التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت.

          ░81▒ بابُ تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّهَا إلَّا الطَّوَافَ بِالبَيْتِ، وَإِذَا سَعَى عَلى غَيْرِ وُضُوءٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ
          ذَكَرَ فيهِ ثَلَاثةَ أحاديثَ:
          1650- 1651- 1652- أحدُها: حديثُ عائشةَ: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ...) إلى آخرِه، وقد سَلَفَ [خ¦294]، وكذا حديثُ جابرٍ وحديثُ حَفْصةَ سَلَفَ في أبوابِ الحيضِ [خ¦324]، وفي أبوابِ العيدِ [خ¦971].
          وقولُها: (لَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ) تريدُ أنَّ طوافَ العُمْرَةِ مَنَعَها منه حيضُها.
          وقولُه لها: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ) لا يكونُ إلَّا بأنْ تُردِفَ الحجَّ عَلَى العُمْرَةِ، وأبعدَ مَنْ قَالَ: إنِّها كانت حَاجَّةً، وإنَّما لم تَسْعَ لأنَّ مِنْ صِحَّتِه سَبْقَ طوافٍ كما سَلَفَ في بابِ كيفَ تهلُّ الحائضُ [خ¦319]، وانظر تبويب البُخاريِّ عليه، وإذا سَعَى عَلَى غيرِ وضوءٍ، كأنَّه فهمَ مِنْ قولِه: (غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي) أنَّها تَسعَى.
          وروى البَيْهَقِيُّ مِنْ حديثِ ابن أبي الزِّنادِ عن أبيه / عَنِ الفقهاءِ مِنْ أهلِ المدينةِ أنَّهم كانُوا يقولون: أيُّما امرأةٍ طافَتْ بالبيتِ ثُمَّ توجَّهَتْ لتطوفَ بالصَّفا والمروة فحاضَتْ فلْتَطُفْ بالصَّفا والمروةِ وهي حائضٌ، وكذلك الَّذي يحدث بعد أن يطوف بالبيت وقبل أن يسعى.
          وقولُه: (لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ) فيه دليلٌ عَلَى أنَّ إحرامَه ◙ لم يكن بتوقيفٍ، واستدلَّ به بعضُ مَنْ يرى تفضيلَ التَّمتُّعِ والقِرَانِ، ويتأوَّل قوله: (لَو اسْتَقْبَلْتُ...) إلى آخره: لفَسَخْتُ الحجَّ في العُمْرَةِ، كما أمر به أصحابَه، ويُستَحَبُّ لِمَنْ أصابه ما أصاب عائشةَ أن يَعتَمِرَ لهذا الحديث، قاله القاضي أبو مُحَمَّدٍ مِنَ المالكيَّةِ.
          وقولُ أمِّ عَطِيَّةَ: (بِيَبَا) هي لغةٌ كما يُقَالُ: بأبي تُبدل الهمزة ياءً، ورُوِيَ: <بَِأَبَأَ> وهي روايةُ أبي ذرٍّ هنا.
          والعلماء مجمعون أنَّ الحائضَ تشهدُ المناسكَ كلَّها غير الطَّواف بالبيت عَلَى طِبق الحديث، وفي حكمها كلُّ مَنْ ليس عَلَى طهارةٍ مِنْ جُنبٍ وغير متوضِّئٍ، لأنَّ ركوع الطَّواف متَّصلٌ به لا فصل بينه وبينه، هذِه سُنَّته، وإنَّما مُنِعَتِ الحائضُ الطَّوافَ تنزيهًا للمسجد عَنِ النَّجاسات، قَالَ تعالى: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التَّوبة:28] وقد أمر الشَّارع الحيَّض في العيدين بالاعتزالِ، فوجب تنزيهُه عَنِ الحائضِ والجنبِ ومَنْ عليه نجاسةٌ.
          وأمَّا السَّعي بين الصَّفا والمروة فلا أعلم أحدًا شرط فيه الطَّهارة إلَّا الحسنَ البصريَّ فقالَ: إن ذكر أنَّه سعى عَلَى غيرِ طهارةٍ قبل أن يحلَّ فليُعِد، وإن ذَكَرَ ذَلِكَ بعدما حلَّ فلا شيء عليه، وذكر ابنُ وَهْبٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ: أنَّه كَانَ يكره أن يطوف بينهما عَلَى غير طهارةٍ، وحديث الباب دالٌّ عَلَى جوازه.