التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب نحر الإبل مقيدة

          ░118▒ بَابُ: نَحْرِ الإِبِل مُقَيَّدَةً.
          1713- ذَكَرَ فيه حديثَ يَزِيدَ بْنِ زُرَيعٍ، عن يُونُسَ، عن زِيَادِ بْنِ جُبَيرٍ، قال: (رَأَيتُ ابنَ عُمَرَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صلعم، وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ يُونُسَ: أَخْبَرَنِي زِيَادٌ).
          ░119▒ باب: نَحْرِ البُدْنِ قَائِمَةً.
          وقال ابنُ عمر: سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صلعم.
          وقال ابنُ عَبَّاسٍ: {صَوافَّ} [الحج:36]: قِيَامًا.
          1714- 1715- وعن أَيُّوبَ عن أَبِي قِلَابَةَ، عن أَنَسٍ قال: (صَلَّى النَّبِيُّ صلعم الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا...) الحديثَ، إلى أنْ قال: (ونَحَرَ بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا، وَضَحَّى بِالْمَدِينَةِ كَبْشَينِ أَمْلَحَينَ أَقْرَنَينِ).
          وعنهُ: صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَة أَرْبَعًا، والْعَصْرَ بِذِي الحُلَيفَةِ رَكْعَتَينِ.
          وعن أَيُّوبَ عن رَجُلٍ عن أَنَسٍ: (ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَصَلَّى الصُّبْحَ، ثمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حتَّى اسْتَوتْ بِهِ البَيدَاءُ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وحَجَّةٍ).
          الشَّرْحُ: حديثُ ابنِ عمر أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بلفظ عَنِ ابنِ عمر: ((أنَّهُ أَتَى على رَجُلٍ وهُو يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ بَارِكَةً، فَقال: ابْعَثْهَا قَائِمَةً مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صلعم)).
          وتعليقُ شُعْبَةَ أخرجَهُ الحَرْبِيُّ في «مَناسِكِهِ» عن عَمرِو بنِ مَرْزوقٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عن يونُسَ عن زيادٍ به. وفي «المُصَنَّفِ»: حَدَّثَنَا عبدُ الأعلى عن يونُسَ عن زيادٍ: ((أنَّ ابنَ عمر نَحَرَ ثَلَاثَ بُدْنٍ قِيَامًا)).
          ومِنْ حديثِ إبراهيمَ عنهُ: ((أنَّه كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ عَقَلَهَا، فَقَامَتْ على ثَلَاثٍ ثمَّ نَحَرَهَا))، وعن وكيعٍ عن نافعٍ: ((رَأَيتُ ابنَ عُمَرَ كَبِرَ فَنَحَرَهَا بَارِكَةً))، وعن أبي خالدٍ عن حجَّاجٍ عن عَطَاءٍ: ((أنَّ ابن عمرَ كَانَ يَنْحَرُهَا شَابًّا قِيَامًا، فَلَمَّا كَبِرَ نَحَرَهَا بَارِكَة))، والأخِير فيه رجلٌ مجهولٌ.
          قال الدَّاوُدِيُّ: إِنَّهُ ليسَ بمُسنَدٍ لجهالةِ هذا الرَّجلِ، ولو كَانَ محفوظًا عن أبي قِلابَةَ ما كُنِّيَ عنهُ لجَلالَتِه وثِقَتِه، وإِنَّمَا يُكنَى عمَّنْ فيه نظرٌ، وقال ابنُ التِّينِ: يحتمل أنَّه نسِيَه وهو ثِقةٌ، إذْ لو عَلِم أنَّ فيه نظرًا لسَمَّاه، أو أسقَطَ حديثَه، وفي حديثِه / أنَّه باتَ حتَّى أَصبحَ، فأهَلَّ بهما جميعًا.
          وسلف حديثُ عائشةَ وغيرُه أنَّه أُفرِد وقد سلف ما فيه [خ¦1561]، وأوَّلَه المُهلَّبُ وغيرُه أنَّ معناه: أمَرَ مَنْ أهلَّ بالقِرانِ مِمَّنْ لم يفسَخْ حَجَّه، لأنَّه صحَّ أنَّه ◙ كَانَ مُفرِدًا لا قارنًا، فمعنى (لَبَّى): أهلَّ بهما جميعًا، أباحَ الإهلالَ بهما قولًا، فكَانَ إهْلَالُهم له بالإباحةِ أمرًا وتعليمًا مِنْهُ لهم كيفَ يُهِلُّون حِينَ قَرَنَ مَنْ قَرَنَ مِنْهُم، وقد أسْلَفْنا ردَّ عائشةَ وابنِ عمر قولَ أنَسٍ، ووصفَهُما له بالصِّغَرِ وقلَّةِ الضَّبطِ لهذِه القِصَّةِ [خ¦1554].
          وقوله: (وقال ابنُ عمر: سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صلعم) سلف مسندًا.
          وأثرُ ابنِ عَبَّاسٍ أَخرجَه ابنُ أبي شَيبَةَ عن أبي خالدٍ عَنِ ابنِ جُرَيجٍ عَنِ ابنِ أبي مُلَيكَةَ عنهُ، ثمَّ رواه عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: أنَّه رأى رجلًا، فذكَرَه بمِثلِ حديثِ ابنِ عمر.
          ومعنى (قِيَامًا مقيَّدةً) يَعني مَعقُولَةَ اليَدِ الواحدةِ قائمةً على ما بقيَ مِنْ قوائِمِها، وعلى هذا المعنى قراءةُ مَنْ قرأ: {صَوافِنَ}، لأنَّه يُقال: صَفَنَ الفرسُ إذا رَفع إحدى رِجْليه، ويَشهدُ له قوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج:36] يعني سقَطَت إلى الأرضِ.
          ورَوى ابنُ أبي شَيبَةَ عن إبراهيمَ ومجاهد الصَّوافُّ: على أربعة، والصَّوافِنُ على ثلاثة، وعن طاوسٍ ومجاهدٍ: الصَّوافُّ تُنحر قيامًا، ومَنْ قرأ: {صَوَافَّ} فإنَّه أراد قائمةً، وقال مَالِكٌ: تُعقلُ إنْ خِيفَ أنْ تَنْفِرَ، ولا تُنْحَرُ بارِكةً إلَّا أنْ يصعُبَ، قال قَتَادَة: معقولَة اليدِ اليُمنى، وقُرِئَ: {صَوافِي}، أي صافيةً خالِصةً لله مِنَ الشِّرْك، لا يُذْكَر عليها غيرُ اسمِه، وأطلَقَ الشَّافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثَورٍ أنْ تُنْحَر قائمةً، وقال أبو حنيفةَ والثَّورِيُّ: تُنحَر باركةً وقائمةً، واستحبَّ عَطاءٌ أنْ ينحَرها باركةً معقولةً، وروى ابنُ أبي شَيبَةَ عن عَطاءٍ: إنْ شاءَ قائِمة، وإنْ شاءَ باركةً.
          وعنِ الحَسَنِ: باركةً أهون عليها، وعن عَمرٍو: رأيتُ ابنَ الزُّبَيرِ ينحَرُها وهي قائمةٌ معقولةٌ.
          وفي «سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ» مِنْ حَدِيثِ أبي الزُّبَيرِ، عن جابرٍ: ((أنَّه ◙ وأصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ البَدَنَة مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى قَائِمَةً على مَا بَقِيَ مِنْ قَوائِمِهَا)).
          قال أبو الزُّبَيرِ: وأَخْبرَني عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَابِطٍ مرسلًا أنَّه ◙ وأصحابَه... الحديث. وقوله: (نَحَرَ بِيَدِهِ سَبْعَة بُدْنٍ) هو بالهاء في سَبْعَةٍ، وهو ظاهرٌ في وقوعِ البَدَنَة على الذَّكرِ والأُنثى.
          وقوله: (وَضَحَّى بِالْمَدِينَةِ كَبْشَينِ) قال ابنُ التِّينِ: صوابُهُ بكَبشَين. قلتُ: وكذا هو في أَصلِ ابنِ بَطَّالٍ، والأملَحُ: الأغْبرُ كما سلف [خ¦1551].