إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله؟

          4577- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرِّ: ”حدَّثني“ بالإفراد (إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى) التَّميميُّ الفرَّاء الرَّازيُّ الصَّغير قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”أخبرنا“ (هِشَامٌ) هو ابن يوسف‼ الصَّنعانيُّ: (أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ) عبد الملك (أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (ابْنُ مُنْكَدِرٍ) محمَّدٌ، ولأبي ذرٍّ: ”ابن المنكدر“ بالتَّعريف (عَنْ جَابِرٍ) هو ابن عبد الله الأنصاريِّ (رَضِيَ اللهُ) تعالى (عَنْهُ) وعن أبيه أنَّه (قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ صلعم وَأَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيق ╩ من مرضٍ (فِي بَنِي سَلِمَةَ) بكسر اللَّام، قوم جابرٍ، بطنٍ من الخزرج، حال كونهما (ماشِيَيْنِ، فَوَجَدَنِي النَّبِيُّ صلعم لَا أَعْقِلُ) أي لا أفهم، وزاد أبو ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”شيئًا“ وفي «الاعتصام» [خ¦7309]: «فأتاني وقد أُغمِي عليَّ» (فَدَعَا بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ) أي: نفس الماء الذي توضَّأ به (فَأَفَقْتُ) من الإغماء (فَقُلْتُ: مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللهِ؟) وفي رواية شعبة عن محمَّد بن المنكدر عند المؤلِّف في «الطَّهارة» [خ¦194]: «فقلت: يا رسول الله لمن الميراث؟ إنَّما يرثني كلالةٌ» (فَنَزَلَتْ: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ}[النساء:11]) كذا لابن جريجٍ، قال الدِّمياطي: وهو وهمٌ، والذي نزل في جابرٍ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ}[النساء: 176] كذا رواه شعبة والثَّوريُّ عن ابن المنكدر، ويؤيِّده ما في بعض طرقه من قول جابرٍ: «إنَّما يرثني كلالةٌ» والكلالة: من(1) لا والدَ له ولا ولدَ، ولم يكن لجابرٍ حينئذٍ ولدٌ ولا والدٌ. انتهى. وفي «مسلمٍ» عن عمرٍو النَّاقد، و«النَّسائيِّ» عن محمَّد بن منصورٍ؛ كلاهما عن ابن عيينة عن ابن المنكدر: «حتَّى نزلت عليه آية الميراث: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ}» وقد ساق البخاريُّ حديث جابرٍ عن قتيبة عن ابن عيينة في أوَّل «كتاب الفرائض» [خ¦6723] وفي آخره: «حتَّى نزلت آية الميراث» ولم يذكر ما زاده النَّاقد، قال في «الفتح»: فأَشَعَر بأنَّ الزِّيادة عنده(2) مُدْرجةٌ(3) من كلام ابن عيينة، ولم ينفرد ابن جريجٍ بتعيين الآية المذكورة، فقد ذكرها ابن عيينة على الاختلاف عنه، والحاصل: أنَّ المحفوظ عن ابن المنكدر أنَّه قال: آية الميراث، أو: آية الفرائض، والظَّاهر(4) أنَّها: {يُوصِيكُمُ اللّهُ} كما صرَّح به في رواية ابن جريجٍ ومن / تابعه، وأمَّا من قال إنَّها: {يَسْتَفْتُونَكَ} فعمدته أنَّ جابرًا لم يكن له حينئذٍ ولدٌ، وإنَّما كان يُورَث كلالةً، فكان المناسب لقصَّته نزول: {يَسْتَفْتُونَكَ} لكنْ ليس ذلك بلازمٍ؛ لأنَّ الكلالة اختُلِف في تفسيرها، فقيل: هي اسم المال الموروث، وقيل: اسم الميِّت، وقيل: اسم الإرث، فلمَّا لم يتعيَّن تفسيرها بمن لا ولد له ولا والد؛ لم يصحَّ الاستدلال؛ لأنَّ: {يَسْتَفْتُونَكَ} نزلت في آخر الأمر، وآية المواريث نزلت قبل ذلك بمدَّةٍ في ورثة سعد بن الرَّبيع، وكان قُتِل يوم أُحُدٍ وخلَّف ابنتين وأمَّهما وأخاه، فأخذ الأخ المال فنزلت، وبه احتجَّ من قال: إنَّها لم تنزل في قصَّة جابرٍ، وإنَّما نزلت في قصة ابنتي سعد بن الرَّبيع، وليس ذلك بلازمٍ؛ إذ لا مانع أن تنزل في الأمرين معًا؛ فقد ظهر أن ابن جريجٍ لم يَهِمْ، والله أعلم.
          وهذا الحديث قد سبق في «الطَّهارة» [خ¦194]‼.


[1] في (د) و(م): «ممن».
[2] «عنده»: ليس في (د).
[3] في (م): «مندرجةٌ».
[4] في غير (د) و(م): «فالظَّاهر».