه تعالى (إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ؛ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) أي: نادى منادٍ (تَتْبَعُْ(3)) بسكون المثنَّاة الفوقيَّة، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والكُشْميهَنيِّ: ”تتَّبِعُْ“♣ بتشديدها، وله عن المُستملي: ”فَتَتْبَعُْ“♣ بزيادة فاءٍ مع سكون الفوقيَّة والرَّفع في كلِّها، ويجوز الجزم بتقدير اللَّام (كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ مِنَ الأَصْنَامِ) جمع صَنَمٍ: ما عُبِد من دون الله (وَالأَنْصَابِ)‼ جمع نُصْبٍ: حجارةٌ كانت تُعبَد من دون الله (إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ بَرٌّ) هو مطيعٌ لربِّه (أَوْ فَاجِرٌ) منهمكٌ في المعاصي والفجور (وَغُبَّرَاتُِ أَهْلِ الكِتَابِ) بضمِّ الغين المعجمة وتشديد الموحَّدة المفتوحة بعدها راءٌ، بالرَّفع والجرِّ مع الإضافة فيهما لأبي ذرٍّ، وبالجرِّ منوَّنًا للأصيليِّ(4)، أي: بقايا أهل الكتاب (فَيُدْعَى اليَهُودُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَنْ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”ما“ (كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ) في كونه ابن الله، ويلزم منه(5) نفي عبادة(6) ابن الله (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟) أي: تطلبون (فَقَالُوا: عَطِشْنَا رَبَّنَا) بإسقاط أداة النِّداء (فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ) أي: إليهم (أَلَا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ) بالسِّين المهملة، هو الذي تراه نصف النَّهار في الأرض القفر(7) والقاع المستوي في(8) الحرِّ الشَّديد لَامِعًا مثل الماء {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}[النور:39] (يَحْطِمُ) بكسر الطَّاء المهملة، أي: يكسر (بَعْضَهَا بَعْضًا) لشدة اتِّقادها(9) وتلاطم أمواج لهبها (فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَنْ(10) كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَكَذَلِكَ مِثْلَ الأَوَّلِ) أي: فقالوا(11): عطشنا ربَّنا... إلى آخره، (حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ؛ أَتَاهُمْ رَبُّ العَالَمِينَ) أي: ظهر لهم وأشهَدَهُم(12) رؤيته من غير تكييفٍ ولا حركةٍ ولا(13) انتقالٍ (فِي أَدْنَى صُورَةٍ) أي: أقرب صفةٍ (مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ) أي: عرفوه (فِيهَا) بأنَّه لا يُشْبِه شيئًا من المُحْدَثات، زاد في نسخة: ”أوَّل مرةٍ“ (فَيُقَالُ) ولأبي ذرٍّ: ”فقال“: (مَاذَا تَنْتَظِرُونَ؟! تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: فَارَقْنَا النَّاسَ) الذين زاغوا(14) عن الطَّاعة (فِي الدُّنْيَا عَلَى أَفْقَرِ) أي: أحوج (مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ) في معايشنا ومصالح(15) دنيانا (وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ) بل قاطعناهم(16) (وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ رَبَّنَا الَّذِي كُنَّا نَعْبُدُ) في الدُّنيا (فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ) _زاد مسلمٌ في روايته_: نعوذ بالله منك (لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا؛ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) وإنَّما قالوا ذلك؛ لأنَّه سبحانه وتعالى تجلَّى لهم بصفةٍ لم يعرفوها، وقال الخطَّابيُّ: قيل: إنَّما حجبهم عن تحقيق الرُّؤية في هذه الكرَّة من أجل مَنْ معهم من المنافقين الذين لا يستحقُّون الرُّؤية وهم عن ربِّهم محجوبون، فإذا تميَّزوا عنهم؛ رُفِعَت الحُجُب، فيقولون عندما يرونه: أنت ربُّنا.
          وبقية مباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في محلِّها [خ¦7437].


[1] زيد في (ص): «كما مرَّ».
[2] في (ص): «و».
[3] في (د): «يتبع»، وفي «اليونينيَّة»: معًا.
[4] «للأصيليِّ»: ليس في (د).
[5] «منه»: ليس في (د).
[6] زيد في (د): «عزير».
[7] في (ب): «القفراء».
[8] في (د) و(م): «و».
[9] في (د): «إيقادها».
[10] في (ب) و(س): «ما»، وزيد في (د): «ذا».
[11] زيد في (ص) و(م): «ربَّنا».
[12] في (د): «فأشهدهم».
[13] «لا»: مثبتٌ من (ب) و(س)، ولعلَّه هو الصَّواب.
[14] زيد في (س) و(ص): «في الدُّنيا».
[15] في (م): «صالح».
[16] في (د): «قطعناهم».